الربان العامري

محمد ناصر الأسمري

من الفوائد، إن كان في معرض الرياض للكتاب فرائد وطرائد، نشر أطوار من تاريخ الفكر الوطني من دور نشر خارج الوطن؟
وجدت كتاب: (مذكرات ضابط سعودي، ليس للأدميرال من يكاتبه) لضابط البحرية السعودية عمرو العامري! كان الغلاف بحرا اعتلته قبعة عسكرية لرتبة عسكرية عليا، وعلى الغلاف الأخير قال العامري: «أن تتقاعد يعني ألا تنتظر شيئا من أحد؛ لأنه لا أحد ينتظر منك شيئا تقدمه له، وليس لديك ما تبيعه للناس في مجتمع يقوم على المنفعة.. فلا نوادي ولا أنشطة ولا مراكز أبحاث تقدم فيها خلاصة ما تعلمته في ثلث قرن، وكم هو مؤلم عندما ترى جنرالا كان يقود الفيالق وقد انزوى في مكتب عقار يرتل ما تبقى من أيامه»!
أنا لا أعرف أي مقياس يمكن أن يقيس الألم هنا، ذلك أن ما سجله في كتابه بات سجلا في ثقافة الروايات والمذكرات المنهية المتسقة بالوضوح الشامل في البوح لا النوح بمكتسبات معرفية راقية للتشاركية للارتقاء بالتحول من مهنية الاحتراف البطولي العسكري إلى مهنية مدنية التصرف والتصريف والتعريف بتنامي الخبرات.
أبدع الربان العامري في نقل صور حية من معاناة أجيال من هذا الوطن في سبل البحث عن طرائق للعيش والتعلم والترقي والصبر في صور من معيشه في قريته الجازانية ثم تنقله عاملا ودارسا في حواضر التنمية في الوطن متقلبا في مساغب الفقر حتى سبح في لجة الماء ضابطا بحريا تعلم وتدرب وقاد سفنا للحرب، ثم سائحا مثقفا مع عولمة التجوال مع رفقة السلاح من بلدان العالم في قارات الكون، ثم مع رفيقة الكفاح وفاء العمودي زوجه وحبه الثاني.
لم ينس عمرو أن يبين كيف ارتقى من مهنية الميدان التي هي أس لضابط القوات المسلحة صقلا ودربة وتأهيلا، من تأهيلات عليا في الأركان والسياسات والاستراتيجيات مدنيا وعسكريا، لكن حين انتقل إلى موقع قيادي في مساره المهني ربما نسي أن ما يسمى بـ chain of command، قد بدل مسارات التراتبية العسكرية من رتب وأقدميات إلى مسارات ثقافة شعبية موحشة ظالمة لكل دربة وتدريب.

info@alwakad.net