العُمري .. ذاكرة تختزن أحداث 90 عاماً

العُمري .. ذاكرة تختزن أحداث 90 عاماً

ناصر بن محمد العُمري (المخواة)

تختزن ذاكرة المعمر خميس بن سعيد خميس العمري العديد من الأحداث التي عاشها على مدى عشرات السنين، ولديه القدرة على سردها بذات الروح التي كان عليها حينما كان يافعا، على الرغم من تتابعها واختلاف تفاصيلها بتعاقب السنين.
ويمثل هذا الرجل الذي ناهز 90 عاما، أنموذجا مميزا في حياته التي دخلت مرحلة الصخب منذ أن غادر قريته في وادي منجل بتهامة الباحة قبل أكثر من نصف قرن، واستوطن تبوك.
أحاط هذا الرجل نفسه بنظام حياة صارم مكنه من الاحتفاظ بحيويته فلم يركن لحياة الراحة ولم تغره المدينة بكل فلاشاتها وأضوائها ومغرياتها وجاذبيتها، إذ يحرص على الخلود للنوم في العاشرة مساء ليستيقظ مع تباشير الصباح الأولى، ميمما نحو البراري الفسيحة في نواحي مدينة تبوك يتفقد أغنامه وماشيته بصحبة العمة أم سعيد، ولا يعودان من رحلتهما اليومية إلا مع حلول المساء حين يرخي الليل سدوله ويطبق على المكان، ولأبي سعيد برنامجه الغذائي الصارم، ولم تستطع البدائل الحضارية، التي تفرضها المدينة أن تغيره، على الرغم من أنه يعيش في قلب مدينة تشهد تحولات متسارعة نماء متسارعا، فالرجل لا يزال يتناول إفطاره التقليدي المكون من القهوة والتمر في موعده المعتاد بعد الفجر، وبعد الشروق تحتل الخبزة والقرصان على الصاج طبق المائدة الصباحية فيما العصيدة والعيش والدغابيس والمرق والمعفوس لا تغيب عن إحدى الوجبات، وللعم خميس 7 أولاد و 5 بنات، وله من الأحفاد ما يزيد عن 60 حفيدا، حرص على تربيتهم بطريقة مثالية.
يتذكر أن والده سافر للحج ولم يعد لأنه كما يقال سافر بعد الحج إلى وادي فاطمة للبحث عن عمل وهناك مرض ومات فعاش عند أخواله وفي كنف والدته، رحمها الله. وبين أنه نشأ يرعى الغنم وحين كبر قليلا توجه لممارسة بيع الملح ونقله من المخواة إلى سوق رغدان بالباحة على ظهور الجمال التي عاش معها مواقف عصيبة عدة.
وقال العم خميس «عملت معاونا مع بناء شهير ومعروف بلغ شهرته الآفاق، حيث كنت أعمل ملقفا أناوله الحصى بعد تعديلها وتسويتها حتى تكون صالحة للبناء»، موضحا أنه في يفاعته غادر وادي منجل في تهامة الباحة إلى مدينة جدة بحثا عن العمل في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز، يرحمه الله.
وأضاف «عندما وصلنا جدة وكانت رحلة التحديث لهذه البلاد تشهد فجرها الأول وبداياتها عبر بناء المرافق المختلفة، فتوجهنا للعمل في بناء مقر المالية»، مشيرا إلى أنهم كلفوه بمهمة إيصال الخلطة، إلا أنه بعد أقل من ساعة حدث عراك بين زميله وأحد المشرفين أفسدت عليهم الاستمرار في العمل كعمال بناء. وتابع «كانت تلك اللحظة تدبيرا من الله عز وجل، فقد اضطررنا للالتحاق بالسلك العسكري في 1/11/1369هـ، في عهد الملك عبدالعزيز»، مشيرا إلى أنه شارك في العديد من الحروب التي خاضتها الدول العربية آنذاك.
تحدث أبو سعيد عن المسميات القديمة للرتب العسكرية، مبينا أنها كانت في السابق تختلف عن المسميات اليوم، إذ كانت «عريف، شاووش، وكيل، وكيل ضابط». وأوضح أن أول راتب تقاضاه كان 7ريالات من الفضة ثم ارتفع حتى وصل 90 ريالا، مبينا أنه صرف أول راتب في سداد الديون واشترى منها ثوبا مبرما وشماغ كريشة.
تزوج أبو سعيد من رحمة بنت عبدالله بمهر مضاعف، إذ دفع 3000 ريال في حين كان المهر المحدد آنذاك لا يزيد عن 500 ريال، مؤكدا أن السبب هو صداقته لشقيق زوجته خيران بن عبدالله، يرحمه الله.
ويذكر أبو سعيد أنه سافر مشيا على الأقدام من تهامة الباحة إلى مكة المكرمة عن طريق الباحة ــ الطائف في مدة زمنية تبلغ خمسة أيام بلياليها، ولم يكن معه ومرافقوه ريال واحد وكانوا يأكلون من القرى التي يمرون بها فقط ويشربون من الآبار.
وتقاعد أبو سعيد من السلك العسكري في 1/1/1399هـ، بعد أن قضى 30 عاما في السلك العسكري وكانت رتبته عند التقاعد «رقيب».