حكاية بنت من جازان

سعيد السريحي

رها حسن محرق، الفتاة السعودية القادمة من مركز العالية في منطقة جازان، والتي تمكنت من تسلق قمة إفرست بعد رحلة شاقة استمرت شهرين، لم تبرهن على مقدرة الفتاة السعودية على مواجهة التحديات التي تفرضها مثل هذه الرحلة، بل برهنت على مقدرة الفتاة السعودية على تكذيب كل ما يمكن أن يحاك ضدها من أوهام تريد أن تحاصرها في دائرة العجز والضعف وقلة الحيلة والحاجة الدائمة إلى من يرعاها ويتولى أمرها لعجزها عن رعاية نفسها وتولي شؤون حياتها.
رها لم تنجح في تسلق قمة إفرست وحدها، بل نجحت معها أسرتها كذلك حين بثت فيها الثقة بالنفس وعلمتها كيف أنها تحمل في داخلها طاقة تؤهلها لمواجهة الصعاب وتهيئها لكي تدخل تحديا على مستوى عالمي، وأن ترتقي قمة يعد ارتقاؤها إنجازا لم يحققه إلا قلة من الرجال الأشداء، وأن تسطر اسمها واسم البلد الذي جاءت منه في صفحات لا تنسى وأن تكتب تاريخا غير قابل للمحو.
ولم يكن لأسرة رها أن تبث فيها تلك الثقة لو لم تكن تلك الأسرة تحمل تلك الثقة الكبيرة في جيناتها، ثقة لم تستطع كل محاولات التشكيك في القدرات محوها، ولم تتمكن كل محاولات نزع الثقة أن تنجح في زعزعتها، رها وما أنجزته وأسرة رها وما ربت ابنتها عليه تؤكد أن مجتمعنا لا يزال بخير، وليس ذلك المجتمع الذي يرتعد خوفا ورعبا كلما لامست أطراف أصابعه العالم من حوله، وكلما واجه تحديا صعبا أو دخل في معترك عالمي.
رها بنت قرية العالية من جازان خير رد على أولئك الذين يتوهمون أن ركوب دراجة خطر على البنات، وأن تمارين الصباح يمكن لها أن تنزع عنهن حجاب العفة، رها وقفت وحدها في مواجهة الوصايا المحذرة والخطب المنذرة وارتقت بنفسها عن كل ما سمعت ومضت قدما في رحلة شهرين، وحين وقفت شامخة على قمة جبل إفرست كان يقف إلى جوارها جيل قادم من بنات الوطن القادرات على التفوق في كافة المجالات، والقادرات كذلك على فضح أوهام كل من يحاول أن يسمهن بالعجز أو يفرض عليهن الشعور بالضعف.