اللواذ بالهشاشات

نايف الرشدان

كنت قد قدمت ورقة بحثية عن نشأة الشاعر العباسي الشهير حبيب بن أوس المعروف بأبي تمام، وخرجت بعد مناقشات ومداولة ما كتب عنه متسائلا: ترى ما الذي يدفع دارسي الأدب أو النقاد القدماء إلى الحديث عن عربية أبي تمام من عدمها؟!! وقد اضطررت اضطرارا إلى تأكيد صحة نسبه لوجود دلائل كثيرة، وقد حملت همامة البحث، ولم أحمل هم العرق والجنس والجذور، فالشواهد في تاريخ العلوم العربية والإسلامية تشي بعدد كبير ممن خدموا العربية على اختلاف التخصصات ممن لم يكونوا عربا أو لا يرجعون إلى أصول عربية، وكانت آثارهم أنفع وأكبر من أبناء العربية أنفسهم، فحسبك أن تقف مشدوها أمام أئمة الحديث في الكتب الستة التي أثرت كثيرا في حياة المسلمين، وكانت من أهم أسانيد مصدر التشريع النبوي والسنن، فإن العلماء: الترمذي، النسائي، البخاري، مسلم، أبوداوود، ابن ماجة ليسوا عربا، وأصولهم ما بين فارس وآسيا الوسطى، والحضارة العربية عبر العلوم والطب والفلسفة والرياضيات والفلك واللغة والأدب أعظم من أبدعها ليسوا عربا، وفي العلمين الأخيرين كانت أعظم كتب اللغة عند سيبويه ــ غير عربي ــ والبلاغة عند الزمخشري والجرجاني وغيرهما كثير ليسوا عربا، وفي الأدب السيوطي والدينوري وابن خلكان والصولي والكندي، وفي الفلسفة ابن حزم وابن رشد وابن سينا، وفي المعاجم الحموي والفيروزابادي وابن منظور، وإذا كان أبو تمام وابن الرومي يعودان إلى أصول غير عربية، فإنما دل ذلك على أن لديهما قدرة هائلة في الاكتساب والاستعداد الذهني والفطري، وأنهما بارعان بزا كثيرا من شعراء عصرهما، بل إن كثيرا من الدراسات المنصفة تضع أبا تمام على هرم شعراء العربية، وإن أصر ألداؤه على أنه ينحدر من أصل غير عربي، فإن ذلك مدعاة إلى مزيد من التعجب والإعجاب والإكبار لشاعر أتقن العربية وثقف علومها وقواعدها، إذا ما علمنا بالمعايير الصارمة التي تضعها اللغة أمام شعراء الفصحى، فهل كان ذلكم الشاعر قد تمكن من إنجاب شعر أكثر عربية من شعر أبنائها؟!!
إنه عندما يورق الغصن وتضوع أزاهيره وتونع ثماره وتعبق أوراده وتفوح أطيابه، فلا تسل عن دافع الريح، ومن أي جهة تحركت لتثير الجمال!.

خاتمة:
عندما تقع الوردة بين يديك لا تبحث وراءها عن التفاصيل.