إذا سلم العود.. الحال يعود

جبير بن محمد بن جبير

الحمد لله.. جاء اتفاق مكة المكرمة بين الزعماء الفلسطينيين بردا وسلاما على كل عربي ومسلم.. كنا مدركين أن الغشاوة انجلت، وأن العزم قد عُقد، وبيّتوا النية الخيرة، على أن لا يخرجوا من الرحاب الطاهر إلا وهم متفقون، مهما طال الزمن،،، وكنا متفائلين كذلك بنتائج ذلك اللقاء.. ساعة ما علمنا استجابة الأشقاء لنداء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. أصدقكم القول كنت على ثقة بأن اجتماع الإخوة الفلسطينيين سوف يثمر وينجح ـ بإذن الله ـ، بفضل اهتمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير سلطان. الحمد لله.. مبدل الأحوال، كان الموقف الفلسطيني قبل أسابيع من هذا اليوم مغايرا لما نحن عليه الآن.. فتأزم الوضع والاحتدام العسكري بين منظمتي فتح وحماس في تلك الفترة لم يكن مصدر قلقنا الوحيد.. بل كنا نخشى أن يفرط الإخوة الفلسطينيون بما هو متوافر بين أيديهم من مكاسب.. قد يراها البعض ـ وأنا واحد منهم ـ في الحسبة السياسية نصرا هاما في هذه المرحلة بالذات، من منطلق (خذ ثم طالب).. وبالذات في هذا الزمن، وهذه الظروف، التي تمر بها المنطقة العربية، والتي للأسف تترى تباعا في صالح إسرائيل. من خلال هذه الأزمة،،، يبدو أن هناك قاعدة نضالية تتأصل بمرور الوقت.. فعقب كل معركة عسكرية يخوضها المناضلون مع العدو المشترك.. لابد من معركة سياسية داخلية بينهم.. يحتكمون على إثرها للسلاح، وهذا ما جرى بالفعل للإخوة الفلسطينيين، لكن (ولله الحمد) لم يدم الاحتكام العسكري طويلا، بل على النقيض جاء الاتفاق أسرع مما كان يتصوره أكثر المتفائلين.. وهذا عائد في تقديري إلى أسباب ثلاثة هامة: أولها، أن الحل جاء من داخل المنطقة العربية.. وبالتحديد من المملكة العربية السعودية، البلد الأقرب رحما للقضية الفلسطينية، السبب الثاني، هو رئيس.. يتعلق بدور ومكانة وحنكة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، واحترام العالم لشخصه كوسيط فاعل ومؤثر.. أما السبب الثالث فهو، الرغبة الداخلية للزعماء الفلسطينيين في حسم النزاع الدائر بينهم بأسرع وقت ممكن، بما يضمن لكل طرف مكانته أمام الشعب الفلسطيني والرأي العام العالمي.. فلم يكن هناك أفضل من البلد الحرام مكانا، ولا الشهر الحرام زمانا، ولا الملك عبدالله راعياً.
وبمرأى من العالم وقع الزعماء الفلسطينيون على مذكرة اتفاق وتشكيل حكومة وحدة.. تلك الأجواء كانت محل تقدير واحترام العالم لهؤلاء الرجال.. لكننا لمسنا من كلمات الرئيس محمود عباس وإسماعيل هنيه وخالد مشعل في بداية الحوار، أن الأشقاء كانوا في امس الحاجة إلى الهدوء وضبط النفس والجلوس على طاولة المفاوضات.. أكثر من تلك المذكرة أو تشكيل الحكومة على النحو الذي تم الاتفاق عليه، وهذا ـ في ما يبدو ـ ما تعذر عليهم في ما مضى من أيام، وهو ما تحقق لهم في رحاب الحرم.
نحن نعرف خُلق المناضل.. لا تشغله صغائر الأمور عن الجلل، وكل من قدم إلى مكة المكرمة من الوفد الفلسطيني هم مناضلون، ضحوا بالغالي والنفيس.. لا أظنهم أتوا إلى مكة المكرمة من أجل محاصصة في الحكومة.. فلو سئل أي منهم عن التخلي عن أي من الحقائب الوزارية مقابل حقن دم رجل أو امرأة أو طفل فلسطيني لما تردد في ذلك إطلاقا.
Dr.jobair@gmail.com