أمثلة متطرفة

مها الشريف

في الحياة مسائل مركزية تستدعي التوقف عندها، ثم يتعين علينا النهوض بالأدلة التي تناسب عجلة الزمن واستمراره، علما أن التعاقب أساس للزمن، ونحن نمكث خلفه في نفس المكان بلا فاعلية تذكر، إن الفرد في مجتمعنا يعاني الكثير من الإنقسام الذاتي الذي يخفيه ويعلنه حسب الظرف المواتي سواء أكان حقا أو باطلا، ويلجأ إلى تشبيه الموضوعات بالظواهر ليصمت بعدها ويوحد التصورات مع المعطيات ويسكبها آمالا تتعلق عليها مفاهيم الشعوب لكي تتجانس المواقف والأحلام، إذن لماذا لم تخبرنا بعزمك على قيادة جيوش الأمل لننضم إليك، ونتجنب الحرب مع اليأس، ألم تعلم أن الحرب مهلكة ومكلفة ونحن فقراء ولدينا وجهات نظر قاتلة لا هوادة فيها ولا نرى شبيها لنا في التاريخ، ننتشل الأكاذيب من الحقائق قبل أن تموت، ونلبس دروع الأبطال ونقف على مشارف المدائن نتحدى البحر بصراخنا، لقد أثقل العتاد ظهورنا ثم حملنا كتبنا نبحث لها عن قراء، ونقاتل اليأس، ولكن كثيرا منا يحلم بدفع الغرامات شرط أن تبقى ثيابهم البيضاء نظيفة وهيئتهم أنيقة، لعمرك لا شيء يفوتك نيله ونحن نجهل ما نحن فيه، ننتفع بما ليس لنا ونحبس الدمع في المآقي خوفا من ضعف بأسنا ونموت قبل أن تقتلنا أقدارنا من الحزن والغبن، أترانا نملك عقولا لا يملكها غيرنا أم أننا نحتاج أمثلة متطرفة تخلصنا من بؤسنا وأشياء كثيرة نؤمن بها ولكننا لا نفصح عنها، تختبئ أشياؤنا خلف أفكارنا ونحمل أسماء مجردة لا نعي معانيها ــ مجردة حياتنا من ذكرياتنا ــ وكذلك أسماءنا لا نملك إلا مواصلة الطرق على أبواب مفاهيمنا، نعاني من العصبية وضعف البنية التحتية ونرمي بالكثير من الفشل على العامة من ظروف وأشخاص وكأننا ولدنا أنبياء وأقوامنا تحاربنا، نركل الأبواب لفتحها والمفاتيح في أيدينا، نقدم العنف على الرفق والقسوة على اللين واعترافاتنا مركبة على الكرامة والأخلاق والشرف، إن فحوى الفساد تملأ الصحائف والوثائق ولدينا ميل غريزي فاضح يركن إلى جانب الأنانية، هناك أشياء أقبح من مال لعين تشترى به النزوات والشهوات، هناك رجل يدعي الدين والوقار والتقوى وهو قاتل، يلبس ثوب الورع ويديه ملوثة بدماء الأطفال، هل هي حالة إنكار شديدة نكتبها أو هي ندرة كبيرة اجتاحت أرواحنا، وقد يكون هذا شيء من لا شيء، قال جوته: «إن نقائص الإنسان مستمدة من عصره وفضائله وعظمته من نفسه»، أين العظمة التي نبحث عنها وقد تفاقمت الـ (أنا) على الموجودات وطغت على كثير من الإيمان حتى سلبت الناس حقوقها، وكرامة حريتها، وشرف عيشها، واستقلالها المفروض، وأثنى المفكر بيكون على هبة الخالق جل جلاله وعظم شأنه قائلا إن الله سبحانه وتعالى جعل الأرواح تتساوى جميعها في العالم ولكن تفاوتت قدراتها وبيانها، ولا زال العلم والفلاسفة يغدقون علينا من العلوم أعظمها وأقومها التي تحيط بالذات، ولم يترك ديكارت مجالا إلا وضع التقليد الذاتي والمثالي وجعل علم الأخلاق رأس الحكمة وتاج العلوم، إننا هنا منذ فترة زمنية محددة وفجأة تعارفنا وتواصلنا وتصادقنا وبالتالي انقسمنا؛ لأننا اقترفنا شيئا سيئا بحق بعضنا، دعونا نختلف بلا عداء أو جفاء، إن الشر غالبا ما يشوش الأفكار والأرواح ويتجسد البؤس عندما نجد أن الحياة صغيرة ومضحكة وتنحدر إلى طريق إلزامي في اتجاه واحد !.