«الوعي الجمعي» .. مواجهة لتحديات الأمة ومسايرة للعصر

طالبوا بتحويل اختلاف التضاد في الأمة إلى «تنوع» .. علماء ومفكرون:

«الوعي الجمعي» .. مواجهة لتحديات الأمة ومسايرة للعصر

سلمان السلمي «إسطنبول»

مصطلح «الوعي الجمعي».. من المصطلحات التي ظهرت، مؤخرا، وطالب بها عدد من كبار علماء الأمة الإسلامية، بعد حدوث خلافات كبيرة بين العلماء في الآراء، مطالبين بمسايرة متطلبات العصر ومتغيراته، حيث طالب عدد من علماء الأمة بتوسيع نطاق الإجماع بـ«الوعي الاجتماعي»، وأن لا يكتفى به في الجوانب الشرعية، بل يجب أن يوسع مجاله ليكون الإجماع في الجوانب السياسية وقضايا المرأة وحقوق الإنسان، ولا بد أن يكون لدى العلماء دور في فتح عقول الأمة تجاه الأجيال اللاحقة بكيفية الإجماع، وأن يحل الوئام محل الخلاف فيما بينهم.
وكان هؤلاء العلماء الذين تحدثوا في هذه القضية، شاركوا في لقاء جمع 80 عالما ومفتيا في إسطنبول.
الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب قال: يجب على الأمة الإسلامية أن تقنع الأمم بأهمية الإجماع، ولكن كيف لأمه تتمزق أن تقنع العالم بأهمية هذا الإجماع؟، فاجتماع الكلمة والرأي أمر في غاية الأهمية، فلا بد للمسلمين أن يطبقوا كلامهم الذي يدعون إليه حتى تكون هناك مصداقية لما يقولونه.
وأضاف العبادي: إن الإجماع يجب أن لا يتم قصره على الجوانب الشرعية فقط، بل يجب توسيعه إلى كل ما يهم المسلم في جميع جوانب الحياة، إضافة إلى أن العلماء عليهم مسؤولية كبيرة في توسيع هذا الجانب وترسيخه لدى الأجيال القادمة.
في حين أكد الدكتور عصام البشير رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالسودان أن الأمة الإسلامية موجوده، ولكنها غير حاضرة؛ لذلك لا بد من نقل الأمة إلى مرتبة الشهود، تحقيقا لمفهوم الأمة الشاملة، موضحا «نحن في حاجة إلى الوعى الجمعي من خلال مشاريعه التي ترتضي العبادة الملهمة وتقتضي صحة المنهج المنضبط».
وقال الدكتور البشير: «عرفت أمتنا التعددية الدينية والمذهبية والفكرية والسياسية، فالاختلاف واقع لا محالة ولا يمكن لشخص أن يحمل الناس على فكر واحد في كل شيء، ولكن التحدي الذي يواجهنا هو كيف يمكن تحويل هذا الاختلاف إلى تنوع بعيدا عن التفجير والتكفير والتكسير، لنترجم إحياء ثقافة الاجتماع بالوعي الاجتماعي في الدروس والخطب والوعظ والإعلام والتربية، فلا بد من إحياء وتفعيل دور مؤسسات الإفتاء الجماعي، نريد اجتهادا جماعيا يربطنا بأصلنا، نرغب في تحقيق الوعي بالإجماع، وهذا تحد يواجهنا في عالمنا الإسلامي، فلا بد من حسن إدارة الخلاف والتنوع لتحقيق التعايش لا إلغاء الآخر، فهي دعوة للعقلاء أن يصونوا الأمة ودماءها بالوعي الاجتماعي بالمنهج الوسط، لا بد أن نقدمه هادئا للعالم متفتحا على الحضارات ومراعيا للخصوصية.
المفكر الداعية الإسلامي فتح الله كولن أكد أن التشريع الإسلامي يقوم على مصادر تشريعية صالحة لكل زمان ومكان، مشيرا إلى أنه إذا استطعنا أن نتعامل مع مصادر تشريعنا الإسلامي، فإننا سنجد حلولا لكل مشاكلنا، فمصادرنا غير ناضبة، فمن يلقى إليها نظره يجدها منابع غنية لمرونتها ومسايرتها لمتطلبات كل عصر.
أما مفتى عمان الشيخ أحمد الخليلي، فقال: إن العناية بالإجماع هو عناية بالأمة لتكون مجتمعه حتى مع اختلافها، فالله ــ سبحانه وتعالى ــ حذرها من التفرق والاختلاف، فعلى الأمة أن تكون داعية خير، والمسلم صاحب رسالة مقامة مقام الإمامة والقيادة.
المفتي الشيخ أبو القاسم النعماني أحد كبار علماء الهند ورئيس الجامعة الإسلاميّة (دار العلوم/ ديوبند) قال: إن الوحي قد انتهى بوفاة النبي محمد ــ صلى الله عليه وسلم، ولكن سيبقى الدين إلى يوم القيامة، وستواجه الأمة مشاكل تحتاج إلى حل، فقد اهتم الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ومن بعده من الصحابة بالإجماع وعدم الافتراق، حتى أن المسائل التي اختلف فيها الصحابة كان لكل واحد منهم شواهد وأدلة في رأيه.
الشيخ محمد يوسف نيازي وزير الحج الأفغاني ذكر أن العالم الإسلامي في حاجة اليوم للتعاون، فالفرقة هلاك، والاتحاد قوة، والعقلاء في العالم الإسلامي كثر، عليهم أن يعملوا لجلب المصلحة، فمن يمنعنا من أن نفعل المجامع الإسلامية أكثر وأكثر للرد على المتطاولين على الإسلام، لقد سبقتنا الشعوب بالتقدم، فنحن لا نريد أن نختلف على معنى الإجماع وأنواعه وغير ذلك، بل يجب أن نرد على الشبهات.
رئيس الشؤون الدينية بتركيا الدكتور محمد كورمز أكد أن الإجماع كان إكراما من الله لهذه الأمة لحل مشاكلها المستحدثة، فهي أمه عادلة لا يمكنها أن تقوم على الظلم، فالوحي قد انقطع، والإجماع لا يعطي مجالا للتطرف، وإنما للإسلام كما بينه الرسول ــ صلى الله عليه وسلم.
وأضاف كورمز: الإجماع من القيم التي يجب علينا الاهتمام بها، ولكن مع الأسف أن الكثير من المؤسسات الدينية فقدت هذه الأمور، فلو اتفقت المجامع الفقهية فيما بينها، ولو بالاستشارة، لكان فيه الخير الكثير.
وتابع: يجب علينا أن لا نمنح أي فرصة خارج الإجماع، بل يجب علينا أن نقدم الاجتهاد للأمة الإسلامية، فهي لن تجتمع على الخطأ، فما نتمناه هو وحدة الفكر والرؤية والمنطق حتى يلعب الإجماع دوره المميز في الأمة الإسلامية.
ويقول مفتي مصر السابق الدكتور على جمعه: «نحن في حاجة إلى الفقهاء المجتهدين من أمة محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ ولسنا في حاجة إلى فقهاء الفنادق والخنادق»، مشيرا إلى أن «قضية الإجماع من الممكن أن تتوسع لكافة الأمور التي تهم المسلم، سواء الاقتصادية أو السياسية أو الشرعية أو الاجتماعية.. وغيرها».
وأضاف جمعة: «الإجماع يعبر عن هوية الإسلام، والإجماع قليل، ولكن الاختلاف المتنوع الذي يحترم حرية الرأي كثير، وهناك إجماع عام وإجماع خاص وإجماع العامة وكذلك إجماع الخاصة، ونحن نطالب أن يكون اختلافنا هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، فلا بد أن نسعى في اتجاه واحد وهو حب الله وحب رسوله ــ صلى الله عليه وسلم، فتوجهنا واحد، وقبلتنا واحدة، وشهادتنا واحدة، لذا فان التمسك بالإجماع سيؤدي إلى تجديد الإسلام».