لا تحزن إن الله معنا... و.. كلا إن معي ربي سيهدين

وليد احمد فتيحي

بين إحياء دروس تاريخ هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين إحياء تاريخ عاشوراء بصوم اليوم الذي نجّـى الله فيه نبيه موسى عليه السلام، مواقف وعبر تستحق الذكر والتأمل والدراسة والتحليل..
وفي كل عام تعيد ذكريات هذين اليومين إلى خاطري درساً سمعته من أجلّ وأقدر أساتذتي المفكرين المبدعين المتجددين المتعمقين في فهم روح الدين وإسقاطاته كمنهج حياة وتطبيقه على أرض الواقع.
حكى لي أستاذي قائلاً: حدثني والدي يوماً قائلاً: تأمل يا بني في موقف نبيين من أنبياء الله عز وجل، خاتم الأنبياء سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم بينما هو وصاحبه في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا.. فلا خوف ولا شك ولا تردد في نصر الله، وقريش لو نظرت مكان أقدامها لرأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار.
في حين نبي الله موسى عليه السلام يقول عنه القرآن: }فأوجس في نفسه خيفة موسى| وهو يُواجه السحرة.. وما جاؤوا به من سحر عظيم حسب وصف القرآن الكريم.
واستدل الوالد بذلك على قوة عزيمة رسول الله وثقته بالله دون غيره من الأنبياء...
ولم تعجب إجابة الأب ابنه العالم حيث قال: إن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ونبي الله موسى عليهما السلام من أولي العزم من الرسل ولا يجوز الإنقاص من قوة عزيمة أي منهما، وعاد الابن للأب في اليوم الثاني وأوضح لأبيه أن المقارنة لا تكون هكذا وإنما تقارن موقفين بموقفين. موقف رسول الله في الغار }إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا|، وموقف نبي الله موسى عليه السلام وقد أدركهم فرعون وجنوده وصار البحر من أمامهم وجنود فرعون من خلفهم إذ قال له قومه إنا لمدركون فأجابهم قائلاً: }كلا إن معي ربي سيهدين|.
أما الموقفان الآخران فهما موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيل معركة بدر ودعاؤه لربه رافعاً يديه للسماء وجلاً خائفاً من أن تهزم العصبة المؤمنة ولا يُعبد الله في الأرض، بموقف وَجَل وخوف موسى عليه السلام وهو في مواجهة سحرة فرعون وأعمالهم }فأوجس في نفسه خيفة موسى|.
ففي هذين الموقفين الأولين توفرت وسائل الدعوة لله والجهاد لكلا النبيين.. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعه عصبة من الصحابة وجيشه سيدخل المعركة، وسيدنا موسى معه آيات ربه الكبرى، وبتوفر هذه الأسباب دخل الخوف في قلب نبييه من أهل العزم، خوفاً أن يقصرا في أخذ الأسباب فيكون العقاب، أو أنهما يتكلان على هذه الأسباب ويؤمنان بها فيركنان لها وتكون الهزيمة.
أما الموقفان الآخران ففيهما تتجسد حال الأنبياء عندما يستنفدون جميع الأسباب المتاحة بين أيديهم، فعندها تنعدم الأسباب المادية ويُعذرون عند ربهم، فعندئذ فقط يشعرون بالثقة التامة بنصر الله وأنه حان التدخل الرباني والنجاة بغير الطرق المادية، والدخول في حمى الله وحدوث المعجزات والكرامات، وبما أن الأنبياء ما أرسلوا إلا ليكونوا لنا قدوة ونبراساً فعلينا إسقاط هذا المفهوم على حياتنا.
وعندما نسقط هذا المفهوم العظيم على حياتنا نجد أن لسان حالنا يقول عكس ذلك تماماً.
عندما تتوفر لنا أسباب النصر ونمتلك الأسباب المادية فإن الواحد منا يحس بالثقة والطمأنينة، وعندما تنفد الأسباب وتنعدم يحس الواحد منا بالخوف والوجل، بل منا من يُقصِّر بالأخذ بالأسباب وعندما يملك بعضها يركن إليها ويؤمن بها وفي كل ذلك انحراف في تطبيق أهم وأعظم مفاهيم العمل ألا وهو الأخذ بالأسباب كاملة بكل صدق وإخلاص كمن لا يؤمن إلا بها، ثم عبادة الله والتوكل الكامل عليه سبحانه قبل وأثناء وبعد الأخذ بالأسباب يقيناً بأن النتائج هي من عند الله وما الأسباب إلا وسائل أُمرنا بالأخذ بها.
تمر ذكرى الهجرة عاماً بعد عام..
ويصوم من يصوم يوم عاشوراء عاماً بعد عام..
ولكن كم من أمة محمد.. من فهموا دروس الهجرة وعاشوراء وجعلوها نبراساً في حياتهم واسقطوها على واقع حياتهم..؟!
فاكس: 6509659
Okazreaders@imc.med.sa