المصالح الاقتصادية تخدم الشعوب وتدعم التعايش السلمي بين الامم

نتائج ايجابية وواقعية لزيارة سمو ولي العهد لليابان

المصالح الاقتصادية تخدم الشعوب وتدعم التعايش السلمي بين الامم

فتحي عطوة (القاهرة)

أدركت الدبلوماسية السعودية منذ انتهاء الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي أن العلاقات الدولية اتخذت طابعا تعدديا بدلا من الاستقطاب الدولي ، وأنها أصبحت ذات مضمون اقتصادي أكثر من كونها تركز على الأبعاد الأيديولوجية ، وأن البقاء لمصالح الشعوب التي ستفرض التعايش بين الأمم . ومن هنا ركزت الدبلوماسية السعودية على التحرك شرقا وغربا وشمالا وجنوبا مع كل القوى الاقتصادية والسياسية في العالم ، وعبرت عن ذلك زيارات المسئولين السعوديين للولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين والهند وباكستان وماليزيا وكوريا، وأخيرا اليابان التي زارها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام خلال اليومين الماضيين .
تتهيأ كل السبل لعلاقات استراتيجية بين المملكة واليابان ، فالعلاقات لها بعد تاريخي حيث نشأت علاقات دبلوماسية منذ عام 1955 ، وسمو ولي العهد كان أول مسئول سعودي كبير يزور اليابان عام 1960 ، ثم زارها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد عام 1998 . واليابان هي الشريك التجاري الثاني للمملكة بعد الولايات المتحدة الأمريكية . وتشهد العلاقات التجارية السعودية اليابانية تطوراً مطرداً على مستوى تنوع الأنشطة واتساع نطاق حجم الاستثمارات والإفادة من التسارع الكيفي للاقتصاد الدولي ومواكبته في إطار التحديات التي تطرحها العولمة في ظل ازدياد حدة المنافسة التجارية الدولية وتحرير المزيد من الاقتصاديات . وقد بلغ إجمالي الاستثمارات السعودية اليابانية المرخصة من قبل الهيئة العامة للاستثمار في المملكة العربية السعودية حتى 2004م (11228) مليون ريال سعودي. وبلغت صادرات المملكة العربية السعودية لليابان حتى 2004م (49326) مليون ريال سعودي والواردات (14319) مليون ريال سعودي، مع ميل كبير في الميزان التجاري لصالح المملكة العربية السعودية يصل إلى (35007) ملايين ريال سعودي .
علاقة استراتيجية
وفضلا عن المصالح الاقتصادية هناك تفاهم سياسي وعلاقات سياسية قوية بين المملكة واليابان تمهد لعلاقات استراتيجية مستقبلية بين البلدين . كما أن الدولتين من الدول الكبيرة في آسيا وكل شعب له حضارة ضاربة في أعماق التاريخ ، و الشعب الياباني يكن كل الاحترام والتقدير للمملكة وشعبها ويذكر دائماً الموقف الايجابي للمملكة خلال أزمة النفط في عام 1973م، وأن الكثير من الشعب الياباني يرى أن استمرار ضمان أمن وتدفق النفط السعودي لليابان خلال هذه السنوات قد ساعد اليابان للوصول إلى هذا المستوى الصناعي والاقتصادي المتقدم وقد اتضح ذلك من خلال عدد زائري جناح المملكة العربية السعودية الذي أقيم في معرض إكسبو 2005م العام الماضي في مدينه ناغويا في اليابان والذي بلغ 2.5 مليون زائر. كما أن الشعب السعودي يحترم التجربة الاقتصادية الناجحة لليابان ويحتفظ له بصورة إيجابية .
هذه الأرضية المشتركة السياسية والاقتصادية والثقافية بين المملكة واليابان مهدت للنجاح الكبير لزيارة سمو ولي العهد لليابان والتي أسفرت عن عدد من النتائج المهمة يمكن رصدها على النحو التالي :
1- إعراب الطرفين عن تصميمهما على العمل لدفع العلاقات الثنائية المزدهرة إلى الأمام لإقامة شراكة استراتيجية بين البلدين.
2- توقيع الجانبين على مذكرة تفاهم للمشاورات السياسية بين وزارة خارجية المملكة العربية السعودية و وزارة خارجية اليابان.
3- اتفق الجانبان على الرغبة في تعزيز حواراتهما الاستراتيجية على كل المستويات وفي المجالات الاقتصادية الثقافية البيئة والنقل الجوى من أجل تعزيز شراكتهما. وأعرب الجانبان أيضا عن رغبتهما في تعزيز الحوارات السياسية الرفيعة المستوى بينهما بما في ذلك الحوار بين وزيري الخارجية.
4- على المستوى الإقليمي الترحيب بقرار بدء المفاوضات الرسمية حول اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين اليابان ومجلس التعاون لدول الخليج العربية لعقد اجتماع تحضيري في شهر مايو 2006 م حيث أن توقيع اتفاقية منطقة التجارة الحرة بين اليابان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من شأنه أن يساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المملكة العربية السعودية و اليابان ومن ثم بين اليابان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مجتمعة.
5- الاتفاق على أن استقرار سوق النفط العالمية يشكل حجر الزاوية لنمو الاقتصاد العالمي. وفي هذا الصدد أعرب الجانب الياباني عن تقديره للدور المهم الذي تقوم به المملكة العربية السعودية أكبر مصدر للنفط إلى العالم و إلى اليابان و الدولة الرائدة في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك). وأقر الجانبان بأهمية تعزيز التعاون الثنائي من خلال حوارات مكثفة في مجال الطاقة على أساس علاقات مشتركة مكملة لبعضها البعض بين المملكة العربية السعودية التي تمتلك اكبر مصدر للهيدروكربون في العالم واليابان التي تمتلك تقنيات متقدمة في مجال الطاقة.وعبر الجانب السعودي عن عزمه الاستمرار في ضمان إمداد اليابان بالنفط بشكل منتظم وعبر الجانب الياباني عن تقديره لذلك.
6- الاتفاق على أن التفاهم المشترك واحترام الثقافات والحضارات المختلفة هي الأساس الوطيد لهذا العالم المتجه سريعا نحو العولمة. وفي هذا الصدد أعرب الجانب الياباني عن دعمه لدعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود إلى شجب فكرة تصادم الحضارات واستبدالها بفكرة التعايش السلمي بين كل الحضارات ولان تكون المرحلة القادمة في العلاقات بين الدول والأمم مرحلة حوار حقيقي يحترم كل طرف فيه الطرف الآخر. بينما لاحظ الجانب السعودي بأن اليابان تقدم مساهمات كبيرة في تعزيز التفاهم المشترك بين مختلف الحضارات ومن بينها الحضارات الإسلامية والآسيوية والعربية.
7- وفيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط أكد الجانبان على أهمية الجهود السعودية اليابانية المشتركة لتحقيق السلام والاستقرار في كافة أنحاء الشرق الأوسط وأن الحل العادل و الشامل للنزاع العربي الإسرائيلي سيساهم بشكل كبير في استقرار وازدهار منطقة الشرق الأوسط ، كما حصلت المملكة على دعم اليابان لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للسلام التي تبنتها القمة العربية في عام 2002م وخارطة الطريق ، والاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني.
8- الاتفاق على دعم الجهود الدبلوماسية الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية والعمل من اجل إيجاد حل دبلوماسي للمسألة النووية الإيرانية.
دعم البعد السلمي
للعلاقات الدولية
التحرك الدبلوماسي السعودي شرقا وغربا يستهدف عدة أمور :
الأول : تأكيد المصالح الاقتصادية للشعب السعودي من خلال العلاقات الدولية الإيجابية .
الثاني : تعزيز المصالح الاقتصادية بين الشعوب بدورها ستدعم الحوار بين الثقافات وتعزيز البعد السلمي للعلاقات الدولية وهذا ما دعا إليه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام خلال زيارته لليابان ، حيث طالب المجتمع الدولي « بتكثيف الجهود لتكريس التعايش السلمي بين الحضارات واحترام الإنسان ونبذ كل أشكال التمييز والعنف والتطرف» .
وأكد «إن الحوار المتوازن بين الثقافات يسهم في منع أوجه الخلاف والنزاع بين الأمم ويقف أمام احتمالات نشوء الصراع بينها».
الثالث : على دعم نمو الاقتصاد العالمي من خلال السعي لاستقرار أسواق البترول ، وقد عبر الجانب السعودي خلال المباحثات الرسمية لسمو ولي العهد في اليابان عن عزمه الاستمرار في ضمان إمداد اليابان بالنفط بشكل منتظم وعبر الجانب الياباني عن تقديره لذلك. واليابان كما هو معروف هي ثالث دولة عالمياً في استهلاك النفط، وتتجاوز حصتها 7 في المائة من الطلب الإجمالي العالمي على النفط، عدا كونها عملاقاً تقنياً. وتزود المملكة اليابان بما يقارب ثلث حاجتها من الطاقة، إذ يبلغ إجمالي واردات اليابان من النفط نحو أربعة ملايين برميل يومياً. وتتضمن الصفقات الثنائية العملاقة التي تم توقيعها حديثاً بين البلدين، مشروع رابغ النفطي «بترو رابغ»، وهو مجمع متكامل لتكرير النفط وإنتاج البتروكيماويات، ووقعت شركة «تويوبو» اليابانية المتخصصة في الطاقة ومشاريع إزالة الملوحة «التحلية»، اتفاقاً في عام 2005، وذلك بقيمة بليون دولار أميركي مع شركة «أرامكو» السعودية. وتتجاوز مدة هذا الاتفاق20 عاماً، ويُنتَظَر أن يبدأ تنفيذ هذه الصفقة خلال عام 2008. ويعطي هذا الاتفاق شركة «تويوبو» حصة كبيرة من سوق التحلية السعودية. وزادت شركة «أرامكو» في العام الماضي حصتها في شركة «شوا شل سيكيو كي. كي .Showa Shell Sekiyu K K» اليابانية، لتصبح 14.96 في المائة.
وتأتي هذه الخطوة لفتح آفاق جديدة لصادرات النفط السعودية مع اليابان بعد الصين ، حيث وقع اتفاق طاقة بين السعودية والصين يوم الثلاثاء 24 يناير 2006 خلال أول زيارة رسمية قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز لثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، والسعودية هي بالفعل أكبر مورد للنفط إلى الصين التي تسعى وراء تأمين احتياجاتها من النفط لتغذية اقتصادها المزدهر حيث تسعى إلى إغراء شركاء محتملين بالفرص التي تمثلها سوقها الضخمة، وأمدت السعودية الصين بنحو 440 ألف برميل يومياً من النفط في الأحد عشر شهراً الأولى من العام الماضي بما يمثل 17% من واردات الصين.