ابتعدوا عن العربية لتحيا!

عبدالله عويقل السلمي

بينت في مقالاتي السابقة أن العربية ليست مشكلة وإنما غشيت سماء إبداعاتها الزهر غمة حجبت عن عيون علمائها إدراك الخلل وغرست في نفوس أبنائها روح الهزيمة وأعمت عقول متزعميها عن مشاهدة الجادة، تمثلت هذه الغمة في أنهم ذهبوا (أشتاتا أو مجتمعين) ليجعلوا اللغة مشكلة، غير مدركين أن تكريس ذلك هو المشكلة عينها، وأن زوال هذه الغمة سيجعل العربية سيلا يبل صدى القلوب كدعوة محمد ومرتعا خصيبا جاذبا كطبيعة الأندلس. إذن مشكلة العربية تنبثق ممن تزعموا خدمتها. وهم لم يصنعوا منها مشكلة عصية إلا ليجدوا كل عام ما يقتاتون به ويتنادون إليه ويتحدثون فيه ويجتمعون حوله، متوقعين أن اللغة كالمرأة حمايتها على الزوج أوكالقاصر تبعته على الوصي، وما دروا أنها أقوى منهم، فهي التي قدمتهم للحياة ومنحتم القدرة على التحدث عنها. على كل فاللغة اليوم تنمو في أراض أكثر خصوبة من المراكز والمجامع ومؤسسات التعليم، وهذا النمو من مقومات انتشارها وحضورها (بعيدا عن المنظرين وحراق البخور والمؤتمرين) ويتمثل نموها فيما بتنا نراه في السنوات الأخيرة من إعلام جاد لغويا فرضته ظروف سياسية وأحداث عالمية، وهو إعلام استخدم اللغة الفصيحة، ووجد متابعة قوية من كل فئات المجتمع وشرائحه. ولنأخذ قنوات «الجزيرة أو العربية، أو بي بي سي أو فرنسا 24» مثالا، فهذه القنوات تحقق قدرا كبيرا من الضخ اللغوي الفصيح لاسيما قناة «الجزيرة» التي ظلت هي الأكثر حضورا في ذهنية المتلقي والأجود لغة. ومتابعة الناس وإقبالهم عليها دليل على أنهم يفهمون مفرداتها ويتابعون ما تنقله من مصطلحات ويتأثرون بها لغة لا إراديا، ومن وجهة نظري فإنها أحدثت نقلة لغوية لم تحدثها مؤسسات ولا مراكز ولا مجامع ولا مؤتمرات تبنت نشر اللغة أو خدمتها. كما أن أطفالنا الصغار باتوا يتحلقون حول الصور المتحركة التي تقدمها هذه القنوات باللغة الفصيحة السهلة، ويستمعون إليها، ويستمتعون بها ويقومون بترديد عباراتها فيما بينهم، ولا يجدون صعوبة في فهمها. إذن المشكلة ليست في اللغة ولكن في الإطار الذي توضع فيه، فاللغة إذا وضعت في إطارها الجذاب المناسب لها ستؤدي عملها وتقوم بتأثيرها بطريقة تتفوق بها على كثير من اللهجات المحلية. ولو ركزت جهود اللغويين ومراكز خدمة اللغة ومؤسسات التعليم والمجامع على استغلال وسائل الإعلام في الدعاية للغة الفصيحة لكانت أكثر ثمرة من الاجتماعات وورش العمل وكذا من كل محاولات التيسير بالحذف من النحو أو بالإضافة إليه، ولتم تحاشي كل المشكلات التي أثيرت حول نحونا الأصيل. ولنا في جمهورية إيرلندا مثلا حيث نفذت عام 1978م حملة دعائية تحت شعار (لغتنا جزء من كياننا) شملت الدعاية الصحافة والإذاعة والتلفزة ولوحات الإعلانات، وكذا تفعل أندونيسيا في شهر أكتوبر من كل عام، وسنغافورة وغيرها (كما ينقل في وسائل الإعلام). فمتى تقوم مؤسساتنا ومراكزنا اللغوية بمبادرة من هذا النوع؟! وأنا هنا لا أبرئ ساحة الوسائل الإعلامية بعامة وجناية بعضها على اللغة مع غيرها من العوامل، وأعلم أن من الإعلام ما كان عامل هدم من خلال قنوات ساذجة وفكرة مشوهة لغة وساقطة فكرا، ولكن قانون الحياة يثبت دائما تغلب الأقوى وبقاء الأصلح. وألقاكم.
تويتر @aanzs1417

aanzs@hotmail.com