سلامة القرآن من التحريف باعتراف مشروع الاتحاد الأوروبي

ندوة للمخطوطات الأثرية تجمع على تدوينه بالقرن الأول للهجرة

سلامة القرآن من التحريف باعتراف مشروع الاتحاد الأوروبي

هناء البنهاوي (القاهرة)

رغم الجدل الواسع الذي أثاره بعض المستشرقين الغربيين حول زمن تدوين القرآن الكريم ومحاولتهم إلصاق التحريف به بزعم انه دوّن بعد قرنين على الهجرة النبوية، فان علماء الغرب نفسه يكذبون هذه الافتراءات على النص القرآني من خلال المركز الدولي لجمع وفهرسة ودراسة المخطوطات العربية المقام العام الماضي، وهو المشروع الذي يرعاه الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع العلماء المسلمين، والذي أثبتت دراسته العلمية سلامة القرآن من أي تحريف. وقد أكدت ندوة «مخطوطات القرآن الاثرية» بمعرض كتاب القاهرة مؤخرا ان علماء ايطاليا قد بذلوا جهودا علمية واسعة في مجال تفنيد مزاعم المستشرقين المغلوطة تجاه المصحف عبر دراسات علمية بهذا المركز الدولي لدراسة المخطوطات الأثرية للمصاحف التي استخدمت فيها أحدث التقينات العلمية في تحليل الخطوط.
في هذا السياق يقول الدكتور سيرجو نويا نوزاد رئيس مؤسسة الحضارة العربية الإسلامية بايطاليا انه كان لديه انطباع سيئ عن القرآن الكريم وفق وجهة نظر بعض المستشرقين الذين ذهبوا للاعتقاد بأن النص القرآني قد جرى تدوينه متأخرا وبعد قرابة قرنين على الهجرة المحمدية وبالتالي فقد ناله التحريف، واستندوا في ذلك الى الزعم بأن القرآن، لم ينزل بلغة أهل الحجاز بمكة والمدينة.
وأضاف انه بناء على التصورات المسبقة لآراء المستشرقين في هذا الشأن أقمنا المركز الدولي لتجميع وفهرسة ودراسة المخطوطات العربية ومنها المصحف وهو المشروع الذي بدأنا العمل فيه منذ العام الماضي وبدعم من الاتحاد الأوروبي وتعاون المعهد الثقافي الايطالي بالقاهرة مع مؤسسة الأزهر.
وأوضح انه من خلال هذا المشروع قمنا بدراسة مخطوطات القرآن الأثرية والتعرف على الخطوط المستخدمة في كتابته وطرق نسخه، واكتشفنا بعد دراسة هذه المخطوطات ان القرآن في نسخه الأصلية الأولى في القرن الأول الهجري أن اصل الكتابة العربية لم تأت عن النبطيين كما تصور علماء ألمانيا، وانما قد كتب بالخط الحجازي والمدني بخط القوائم المائلة التي كانت منتشرة في تلك الفترة مما يثبت ان النص القرآني قد كتب في عصر صدر الإسلام وقرنيه الأول والثاني، وبالتالي لم ينله أي تحريف. وأوضح أن هذا المشروع المعني بجمع وتحليل المخطوطات القرآنية يستغرق العمل فيه عدة سنوات قادمة وان كان قد صدر منه ستة أجزاء حتى الآن لكنه يخدم اللغة العربية والقرآن والاجيال المسلمة والباحثين.

التشويه
الى ذلك لفت د. محمد عباس سليم مدير المتحف الاسلامي بالقاهرة الى أهمية المشروع الدولي لتجميع وفهرسة ودراسة وتحليل مخطوطات القرآن الكريم الاثرية في هدم صروح الأكاذيب التي عمل على ترويجها بعض المستشرقين بشأن النص القرآني وزمن تدوينه ومحاولتهم تشويه قدسيته بالادعاء انه دون بعد قرنين من الهجرة النبوية ومن ثم ترويج الزعم بأن التحريف قد طاله اسوة بالتحريف الذي سبق ان طال نصوص التوراة والانجيل، حيث أثبت هذا المشروع العلمي الدولي ان القرآن الذي على نزل نبي الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاثة وعشرين عاما كان كتاب النبي يدونونه وقت نزوله على سعف النخيل وان كانت رقائق القرآن لم تجمع في مكان واحد، وبعد موقعة اليمامة وحروب الردة توفي أربعمائة من حفظة القرآن الكريم فأخذ الخليفة عمر بن الخطاب ما كان مكتوبا على العظام وسعف النخيل من القرآن وآل به الى ابنته حفصة، ومع انتشار الاسلام أمر الخليفة عثمان بن عفان بجمع القرآن واصدار أول نسخة كاملة من المصحف الشريف وأرسلت منه نسخ الى الامصار الاسلامية. وتحليل هذه النسخ الأولى من القرآن ومنها نسخ في مصر يرجع تاريخها للعام الاول للهجرة كشف انها مكتوبة بالخط الحجازي الذي اشتق منه الخط النبطي.

الجدل الدائر
أما الدكتور عبد الفتاح البركاوي استاذ اللغة العربية فأكد ان هذا المشروع الذي يبذل فيه علماء ايطاليا جهدا عمليا وبحثيا غير مسبوق يكتسب أهمية قصوى لأنه يكشف عن فترات زمنية مهمة في تاريخ القرآن
ويلقي الضوء في مرحلة من مراحل تطور التاريخ الانساني عندما تصدرت الحضارة الاسلامية واشاعت بنورها أجواء العالم. واشار الى هذا المشروع البحثي الذي يشارك فيه علماء من الشرق والغرب يثبت ان النص والرسم القرآني لم يطاله أي تحريف، كما أن دراسة المصاحف الأثرية تضع حدا للجدل الدائر حول شكل المصحف في مختلف أجراء العالم الإسلامي. وعرف المصحف بالأثري بأنه المصحف الذي ينتمي للحقبة التاريخية التي بدأت بصدر الاسلام وحتى منتصف القرن الرابع الهجري وما عدا ذلك لا يدخل ضمن المصاحف الأثرية.
واستعرض د. البركاوي أشكال المصاحف الاثرية وطريقة كتابتها بدءا من المصحف ومراحل تطور الكتابة فيها بدءا من المصحف الذي كتب في عهد النبي وابو بكر الصديق حيث قد خلت حروفه من النقط والاعراب كعهد الكتابة في هذا الزمن والتي استمرت حتى النصف الاول من القرن الهجري، ثم المصاحف المكتوبة بطريقة النقط التي وضعها ابو الاسود الدؤولي كأول عمل صوتي في القرآن، أما المرحلة الثالثة التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيدي التي ميز فيها بين الحروف المتشابهة كالراء والزاء، والتاء والثاء وهذه المرحلة قد شهدت كتابة المصاحف مبرزة نقط الاعراب باللون الاحمر ونقاط الاعجام باللون الاسود، بينما تم الاستغناء في المرحلة الرابعة عن النقط الاحمر والاستعاضة عنه بالشكل حيث عرفت أشكال جديدة للهمزة. وخلص الى تأكيد انه منذ اول مصحف تم تدوينه في عصر صدر الإسلام وحتى أحدث نسخة مطورة للمصحف الشريف صدرت في بيروت مؤخرا مضى أربعة عشر قرنا هجريا تمثل انجازا حضاريا مهما في تاريخ كتابة وتدوين المصحف الشريف الذي عرف طرقا عديدة من الخطوط والزخارف والعلامات التي تيسر قراءته.

رقائق اليمن
من جانبه أكد د. يوسف عبد الله رئيس منظمة الآثار والمتاحف بصنعاء، على أهمية هذا المشروع الذي يتبناه الاتحاد الأوروبي لخدمة القرآن الكريم بتدوينه وتسجيله عبر توضيح المخطوطات القرآنية النادرة التي يرجع عهدها الى العصرين الأول والثاني للهجرة وجمعها من مختلف دول العالم لتصدر في مجلد واحد. ولفت إلى أن أهمية هذه الرقائق القرآنية التي تم اكتشافها تحت قبة المسجد الكبير باليمن ويزيد عددها عن خمس عشرة مخطوطة وتنتمي تاريخيا للقرنين الأول والثاني الهجريين حيث جرى حفظها وتصويرها، موضحا أن كثرة عدد هذه المخطوطات القرآنية المكتشفة بهذا الكم يثبت بما لا يدع مجالا للشك حقيقة ان القرآن الكريم قد وجد مدونا بشكله الحالي منذ القرن الأول للهجرة، على خلاف نصوص التوراة والإنجيل التي جرى تدوينهما بعد عدة قرون على نزولهما.
وقال ان هذه الرقائق القرآنية التي اكتشفت باليمن مطلع الثمانينات كانت محل اهتمام الجهات المعنية خاصة بعد أن تبنته ألمانيا بالتعاون مع اليمن وجرى ترميمها ، ورغم انها لا تمثل مصاحف كاملة، ولكن قادت الى اكتشاف معلومات نادرة عن طريقها ومنها ان معظمها كتب بالخط الكوفي المائل، والآخر كتب بخط الريحان.

التحليل الطيفي
فيما القى د. رفعت هلال نائب رئيس دار الوثائق القومية بالقاهرة الضوء على جهود الخطاطين عبر العصور من اجل الجمع بين الابداع في رسم الخطوط والزخارف في آن واحد عند تدوين المصحف، وكيف تنوعت الخطوط بين الريحان والمغربي والنسخ والكوفي في نسخ المصاحف الاثرية النادرة خلال القرنين الاول والثاني الهجري. واضاف ان مشروع الاتحاد الأوروبي لجمع نسخ المصحف الاثرية سوف يكون مشروع القرن لأنه يسعى لدراسة مصحف عثمان عبر دراسة أوراقه وخطوطه بشكل علمي باستخدام أحدث التكنولوجيا المعروفة في هذا المجال حيث يعتمد على التحليل الطيفي لتحديد زمن كتابة المصحف بشكل دقيق. ومن ثم فهو مشروع يستحق كل التقدير والدعم المعنوي حتى يستكمل حلقاته العلمية لخدمة القرآن الكريم.