العنصريـة وشغب الملاعـب !!

حسن النعمي

مجالات ممارسة العنصرية لا تكاد تنتهي. فهي جزء من خطاب يومي ألفنا قسوته، لكن لم نتجاوز آثاره. فقد تجاوزت مرتكزات الدين والوطن الواحد إلى الاحتماء بسياج القبيلة والطائفية والفئوية.
لقد تبنى الإسلام خطابا مضادا للعنصرية، بناه على مبدأ التقوى والقرب من الدين والأخوة في الإسلام، «إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم». مع ذلك، فإن الكثير من الأدبيات تشي بأن سلطة الخطاب العنصري كانت أقوى وأبلغ في التمكن من حيثيات الحياة الاجتماعية للمجتمع العربي منذ فجر الإسلام.
ولم يكن للمجتمعات العربية القدرة على الفكاك من الإرث العنصري الذي خلفته القبلية العربية قبل الإسلام، فنما وتطور وتنوع في مجالات السياسة واتسعت الهوة بين المجتمعات، وأصبح التصنيف العرقي أساس الحياة العامة في الشؤون الخاصة والعامة. وقد انحدر هذا الإرث دون استئذان من سلطة الدين، بل لقد استخدم الدين أحيانا في تهيئة المناخات، وتبرير المواقف ليتم الاتكاء على العنصرية بالكامل في كل مجالات السجالات الاجتماعية حتى الترفيهية منها، كالرياضة.
وقد أدركت المجتمعات الحديثة، ذات المنحى المدني، خطر العنصرية فسنت قوانين محاربة العنصرية بوصفها إقصاء للحقوق وانتهاكا للآدمية البشر. فظهرت مدونة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على رفض التمييز بكل أشكاله، سواء بسبب المعتقد أو الفكر واللون، والعرق، وما إلى ذلك. ورغم كل هذه الجهود كانت العنصرية من أكثر الممارسات تحكما في مصير الجماعات البشرية. هل ذلك للخوف من الآخر؟ أم البحث عن سلطة للاستقواء بالجماعة في مواجهة الآخرين؟ ولعل من المناسب هنا أن نطرح سؤال الانتماء، ومدى صلته بالخطاب العنصري. فهل هناك تعارض بين أن ننتمي وبين أن نتعصب؟. واضح أن الانتماء حتمية تاريخية بفعل الموروثات التاريخية والدينية واللغوية والعرقية، فهذه الفروق خارجة عن إرادة الإنسان، غيـر أن العنصـرية هي السلوك الذي يحدده الإنسان تجاه الآخر. فالوعي بالانتماء لا يعني إذلال الآخر وإبقاءه خارج فضاء الإنسانية. فإذا كان الانتماء حتميا، فإن العنصرية اختيار يمكن تجنبه مع توفر الإرادة الحضارية والتاريخية.
ما تقدم يخص خطاب العنصرية في فضائها الكوني، غير أن هناك أنماطا أخرى من العنصرية تظهر داخل الانتماء الواحد، وهي أكثر قبحا من تلك العالمية التي قد تبررها فوارق الدين واللغة والإحباطات التاريخية. ففي كل مجتمع عربي رغم موحدات الدين واللغة، فوارق اجتماعية وتصنيفات عنصرية، تمس النواحي المذهبية والقبلية والعرقية. والمجتمع في المملكة جزء من كل يمارس عنصرية بغيضة تبدو منسجمة مع الأعراف المتواضع عليها اجتماعيا.
ومظاهر العنصرية في مجتمعنا لا تخفى وإن تقنعت. ولعل مظاهر بعض هتافات الجماهير في ملاعب الكرة دالة بوضوح، وهي إفراز لما هو خارج الملعب. فليست طارئة. وخطورتها أن من يمارسها شباب يفترض أنهم قد انفتحوا على تجارب إنسانية ودينية عميقة في مدارسهم ومن خلال وسائل الاتصال الحديثة. ومع ذلك فالعنصرية أكثر سطوعا في ملاعبنا التي يفترض أن تعكس مستوى حضاريا ليس في إجادة الكرة فقط، بل في السلوكيات العامة. إن أبرز ما نلاحظه شيوع خطاب العنصرية اللفظي في معظم صرخاتهم..
ولعل معالجة نزعات العنصرية في ملاعبنا مدخل للتوعية بها بشكل رسمي. فتجربة (لا للمخدرات) التي حملها اللاعبون على قمصانهم حملة وطنية شاملة نقلت الحديث عنها من الخفاء إلى العلن. لا أعرف مدى تأثير الحملة لكن لا أشك أن الوعي بأخطارها ضرورة وخاصة بين الشباب. نحتاج بجرأة عالية أن نقول لا للعنصرية تبدأ من ملاعبنا، فإذا كسبنا شبابنا كسبنا مستقبلنا والعكس للأسف صحيح. ونحتاج بالتوازي أن نجرم الخطاب العنصري، ونسن الأنظمة الإجرائية لمعاقبة مقترف العنصرية بكل أشكالها. كما تم تجريم المخدرات من قبل وسن أنظمة لمكافحتها. فليست العنصرية أقل خطرا على البناء الاجتماعي من المخدرات.

halnemi@gmail.com