التوظيف والاستدامة

عبدالله النفيعي

يشغلنا اليوم في المملكة موضوع التوظيف والتوطين، وأصبح تناول هذا الموضوع في الغالب محصورا في الجهود التي تبذلها وزارة العمل على اعتبار أنها الوزارة البارزة في السنوات الأخيرة في هذا المجال، بما طبقته من برامج وتنظيمات جديدة، وبالرغم أن الوزارة معنية في المقام الأول بموضوع توفير فرص العمل للسعوديين نساء و رجالا في القطاع الخاص إلا أن العمل في هذا المجال لن ينجح دون شراكة حقيقية مع قطاعات أخرى حكومية وخاصة، فالعمل البشري هو أهم موارد الإنتاج، وتقديم الخدمات وله ارتباطات مستمرة مع غيره من موارد أخرى في هذا القطاعات.
ويمكن تقسيم موضوع توفير فرص العمل إلى عنصرين مهمين: العنصر الأول هو توليد هذه الفرص في القطاع المستهدف، والعنصر الآخر هو ضمان استدامة هذه الفرصة الوظيفية وتطورها، وهذا يجرنا للحديث عن موضوعات أخرى كالسوق التجاري ــ إذا تحدثنا عن سوق العمل في القطاع الخاص ــ ومدى كفاءة هذا السوق في توليد وظائف حقيقية تتسم بالاستدامة والثقة، فمن وجهة نظر معتبرة لا يمكن الثقة في توفير فرص العمل بناء على سياسة إحلال للسعوديين مكان الأجانب دون وجود واقع متكامل يضمن أن هذا الإحلال يقوم على أسس استدامة و تطور في هذه الوظائف يجعل منها ضرورة في السوق كعنصر إنتاج لا يمكن الاستغناء عنه، ومن الضروري التمسك به وتطويره.
إن ما أخشاه أن تكون جهود التوطين التي تقوم بها وزارة العمل جهودا ناجحة بشكل سريع وخاطف ــ وهي كذلك حتى الآن ــ بحسب تصريحات الوزارة، فمنذ بدء برامج الوزارة تم (تسجيل) تزايد أعداد السعوديين والسعوديات في القطاع الخاص بناء على بيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعيّة، وهذه البيانات تكشف عن وجود سعوديين في القطاع الخاص كموظفين، لكننا لا نعلم حتى الآن عن ظروف وجودهم بشكل واضح، خصوصا في الجانب المهني، فالجانب الكمي يعطي انطباعا جيدا لكن هناك تساؤلات عن الجوانب النوعية، فنحن حتى الآن لا نجد تصنيفا مهنيا لطالبي العمل، فقط لدينا بيانات للتأهيل التعليمي!
وقد لاحظت أن الوزارة لديها وعي بهذا الموضوع، فاقترحت برامج إضافية تعتقد الوزارة أنها ستعطي نتائج نوعية؛ كتحفيز القطاع الخاص لرفع أجر الموظف السعودي، وهي مبادرة جيدة لكنها غير كافية، فالتحفيز للقطاع الخاص حتى الآن يركز على أن القطاع الخاص بإمكانه امتصاص البطالة بواقعه الحالي دون إضافة أي برامج أخرى تتجه لموضوع التأهيل والتدريب، أو إعادة هيكلة لبعض القطاعات التي تعاني من الاهتراء والتمدد السلبي غير المثمر. إن تحفيز التوظيف في القطاع الخاص من الضروري أن يكون بصورة انتقائية للمهن والقطاعات بناء على فرص التأهيل، وفرص الاستدامة لهذه الوظائف، وحجم الربحية، وتناسب الوظيفة مع الواقع المهني للقطاعات.
وفي توقعي أن نجاح التوطين لن يتأتى من خلال جهود وزارة العمل فحسب، دون مبادرة استراتيجية من وزارة التجارة والصناعة لتنظيم قطاع الأعمال التجارية الحالي الذي يتسم في بعض نشاطاته بالتوسع الكمي على حساب الفعالية، حيث نجد اعتمادا كبيرا على العمالة الأجنبية وتتحدد كثير من فرص النجاح في العمل التجاري على الكم في أعداد العمالة التي أدت بدورها إلى وجود مظهرين للعمل التجاري أحدهما رسمي غير واقعي ، والآخر واقعي غير رسمي، وليس جديدا أن نكتشف أن برامج وزارة العمل تواجه مشكلات في تحقيق كثير من نتائجها بسبب الواقع الفعلي للقطاع الخاص، وفي نفس الوقت لا تستطيع الوزارة إلا أن تتعامل مع هذين المظهرين للعمل التجاري، وهذا خلل يحتاج إلى معالجة تكاملية بين الوزارتين.
إن مجمل القول في هذا الموضوع، إن نجاح برامج التوظيف والتوطين مرتبط باستدامة الوظائف، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا في حالة واحدة وهي أن نشهد تعديلات عميقة في قطاع الأعمال التجارية، وأن تتضمن هذه التعديلات إعادة هيكلة لبعض القطاعات، ورفع متطلبات التأهيل للمنشآت لضمان استمراريتها، وتعزيز علاقة الثقة بين طالب العمل وصاحب العمل، وتحقيق ذلك جزء من كل والموضوع واسع وتشعباته لا تنتهي.