هل هناك «ليبرالية عربية» حقاً ؟!

حمد عائل فقيهي

(1)
دخلت في خطابنا العربي الاجتماعي والثقافي والإعلامي في السنوات الأخيرة مفاهيم جديدة لم تكن معروفة وليست مألوفة ومتداولة أيضاً.. وأصبحت على الألسنة وتخرج من الأفواه بشكل لافت ومثير ولعل من أبرز هذه المفاهيم «مفهوم الليبرالية» وهو مفهوم يحمل من الضخامة والوجاهة ما يجعله جديداً في حواراتنا ونقاشاتنا العربية التي تتعامل معه بخفة بالغة وباستخفاف مبالغ فيه، مثله مثل مفاهيم ومصطلحات الحداثة وما بعد الحداثة، والعلمانية والأيديولوجيا، ومؤسسات المجتمع المدني، وغيرها من المفاهيم التي هي من الأهمية والعمق بحيث أنها تشكل إحدى ركائز المجتمعات الغربية التي مرت بمراحل تاريخية وسياقات اجتماعية وتحولات سياسية وثقافية تداخلت فيها ما يسمى بـ«علم الأفكار» ومن ثم انتقلت هذه المجتمعات في انقلاباتها السياسية وتقلباتها الاجتماعية من مرحلة إلى مرحلة ومن حقبة إلى حقبة أخرى.. ولم تأت هذه المفاهيم هكذا عبثاً، وكأنها ناتج مجتمع استهلاكي أو وفق «رؤية» اعتباطية، ونظرة عاجلة ومتسرعة ولكن عبر تاريخ من المعرفة لمجتمعات آمنت بالتطوير ووصلت إلى قناعة تامة بضرورة التغيير في نظامها السياسي والاجتماعي وتم ذلك من خلال تصالح بين إرادة العقل وإرادة الإنسان وليس القفز فوق الواقع الذي قد تحكمه ثقافة اجتماعية هي محصلة تراكم حضاري.. وليس كحال مجتمعاتنا التي لازالت تتعامل مع ما هو جديد وطارئ بريبة وخوف في ظل مزاج اجتماعي تحكمه وتتقدم فيه الأعراف والتقاليد على كل ما عداها.
(2)
ولأن فوضى المفاهيم والمصطلحات أصبح جزءاً لا يتجزأ من فوضى تلقي المعرفة وانتقال المعلومة كثُر الحديث في خطابنا العربي الثقافي والإعلامي والاجتماعي عن «مفهوم الليبرالية» وأصبح يتردد في المجالس والصوالين الاجتماعية والأدبية وفي الفضائيات العربية ووصل الأمر بالمسألة بوجود شريحة من المثقفين يقولون بوجود ليبرالية عربية، أو تيار ليبرالي ظهر بعد أحداث سبتمبر يدعو ويكرس لهذه «الليبرالية» الغربية والغريبة معاً، وكأن ذلك هو ما يشكل رؤية معاكسة ومضادة لتيار آخر هو ذلك المتمثل في التيار التقليدي الذي هو أصلاً ضد الحداثة والليبرالية، وكل ما له علاقة بالثقافة الغربية وما يتعارض مع قيم المجتمعات العربية ولأن ذلك يعني غزواً ثقافياً لمجتمعات محافظة وهو ما ينبغي أن يكون كذلك وان يظل محافظاً..
أطرح هذا في أعقاب قراءتي لندوة شارك فيها نخبة من أبرز المفكرين والباحثين العرب اتفق معظم هؤلاء وقد تحدثوا عن الليبرالية وتساءلوا: هل هناك ما يسمى بالليبرالية العربية وهل ثمة وجود لليبراليين عرب وكانت النتيجة أن هذه الليبرالية هي مجرد قشرة معرفية فقط وخطاب ثقافي وفكري نخبوي مترف ولا يمثل إلا شريحة قليلة في الوطن العربي ولا يمكن تحقيق هذا المفهوم وتجذيره مع كثير من المفاهيم والمصطلحات في تربة عربية لها وضعية تاريخية واجتماعية ولكل ما هو غربي وإن احتفالنا واحتفاءنا بالغرب لا يبدو ويبرز إلا من خلال تلقينا لكل ما هو استهلاكي، قادم من هذا الغرب.
(3)
إذن في ظل هذه الرؤية العربية.. هل يمكننا الحديث عن ليبرالية عربية محصورة بين فئة قليلة لا تملك ذلك التأثير القوي وليس لها علاقة بالواقع الاجتماعي العربي الذي تنتمي إليه، لذا فإن المطلوب هو «فهم» معنى «الليبرالية» أولاً، وبقية المصطلحات والمفاهيم الأخرى التي قلت عنها آنفاً، ومن ثم خلق ثقافة علمية تؤسس لمنظومة معرفية ينبغي إشاعتها من قبل الباحثين والأكاديميين والمثقفين ثانياً، وذلك من أجل إيجاد قاعدة.. من الوعي المؤسس، وليس الجهل المؤسس تخرج من قاعات الدرس الأكاديمي إلى المناخ الاجتماعي العام دون أن تنحصر ما بين نخبة قليلة حالمة لا تعبر ثقافتها عن راهن اجتماعي هو نتاج ذهنية لها ثقافتها.. عاداتها.. وتقاليدها..
إن الأغلبية ممن يدعون إلى الحوار هم ضد من يختلف معهم وان الذين يتحدثون عن الليبرالية هم أبعد الناس عن تكريس أدبياتها على أرض لازالت عصية على استيعاب الكثير من ثقافة الآخر، الغرب ومن يلوكون مفردات التحديث، يقفون في ضفة أخرى ضد من يمثلون التيارات الأخرى ومن لا يتفق معهم فهم بالضرورة ضد عقيدته الفكرية وايديولوجيته التي ينتمي إليها بالرغم من أن الاختلاف ضرورة بقدر ما هو احتياج وحاجة.
إذن لابد من قراءة السياق الاجتماعي العربي ذلك أن هناك مسافة ما بين سلطة المعرفة وسلطة «الاعراف».
a_faqehi@hotmail.com