منابت اللغة في حضن المرأة العربيّة

عبدالملك مرتاض

إن المرأة العربية هي المجتمع كله، وليست نصفه، إذ كان كل شيء يضطرب من حولها، فيضطرب معه الفلك اضطرابا. أم أليست شقيقة الرجل في تعاليم الإسلام؟ وإنه على غير ما يسعى بعض الناس إليه من تصوير بؤس مكانها في المجتمع الجاهلي بخاصة، والمجتمع العربي الإسلامي الأول بعامة، فإن منزلتها كانت، في الحقيقة، رفيعة. أم لم تكن شاعرة، وناقدة، وحكيمة؟ أم لم تكن تشارك في الحروب، فكان لها دور كبير فيها، ومنهن هند بنت عتبة في الجاهلية، وعكرشة بنت الأطرش في الإسلام؟... ولا نريد أن نتحدث عن أم معبد، ولا عن أسماء، ولا عن خولة بنت ثعلبة، ولا عن الخنساء، ولا عن سفانة بنت حاتم الطائي...؟.
وتدل الأمثال التي أرسلتها المرأة العربية عن نفسها، أو أرسلها الرجل عنها مثل: «الصيف ضيعت اللبن»، و«وإياك أعني واسمعي يا جارة»، على أنها كانت تمثل منابت اللغة العربية وأدبها، وتتجلى فيها أصالتها، كما تتمثل فيها رفعة مكانتها. فتلك الأمثال، بالإضافة إلى أنها تمثل خير تمثيل أطوار التعامل اللغوي اليومي في المجتمع العربي قبل الإسلام، فقد كان للمرأة في كل ذلك تأثير شديد في الحياتين اليومية والعامة معا، فكانت تلقنها الطفل العربي فينشأ عليها، فكانت الملقنة الأولى للعربية القحة، إذ كان ضرب الأمثال من منابت العربية الأولى.
ولذلك نجد حضور المرأة العربية لافتا في هذه الأمثال السائرة، فكانت إما قائلة لها، وإما مقولا لها، فيها.
كما كان حضور المرأة العربية في الشعر القديم لافتا أيضا حتى جهد عمر بن أبي ربيعة قريحته فقال معظم شعره في المرأة العربية، بل إنا وجدنا شعرا كثيرا من قصائد المعلقات يجري عن المرأة، حتى بلغ ذلك اثنين وأربعين بيتا في معلقة امرئ القيس، فجاوز حجم نصفها، وجاء بمقادير أقل في المعلقات البواقي، وإن كان سبب إنشاء معلقة عمرو بن كلثوم هو ما كانت تعرضت له أمه ليلى ابنة مهلهل، من إهانة هند أم الملك عمرو بن هند إياها، فكان ذلك سببا في قتل عمرو عمرا، وفي إنشاء تلك المعلقة العجيبة التي تجاوز فيها في الفخر بقبيلته كل حد، فرد عليه الحارث بن حلزة بخبث ورصانة ودهاء، فكانت تانك المعلقتان البديعتان، في الحقيقة، أثرا من آثار المرأة العربية في الجاهلية، وبسبب مباشر منها في إنشائهما. فأي مكانة كانت تتبوؤها المرأة في المجتمع العربي، جاهليه وإسلاميه، والناس لا يعلمون!؟.