استعداء دول الجوار ووقف جولات الحوار مع الحكومة عجلا بنهاية المحاكم

«عكاظ» تكشف أسرار الهزيمة السريعة والانسحاب السلمي من مقديشو

رصد ومتابعة: نبيل الأسيدي

ما بين الانتصار والسيطرة والهزيمة والفرار أحداث كثيرة غيرت مجرى الأوضاع في كل الأراضي الصومالية كان عنوانها اتحاد المحاكم الإسلامية ورغم قصر المسافة بين الانتصار والهزيمة إلا أنها استطاعت قلب معادلات الوضع السياسي والعسكري داخل الصومال وأعادت ترتيب أجندة كل جيران الصومال دولاً وجماعات ومصالح وأحيت حسابات الربح والخسارة لدول غربية تبحث لأقدامها عن موطئ في أهم منطقة في القرن الأفريقي.
هناك في الصومال ستجد اتحاد المحاكم الإسلامية حاضراً في بعض الاماكن رغم الهزيمة التي أخرجتهم من الساحة السياسية والعسكرية الصومالية نهائيا .. فمازال معارضوها ومناصروها ومراقبوها عن بعد كانوا داخل الصومال أو خارجه يتحدثون عنها، وعن الدور الذي قامت به في المشهد الصومالي أياً كان المنتصر والخاسر فيه.
مناصروها اعتبروها منقذاً لهم من أنياب أمراء حرب التي غرست في الجسد الصومالي طيلة عقد ونصف كانت الفوضى هي النظام المتعارف عليه في أوساط الصوماليين وكان الرصاص هو الأكثر حديثاً وفعلاً وكان المواطن هو الضحية الوحيد في صراع لم ينته بعد.
هناك في مقديشو لا يزال حسن المسن ذو ملامح عربية ولحية حمراء يتذكر المحاكم الإسلامية وفترة وجودها في السلطة ويقول بلكنة عربية جيدة حينما سألته عن رأيه في المحاكم :”عندما كانت قوات المحاكم موجودة في مقديشو شعرنا بالأمان وقل الخوف وشعرنا بأن الهدوء والنظام سيعود إلينا من جديد ..لقد انتهت المليشيات التي كانت منتشرة في مقديشو، وبدأنا نمارس حياتنا الطبيعية..”، لكنه تمنى في ذات الوقت أن يكون مستقبل ما بعد خروج المحاكم من مقديشو وهزيمتها أكثر أماناً واستقراراً من ذي قبل، وقال “لقد جاءت الحكومة الجديدة إلى مقديشو وسوف ننتظر ما الذي ستفعله من أجل الصوماليين .. فكلنا هنا نبحث عن الأمن والحياة الطبيعية مثل كل الناس في العالم .. لقد تعبنا من الحرب والقتال، ولا نريد أي حروب جديدة .. ونتمنى أن تستطيع الحكومة الجديدة تحقيق كل متطلباتنا.
وفي مقابل الارتياح الذي أبداه هذا الرجل المسن كان الشاب (عبدالرحمن) الذي يملك والده فندقاً وسط مقديشو والعديد من الفيلات يتحدث عن هذه الفترة بامتعاض كبير وقال: “لقد كانت تجربة المحاكم سيئة جداً .. لقد أتت المحاكم بالمتطرفين والمتشددين وقامت باتخاذ إجراءات لا تناسب الوضع في الصومال ولا تتوافق مع حياة الصوماليين”.
الشاب الذي عاد من كندا بعد فترة تصل إلى عشر سنوات عزى قدرة المحاكم في السيطرة على العاصمة مقديشو إلى الخلفية القبلية لقادة المحاكم، مشيراً على أن أغلب الناس الذي يقطنون الآن في مقديشو ينتمون لقبيلة الهوية وعلى وجه الخصوص من إحدى عشائرها وتدعى عشيرة “العير” وهي العشيرة التي ينتمي إليها كل قادمة المحاكم،الأمر الذي سهل لهم عملية السيطرة على العاصمة، ويصف “عبدالرحمن” الذي ينتمي إلى قبيلة “الطارود” الخصم التقليدي لقبيلة “الهوية” الوعي السياسي لقادة المحاكم الإسلامية بالمتدني وغير الواعي وقال “لقد كانوا يستغلون عواطف الناس ولم يكن لهم رؤية سياسية متزنة وواعية في اغلب الأشياء التي أعلنوا عنها وبالذات في جانب التعامل مع المجتمع الدولي.

الدور الترويجى لقناة الجزيرة
واشار إلى أن المحاكم استطاعت استغلال الإعلام والصحافة الصومالية والإذاعات المحلية لصالحها بشكل جيد من أجل كسب التأييد الشعبي لهما، مستدلاً بالدور الذي لعبته قناة الجزيرة في إبراز المحاكم الإسلامية من خلال تبني آرائها والترويج لها، ويرجع ذلك ـ بحسب رؤية عبدالرحمن ـ إلى أن مبنى مكتب قناة الجزيرة في مقديشو مستأجر من رئيس الحكومة السابق عبدالقاسم صلاد الذي ينتمي إلى نفس قبيلة المحاكم والعاملون في المكتب من نفس القبيلة إضافة إلى أن الحراسة الأمنية لمكتب الجزيرة من ذات القبيلة وبالتالي فإن ما ظهر في قناة الجزيرة لم يكن سوى تعبير عن وجهة نظر المحاكم فقط.
ومن ذلك أيضاً ما قاله أحد المصورين العاملين في مكتب الجزيرة بمقديشو أثناء حديثه عن التعامل السلبي للحكومة المؤقتة مع القناة ومضايقتها المستمرة للمراسلين لدرجة محاولتها إغلاق المكتب فور وصولها إلى مقديشو لولا تدخل بعض الشخصيات الدبلوماسية .. حيث يقول المصور التلفزيوني “نجيب صويلح” لقد كانت قادة المحاكم الإسلامية يتواصلون معنا بشكل دائم ويتفاعلون بسرعة مع أي طلب إجراء حوار أو تصريح للجزيرة، وكان لديهم اهتمام واضح بالجانب الإعلامي ودراية بأهميته، ولكن الغريب عندما ترفض أي جهة التعامل معك إعلامياً وتتهمك بالانحياز لطرف آخر، ومع ذلك فقد نقلنا أحداث الصومال بكل واقعية وبلا تحيز”.
لعل أبرز ما أثارته المحاكم كان خلال العام 2006م: مواجهات مع أمراء الحرب ثم الحكومة، وصولاً إلى التخفي في الأدغال والاحراش بالتزامن مع مساعٍ للمصالحة بين بعض قادتها الذين يوصفون بالاعتدال والحكومة الفيدرالية.
المحاكم الإسلامية في مقديشو، كما في مناطق الصومال الأخرى، كان لها تاريخ مختلف، بما أن أولاها تشكلت في أواسط التسعينيات حيث كان الفوضى تعم أجواء العاصمة والسرقات وغياب جهة تنظم حياة الناس وسط مجتمع عاد من حرب طويلة إلى عشائره ليستقر مع سلاحه هناك، إلاّ أن في المحاكم شيئاً واحداً مشتركاً تقريباً انها شكلت ونظمت ضمن بطون قبيلة محدودة.
شكلت أول محكمة بجنوب مقديشو في 97 - 1998م وكانت من “الهوية” بالكامل لم يكن هناك أي دليل على أن المحاكم كانت أصولية، إلاّ أن بعض الأفراد التابعين لها كانوا مهتمين بذلك.
ابتكرت هذه المحاكم في الغالب بواسطة رجال أعمال، شيوخ عشيرة وأهالي وزعماء دينيين ضمن بطون عشائر محددة، وسلطتها جاءت من كبار العشيرة. كان الهدف منها توفير الأمن عن طريق الشريعة الإسلامية، منع صراع داخلي بين العشائر والسلالات وتوفير مناخ أكثر أمناً للعمل التجاري .
و كانت مهامها في البداية مهمات اجتماعية مثل فض المنازعات وتوثيق العقود وتنظيم الحياة الاجتماعية عن طريق توفير الأمن ومنع السرقات وحفظ كرامة الإنسان وفق أحكام الشريعة الإسلامية ولم تكن البداية مشددة في تنفيذ الأحكام إذ اكتفت هذه المحاكم بمراعاة الوضعية الخاصة بالصوماليين ونفذت مجموعة من عقوبات الحدود مثل قطع يد السارق وجلد المدانين بالزنا في ميادين عامة وعقوبات التعزير المختلفة .. كما نفذت حد الرجم بالحجارة حتى الموت في حالة واحدة، وحكم القصاص في عدد من الحالات، لكن ذلك جلب الانتقادات من قبل المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، الأمر الذي دفعها إلى تخفيف العقوبات وتجنبت ـ حسب ما قاله أحد قادتها حينها ـ تطبيق عقوبات الحدود واكتفت بأحكام السجن أو الغرامات.

بداية التنظيم السياسي
شُكل مجلس مشترك للمحاكم في 2000م برئاسة الزعيم السابق لمحاكم شمال مقديشو الشيخ علي ديري والشيخ حسن طاهر أويس أميناً عاماً للمجالس. قام المجلس ببعض التقدم في محاولة تنظيم قوة ميليشيات مشتركة.. وشكل محكمة في مركا، جنوب مقديشو، إلاّ أن أي تقدم كان قد حققه تم تجاوزه عام 2000م بواسطة تشكيل حكومة وطنية انتقالية ترأسها عبدالقاسم صلاد حسن خلال مؤتمر عرتا في جيبوتي، رأت أثيوبيا وأطراف أخرى معنية بالأمر أن حكومة صلاد أقرب إلى أن تكون حكومة ذات توجهات إسلامية في الغالب، وكان أحد نتائجها القبلية التقليل من أهمية المحاكم الإسلامية. حاولت الحكومة الوطنية الانتقالية ضم المحاكم تحت وزارة العدل الخاصة بها، مجبرة القضاة على أداء امتحانات على مؤهلاتهم، ودمج ميليشيات المحاكم في أجهزة الدولة الأمنية للتدريب، ومن ثم استقال العديد من القضاة غير المدربين. وبحلول 2002م كانت محكمة الافكا حلان تتبع عشيرة (العير) ومحكمة هراليالي عشيرة (المورسدي) المنتميتان لقبيلة “الهوية” الوحيدتين اللتين تعملان في جنوب مقديشو.
استمرار المشاكل الأمنية في مقديشو بعد سقوط الحكومة الوطنية الانتقالية التابعة لـ(عبدالقاسم صلاد) قدم سببا لوجوب إعادة تكوين محاكم إسلامية جديدة أوائل 2004م.
في شهر مايو أعيد تأسيس اتحاد من خمس محاكم، حيث كان الشيخ شريف شيخ احمد رئيساً والشيخ حسن طاهر أويس أحد نوابه. شكلت المحاكم ميليشيات مشتركة، حيث ساهمت كل محكمة بـ80 مقاتلاً ومن 3-5 شاحنات مزودة بمدافع «تكنكال» جاعلة اتحاد المحاكم الإسلامية إحدى قوى القوات العسكرية في المدينة.
وبحلول أوائل 2006م عندما نشب الصراع بين اتحاد المحاكم الإسلامية والتحالف من اجل السلام ومكافحة الإرهاب الذي يمثل أمراء الحرب كانت هناك 11 محكمة، عشرة منها تنتمي لقبيلة «الهوية»، وواحدة تنتمي إلى عشيرة جرير.

الانتصار والتشدد والخلاف
بعد الانتصارات على التحالف من اجل السلام ومكافحة الإرهاب في يونيو 2006م، تحرك بسرعة المتشددون ضمن اتحاد المحاكم لمحاولة الاستحواذ على إدارة المحاكم ومختلف نواحي الأهداف الدينية داخل هذا التنظيم.وأصبح اتحاد المحاكم الإسلامية في الخامس والعشرين من يونيو المحكمة العليا الإسلامية للصومال، حيث يضم مجلس الشورى 93 عضواً برئاسة الشيخ “أويس” لوضع السياسات، ورئيس اتحاد المحاكم الإسلامية السابق شيخ شريف دفع به لتولي منصب رئيس اللجنة التنفيذية (بمثابة رئيس الحكومة) التي تطبق توجيهات مجلس الشورى. لديه متشددون كنائبين له، كما تم تشكيل عدد من اللجان الأخرى منها، الإعلام برئاسة الشيخ عبدالرحمن علي مودي، والأمن برئاسة الشيخ يوسف اندعدي -حاكم شبيلي السفلي مدينة شمال مقديشو - والشيخ مختار روبو كنائب له، والذي لعب دوراً كبيراً في انتصارات اتحاد المحاكم الإسلامية بمقديشو في مايو ويونيو 2006م، نظراً لخبرته العسكرية.
هذه التغييرات الدراماتيكية ادت الى وقوع خلافات، حتى أن الشيخ شريف كان غير راضٍ بشأن التغييرات على الرغم من استمرار دوره باعتبار انه الوجه المعتدل للمحاكم. وقد اختلف مع الشيخ أويس بشأن قضية الحوار مع الحكومة الفيدرالية الانتقالية.
قامت المحاكم، بالإضافة إلى تشكيل المجلس الإسلامي الأعلى للصومال، بعدد من الخطوات لتأسيس إدارة في مقديشو وبلدات أخرى ولاقت العديد من هذه الإجراءات الترحيب. فقد شجعت إزالة عشرات الحواجز التفتيشية والمتارس التي كانت تستخدم في انتزاع رسوم الدخول، الحركة والسفر في المدن الصومالية. كانت إحدى ثمار هذا الهبوط الحاد لأسعار الأسلحة والذخائر من سوق «بكارة»وسط العاصمة مقديشو.
وأعيد فتح مطار مقديشو، وكذلك الميناء البحري. كان هناك إرساء واسع النطاق لدعائم القانون والنظام في المناطق الخاضعة لسيطرة المحاكم. وتم افتتاح 13 من مراكز الشرطة في مقديشو، ونظمت دوريات منتظمة بواسطة الشرطة وزودت بالعشرات من المقاتلين غير النظاميين، وكانت هناك تصريحات بأن أفراد الشرطة الجدد سوف يحصلون قريباً على زي رسمي، إلاّ أن سكان مقديشو قالوا لـ(عكاظ) إن الكثيرين من الذين يعملون بنقاط الشرطة أو أولئك التابعين لميليشيات المحاكم هم في الحقيقة مقاتلون كانوا يعملون لصالح أمراء حرب وقد انضموا إلى المحاكم بعد هزيمة التحالف من أجل السلام والإرهاب المضاد.
ورغم ذلك هناك عدد من القضايا العامة التي لقيت استهجان الصوماليين. منها ماذكره الشيخ احمد عبدالله «فناه» ـ مسؤول الشؤون الاجتماعية للمجلس الأعلى ـ نهاية اغسطس 2006م:من انه لا يعترف بأي منظمات للمجتمع المدني، أو منظمات غير حكومية في مقديشو. لقد بيّن بوضوح أن المحاكم سوف تتحقق من أعمال المنظمات غير الحكومية والتنظيمات الأخرى التي وصفها بأنها في «الغالب مريبة»، واضاف: إن المجلس الإسلامي سوف يتخذ إجراءات ضد وكالات الإغاثة التي تؤثر معوناتها الغذائية على الانتاج المحلي، في حين أعلن الفرع الإعلامي للمجلس الإسلامي الأعلى الذي يرأسه الشيخ عبدالرحيم علي مودي، في الثالث من أغسطس أن المجلس الإسلامي يقوم بضبط وسائل الإعلام وقال: «انتهى زمن نشر أي تقرير يرغب أي شخص في نشره». وأضاف: حق وسائل الإعلام في حرية التعبير سوف يراعى، لكنه تابع: إن ورشة عمل تتعلق بالصحفيين المحليين سوف تقام قريباً من أجل «تصحيح بعض الأخطاء المتكررة» وكان هذا الإعلان تعبيراً عن عزم المحاكم الإسلامية اتخاذ إجراءات لتقييد حرية الصحافة والتعبير.

السينما والقات والفحم
دأب المجلس الإسلامي الأعلى منذ يونيو على اتخاذ تدابير لتقليص مشاهدة الأفلام، وقد أغلق عدد من استديوهات التصوير الفوتوغرافي، وأغلقت بعض المحاكم صالات العرض السينمائية لتحول دون مشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم، واعتقل كثيرون ولقي اثنان حتفهم بطلقات نارية خلال احدى هذه الحوادث ، كما فرضت بعض المحاكم ضوابط على اللبس وتسريحات الشعر بالإضافة إلى السلوك، حسب ما قالته مصادر محلية بمقديشو. كذلك تم حظر مضغ القات والبدء بإجراءات منع استيراد وبيعه وهو القرار الذي قوبل برفض شديد خاصة وأن فئات كثيرة من الشعب الصومالي تعتمد في معيشتها على هذه التجارة اليومية المربحة وعلى رأس هذه الفئات كبار المستوردين والموزعين والبائعين، وقد ابدى عدد من الصوماليين مقاومة لهذه الاجراءات. وحظر قرار آخر في 23 أغسطس تجارة الحيوانات البرية، وجهت انتقادات على نطاق واسع للاتجار غير المضبوط في الفحم.. إلاّ أن رجال الأعمال الذين يعملون في تجارة الفحم وتصديره المربح جداً الى خارج الصومال من مقديشو وكسمايو، وبينهم العديد منهم من المؤيدين لاتحاد المحاكم الإسلامية للصومال عارضوا ذلك بشدة ومنهم رجال أعمال يزاولون تجارة الفحم ينتمون إلى قبيلة الهوية التي ينتمي أغلب قادة المحاكم إليها.
لعل تجربة أشهر قليلة للمحاكم الإسلامية راكمت أمامها تحديات كانت أكبر منها.. وقد بدا واضحاً أن الاستعجال في استعداء الجيران مع التعنت في إيقاف جولات الحوار مع الحكومة الفيدرالية الانتقالية كان يعكس قلة الخبرة السياسية.
وقد كان الاستعجال واضحاً في الرغبة للدخول في مواجهات عسكرية.. ربما كان الدعم الذي تتلقاه المحاكم من سبع دول (حسب تقرير الأمم المتحدة) يعطيها الأمل أكثر في تجاوز الحكومة بالقوة دونما حاجة لاستمرار الحوار.. على أن الانهيار السريع للمحاكم الإسلامية قد ترك علامات استفهام كثيرة.

أسرار الهزيمة والانسحاب السلمي
البعض يرجع أسباب هذا الانهيار بحسب المعلومات التي حصلت عليها (عكاظ) من مصادر مطلعة إلى أن رجال الأعمال في مقديشو طلبوا من المحاكم الإسلامية ومليشياتها المسلحة الانسحاب دونما مواجهة في المدينة خوفاً على تجارتهم وأن رجال الأعمال المقديشيون هددوا قادة المحاكم بأنه في حال رفضهم الخروج من العاصمة ودون قتال فإنهم سيقومون بدعم قوات الحكومة المؤقتة بالمال والسلاح والمليشيات بعد أن كانوا يدعمون ويمولون المحاكم والذي يزور مقديشو يعرف قوة الشركات التجارية ورجال الأعمال حيث يمتلكون الكثير من الأسلحة ويدعمون العديد من الرجال المسلحين والمليشيات التي يمتلكون الكثير منها بحجة حماية أملاكهم وأموالهم وشركائهم.
فيما يقول قادتها: إن الأمر فيه تكتيك للدخول في حرب عصابات طويلة الأمد مع القوات الحكومية والأثيوبية ، في حين اعتبر رئيس البرلمان الصومالي المقال شيخ شريف حسن أدم أن الهزيمة السريعة والانسحاب لقوات المحاكم الإسلامية من العاصمة مقديشو كان أمراً طبيعياً مرجعاً ذلك أن ميزان القوى في تلك الحرب التي لم تكن متكافئة حيث أن قوات المحاكم هي عبارة عن مليشيات مسلحة فيما كان الطرف الثاني هو الحكومة المؤقتة والجيش الأثيوبي يحاربونهم بجيش نظامي مدرب يمتلك الدبابات والمدافع والطيران ووسائل اتصال وهو ما تفتقده قوات المحاكم، وقد خرج قادة المحاكم إلى الجنوب ومناطق الأحراش هناك فيما كانت مليشيات المحاكم قد ذابت داخل المجمع الصومالي المسلح. اضف الى ذلك ان دخول الولايات المتحدة الأمريكية بقوة في الحرب ضد المحاكم قد ضاعف من متاعبها، وقد بدا واضحاً انها لم تكن تمتلك الترتيب والتنظيم الكامل. وحتى الآن يبدو ظهور بقايا قوتها العسكرية في القيام ببعض الهجمات في العاصمة منها ما استهدف قصر الرئاسة الذي يقيم فيه الرئيس عبدالله يوسف وتكرار استهداف القوات الأثيوبية والمطار والميناء وتفجيرات متفرقة في مقديشو، وفنادق كان فيها زعماء عشائر يتحاورن مع مسؤولين في الحكومة وهجوم في الجنوب أدى إلى مقتل مسؤول كبير في الجيش الصومالي وهذه الأحداث تؤكد جدية المحاكم عبر خلاياها الكثيرة والمنتشرة فى أوساط العامة على مواصلة حربها ، ومثلت الهجمات المسلحة رسالة واضحة للجميع من المحاكم الإسلامية تثبت بأنها لا تزال حاضرة في الشأن الصومالي بقوة رغم هزيمتها العسكرية.
غير أن ضربة قوية لا يمكن تجاهلها قد أصابت قوات المحاكم خاصة بعد أن استهدفتهم الطائرات الأمريكية في الجنوب بحجة مطاردة وقتل إرهابيين أجانب يقاتلون بجانبها.

حوار جديد مع المعتدلين
وفي الوقت الذي تبدي الحكومة الفيدرالية رفضها التحاور مع قادة المحاكم تبدو الجهود الأمريكية والأوروبية وبعض الدول العربية تسير باتجاه إعادة المعتدلين لإشراكهم في العملية السياسية في الحكومة الصومالية. وغني عن القول إن الحرب ضد المحاكم الإسلامية شاركت فيها أطراف عدة بتنسيق أمريكي، حيث اتخذت العديد من دول الجوار إجراءات أمنية تمنع تسرب مقاتلي المحاكم، في حين اعلن العديد من قادتها اللجوء إلى اليمن بعد هزيمتهم مباشرةً.. فيما بقي رئيس المجلس التنفيذي شيخ شريف أحمد في كينيا لفترة وهو في اليمن الآن -ليس كلاجئ حسب ما تردد- في وساطات وحوارات لتقريب التباينات مع الحكومة الصومالية استمراراً لنهج الحوار والمصالحة الذي رعته الجمهورية اليمنية منذ انهيار النظام مطلع التسعينات وحتى الآن.
على صعيد متصل قالت مصادر صومالية خاصة في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا لـ(عكاظ):ان وفداً مكوناً من عشرة أشخاص ينتمون إلى عشيرة «العير» يتواجدون حالياً في العاصمة الأثيوبية، وانهم التقوا عدداً من المسؤولين بينهم وزير الخارجية ورئيس الوزراء «زيناوي»، وان هذا الوفد الذي سيجري معه الحوار كان قد تم التنسيق لسفره الى أثيوبيا بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأثيوبي إلى مقديشو والتقى الرئيس عبدالله يوسف. يذكر أن عشيرة «العير» كان منها أهم القيادات العليا المتشددة لاتحاد المحاكم الإسلامية حسن طاهر أويس -رئيس مجلس شورى المحاكم والمطلوب لواشنطن.
وإذا جرى هذا الأمر، بالإضافة الى الوصول الى حل مرضٍ للطرفين: (رئيس المجلس التنفيذي شيخ شريف والحكومة الصومالية برئاسة عبدالله يوسف) يكون جزءاً كبيراً من التحدي المستقبلي للمحاكم الإسلامية قد زال من أمام الحكومة، وتكون الوساطة اليمنية قد كللت جميع جهودها الدبلوماسية السابقة بنجاح جديد سيكون مردوده ايجابياً على العملية السياسية في الصومال، ودخول هذا البلد مرحلة الأمن والاستقرار وبناء الدولة الصومالية.