أثيوبيا والصومال .. كراهية صامتة .. وتواجد غير مرغوب
شكوك في الحلول العسكرية .. ودعوات لتحييد دول الجوار
الاثنين / 01 / صفر / 1428 هـ الاثنين 19 فبراير 2007 19:10
رصد ومتابعة: نبيل الأسيدي
لن تبذل أي جهد لتكتشف انعدام الود بين أبناء الشعبين الصومالي والأثيوبي الجارين اللدودين بتقاربهم وتداخلهما الجغرافي وعدائهما المتجذر عبر عقود من الزمن حيث كانت ثلاثة حروب سابقة قد دارت بينهما أبرز مظاهر العداء بين جارين لا يطيق أحدهما الآخر ويعتقد كل منهما أن له مميزات أفضل تعطيه أحقية السيطرة.
هنا في كل أرجاء الصومال في مقديشو، جوهر ، جارواي، بصاصوا، هرجيسا، بربره، وحتى في جيبوتي (الصومال الفرنسي) لن تجد سوى القلة الذين يحاولون إخفاء إمتعاضهم من الدور الأثيوبي رغم محاولتهم تجاهل التاريخ غير الودي بين شعبي الصومال وأثيوبيا إلا أنهم يؤكدون أن بقاء القوات الأثيوبية مدة أطول في الصومال سيكون له تأثير غير إيجابي على مستقبل الحكومة الصومالية المؤقتة التي استعانت بجيش غير محبوب في معاركها لطرد قوات المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على مقديشو وبعض المدن الصومالية الرئيسية وقدرتها على فرض سيطرتها الكاملة على مختلف المناطق الصومالية، وعلى شعبها الذي لا يفارق السلاح.
أمنيات العودة
“محمد” أحد الجنود الأثيوبيين الذين جاؤوا مع وحدات مختلفة من الجيش الأثيوبي لمؤازرة قوات الحكومة الصومالية المؤقتة لدحر خصومها الإسلاميين في السلطة، تحدث لـ”عكاظ” وهو في موقعه ضمن الكتيبة المنتشرة في كل أرجاء مطار مقديشو والمناطق المحيطة به بمرافقة قوات صغيرة تتبع الحكومة الصومالية وقال بلهجة إنجليزية ركيكة ..”نحن هنا غير مرتاحين وأتمنى أن أعود إلى زوجتي وطفلتي الجميلة التي تنتظرني الآن داخل أثيوبيا.. نحن لا نريد البقاء هنا .. لقد أتينا لمساعدة الصوماليين من حروبهم الكثيرة، لكنهم لا يحبونا ولا يرغبون بنا”، وعن تجربته التي خاضها منذ خروجه مع رفاقه في الجيش من داخل أثيوبيا حتى استقرارهم ضمن الطاقم العسكري الحراسة المكلفة بحماية مطار مقديشو أبدى عدم رضاه عن التجربة التي خاضها وهو يقول ..”لا شيء كان ممتعاً في هذه الرحلة .. الصوماليون هنا دائماً عيونهم مفتوحة علينا وينتظرون أي فرصة لقتلنا وإطلاق الرصاص حتى بعد أن انتهت المعارك ووصلنا إلى مقديشو لمساعدة الصوماليين في إعادة الأمن إلى العاصمة وبناء دولتهم من جديد..”.
الجندي الأثيوبي مع اثنين من زملائه في ثكنة الحراسة يتمنون العودة سريعاً إلى أسرهم في أثيوبيا يعرفون جيداً التاريخ العدائي وكراهية الشعبين الصومالي والأثيوبي لبعضهما لكنهم يستغربون من بعض المعلومات لدى عامة الشعب الصومالي عن الأثيوبيين ويقول”محمد” وهو يضحك.. “أنا اسمي محمد وهذا يعني أني مسلم أثيوبي ومع ذلك فهم لا يصدقون..
ويقولون إن شعب أثيوبيا كله مسيحي أو بلا ديانة على الرغم من أن نصف سكان أثيوبيا هم من المسلمين والنصف الآخر مسيحيين ويعتنقون ديانات محلية” وأشار بيده إلى فتاة صومالية تعمل في تنظيف مطار مقديشو وقال ..”إسأل هذه الصومالية عن المسلمين في أثيوبيا ستخبرك أنهم كلهم مسيحيون ولا يوجد أي مسلم أثيوبي “وعندما سألناها أكدت ما قاله الجندي الأثيوبي “محمد” وأضافت أن الجيش الأثيوبي جاء ليحتل الصومال بالقوة مسببة ذلك وجهة نظرها بأن المسيحيين لا يحبون المسلمين الصوماليين ويريدون القضاء على المسلمين “حقنا”.
أثيوبيا في كل مكان
منذ وصولنا إلى مطار العاصمة الصومالية مقديشو ستلاحظ بشكل لا يحتاج إلى تدقيق مدى الإنتشار الواسع للجنود الأثيوبيين بأسلحتهم الرشاشة والقناصة في كل زوايا مباني المطار ومناطقه المحيطة الجاهزة دوماً لأي مواجهة محتملة أو هجوم مسلح التي في اتجاه البحر أو في اتجاه اليابسة، وستلاحظ أيضاً أن الجنود الأثيوبيين يفضلون بقاءهم سوية في تجمعات لا تزيد عن خمسة جنود في كل نوبة وموقع حراسة وفي القليل النادر ما تشاهد إختلاطاً لهم مع جنود يتبعون الحكومة الصومالية حتى ولو كان هدفهم واحد ويقتصر التواصل بين جنود الجيشين على قادتهم العسكريين فقط لتبادل المعلومات ومناقشة المستجدات الأمنية وتوزيع المهام التي يكون النصيب القيادي الأكبر منها لقاءه الجيش الأثيوبي.
هناك في مطار مقديشو كانت أولى المحاذير التي واجهتنا فسرعان ما هب الجنود الأثيوبيون إلى محيط السيارة التي سأستقلها مطالبين بكاميرا التصوير بعدما شاهدوني وأنا ألتقط صوراً لدبابة تتبع الجيش الأثيوبي تقبع خلف غرفة صغيرة بالقرب من مدرج المطار ولولا تدخل السفير اليمني الذي كان حينها يرافقني لكان حصل ما لا يحمد عقباه، والذي استطاع إقناع قائد الوحدة الأثيوبية بأننا قد حصلنا على توجيهات من الحكومة الصومالية بالتصوير نافياً له قيامي بتصوير الجنود الأثيوبيين ودباباتهم فيما كنت قد أخفيت كامرتي وأظهرت كاميرا صغيرة اصطحبتها لمثل هذه المواقف وأريتهم صوراً لسيارات تحمل مسلحين صوماليين كانوا بجانب سيارتنا تأكيداً للقائد الأثيوبي عدم إلتقاطي صوراً لجنوده ودباباته.
التزام الثكنات
ولأن قادة الجيش الأثيوبي والحكومة الصومالية يعرفون جيداً الحساسية الناجمة عن وجود جيش الجارة اللدودة وغير المحبوبة في أرض دولة أخرى يبادلهم شعبها نفس مشاعر الكراهية والعداء، فقد كانت التعليمات لوحدات الجيش الأثيوبي واضحة وتقضي بالتزام البقاء في ثكناتهم العسكرية وفي المعسكرات التابعة للحكومة والجيش الصومالي والإلتزام الحذر جداً بالبقاء في مواقعهم المنتشرة في المرافق السيادية والحكومية كمبنى المطار والميناء والقصر الرئاسي ومقرات الحكومة الصومالية وفي حراسة المعسكرات التي يقطنون داخلها.
التعليمات العسكرية قضت أيضاً بعدم خروج أي من أفراد الجيش الأثيوبي إلى شوارع العاصمة الصومالية ما لم يكن هناك أمر طارئ يستدعي خروجهم إليها وعلى أن يكون ذلك برفقة وحدات عسكرية من الجيش الصومالي إضافة إلى التنبيهات الحازمة بعدم إختلاطهم مع العامة وحتى لا يكونوا أهدافاً مباشرة لهجمات المسلحين الصوماليين الذين يعارضون بشدة التواجد الأثيوبي في بلادهم فهم ينظرون إليهم كغزاة جاؤوا ليحتلوا الصومال وليسيطروا على شعبه وليحققوا أطماعهم في الإستحواذ على كل خيرات وثروات الأرض الصومالية وجعل الصومال تابع لأثيوبيا.
مخاطر البقاء
المراقبون للشأن الصومالي يدعمون المبررات التي أطلقتها المحاكم الإسلامية لتبريرها هزيمتها السريعة أمام قوات الحكومة المؤقتة المدعومة بقوات من الجيش الأثيوبي، ومفادها أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد رغم إعتراف المحاكم بهزيمتها وانسحابها من مقديشو دون قتال. وفيما تقول الحكومة المؤقتة أن أثيوبيا جاءت ليس برغبة منها، بل بطلب من الصوماليين أنفسهم الذين ينظرون إليها الآن كمنقذ جاء ليخلصهم من الفوضى بحسب ما قاله الرئيس عبدالله يوسف لـ”عكاظ” فإن المعارضون للحكومة المؤقتة وعلى رأسهم المحاكم الإسلامية ومناصريها وجدوا في البقاء العسكري الأثيوبي داخل الصومال حجة وذريعة شرعية لمعارضتهم وقتالهم لحكومة عبدالله يوسف التي رضخت لأطماع أثيوبيا في السيطرة على الصومال ـ بحسب قولهم ـ ومن ذلك ما قاله (عبدالرحيم علي مودي) المتحدث باسم اتحاد المحاكم الإسلامية وهو يرفض عرضاً حكومياً بالاستسلام بعد هزيمة قوات المحاكم “إذا كان العالم والغزاة يعتقدون أننا متنا .. فعليهم أن يعلموا أننا على قيد الحياة .. وسننهض من تحت الرماد”. في حين لا تزال الحكومة المؤقتة تطلق التصريحات المطمئنة للشعب الصومالي بأن القوات الأثيوبية لن تطيل البقاء في الصومال وأنها سترحل قريباً مع تجاهلها المتعمد لتحديد وقت الرحيل. حيث قال رئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي أن” الأثيوبيين سيغادرون عندما يطهرون الصومال من الإرهابيين ويهدئون الأوضاع فيها وسيكون ذلك خلال أسابيع أو شهور وليس أكثر”.
وهو الأمر ذاته الذي صرح به حسين عيديد لـ(عكاظ) في الاحتفال العسكري الذي أقامه الجيش الصومالي والأثيوبي في المطار العسكري القديم بالعاصمة مقديشو بمناسبة انسحاب الدفعة الأولى من الجيش الأثيوبي من العاصمة بقوله.. “لقد رأيتم جزءً من القوات الأثيوبية وهي تغادر العاصمة مقديشو عائدة إلى أثيوبيا، وهذا يؤكد أن أثيوبيا ليس لها أطماع استعمارية وأنها جاءت لتساعدنا”. وبين يوم وآخر نسمع عن هجوم مسلح يستهدف القوات الأثيوبية غالباً ما تعلن المحاكم الإسلامية مسؤوليتها عن الهجوم مؤكدين في بياناتهم المتكررة بأن قواتهم لا تزال متواجدة في جميع أنحاء الصومال ويرددون بأنهم في مرحلة الإعداد النهائي الحقيقي لحرب العصابات التي تحسن المحاكم الإسلامية إدارتها، ويأتي ذلك بالتزامن مع ظهور قوى صومالية معارضة للتواجد العسكري الأثيوبي والتي شكلت جبهة جديدة لقتالهم تحت إسم (جبهة المقاومة الوطنية لتحرير الصومال) بحسب ما صرح به المتحدث باسم الجبهة لوسائل الإعلام، مضيفاً أن التشكيل الجديد سيضم جميع شرائح الشعب الصومالي محذراً ممن وصفهم بالقوى المعادية لإرادة الشعب الصومالي في التمادي في دعم أو مساندة أو موالاة العدوان الأثيوبي على الشعب الصومالي وتوعد المتحدث باسم الجبهة القوات الأثيوبية بأنها ستوجه إليها ضربات موجعة وتلحق بها الهزيمة.
ورغم محاولات القادة الصوماليين والأثيوبيين التركيز على أن القوات الأثيوبية الموجودة حالياً في الصومال جاءت للمساعدة وليس للإحتلال وأنها سترحل ما أن تهدأ وتستقر الأوضاع وأبرزت انسحاب جزء من قواتها من العاصمة مقديشو في مختلف وسائل الإعلام الصومالية والدولية لتهدئة الرأي العام الصومالي والمعارض لبقائها ولتبديد الحجج التي يعتمد عليها المعارضون المسلحون من اتباع المحاكم الإسلامية والجبهة الوطنية والقوى الصومالية المعارضة للتواجد الأثيوبي .. رغم كل هذا إلا أن تاريخ علاقات البلدين يتحدث بغير ذلك. إذ شهدت الصومال وأثيوبيا علاقات متوترة منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى الآن.
إقليم الأوجادين
المواجهات العسكرية بين البلدين لثلاث مرات لم تكن كافية للبلدين على ما يبدو حتى يحقق كل طرف مطالبه، بدأت الأزمة بين الصومال وأثيوبيا اللذان يشتركان في حدود طولها (2800كلم) منذ العام 1889م عندما أقدمت أثيوبيا على إعلان سيطرتها على إقليم الأوجادين (مساحته 250كلم وسكانه 2.5مليون نسمة)، أحد الأجزاء الخمسة التي كانت تتكون منها الصومال بحسب التقسيم الاستعماري القديم. ومن أجل تحقيق استعادة هذا الإقليم قامت الصومال بعد إعلان وحدتها في ستينيات القرن الماضي، بإعلان الحرب ضد أثيوبيا في العام 1964م، حيث نجحت أثناء تلك الفترة حركة التحرير الصومالية في الاقليم عن إعلان حكومة مستقلة حتى كان وقف إطلاق النار عام 1969م مع مجيئ سياد بري إلى الحكم ثم في العام 1978م وفي العام 1983م، لكن جميع هذه المواجهات التي سقط فيها آلاف الضحايا من الجانبين لم تحقق هدف الصوماليين باستعادة الأوجادين رغم ما حققته القوات الصومالية من إنتصارات في بعضها، لكن تعثر الصومال لم يكن وليد ضغط أثيوبي فقط، بل أنه جاء كنتاج لعلاقات إقليمية سيئة للصومال، إذ ساد التوتر العلاقات الصومالية ـ الكينية بسبب اقليم ( N.F.D)، كذلك الوضع بالنسبة لجيبوتي علاوة على ما كانت تلعبه العلاقات الدولية وموازين القوى للدول الكبرى في هذا الجانب، إذ ظل الدعم الأمريكي لأثيوبيا على حساب الصومال وحتى وعندما تحولت أديس أبابا نحو المعسكر الاشتراكي بقيادة منجستوهيلا مريم، الذي انقلب على نظام هيلاسلاسي فإن الدعم السوفيتي كان لأثيوبيا على حساب الصومال.
انهارت الدولة في الصومال وسقط نظام محمد سياد بري في العام 1991م لم يكن هذا ساراً فقط بالنسبة للأثيوبيين، لقد كان نتاجاً لسلسلة متواصلة من العوامل التي لم تكن أثيوبيا بعيدة عنها، إذ سبق لأديس أبابا أن احتضنت المعارضة الصومالية، بل ووفرت لها الدعم والمساندة، ويرى المراقبون أن أثيوبيا تجد في إضعاف الصومال هدف أثيوبي ثابت ومن ذلك ما نقل عن الرئيس الأثيوبي الأسبق منجستوهيلا مريم يوم فراره من أديس أبابا بعد الإطاحة بحكومته حيث قال “لو كان لشعب أثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرفوا أن لي فضلا كبيراً عليهم .. لقد نجحت في تفكيك الدولة العدوة لهم وهي الصومال”.
تداعيات انهيار الدولة في الصومال كان منها اعلان الإقليم الشمالي منه الانفصال ثم تبعه اعلان إقليم بونت لاند الفيدرالية والآن حكومة مؤقتة في مقديشو بعد حرب ضروس طحنت العاصمة ولا تزال تداعياتها حتى اللحظة تدك الجسد الصومالي وتقوض أركان استقراره وحياته.
صومال مفكك
اليوم يمكن أن نشاهد أكثر من دلالة في الرؤية الأثيوبية تجاه الصومال، فالمعارضون الصوماليون لأثيوبيا يضيفون لموضوع إقليم الأوجادين بأن أثيوبيا لا تريد صومالاً قوياً بل ضعيفاً مفككاً، لأن أثيوبيا ـ كما يقولون تخشى وجود حكومة صومالية قد تدعم حركات معارضة عرقية داخل اثيوبيا ذاتها والتنسيق بين السودان والصومال لتطويقها، ويرون أن دعم أثيوبيا للحكومة الإنتقالية برئاسة عبدالله يوسف الذي دعمت انتخابه رئيساً للصومال عام 2004م يأتي في هذا السياق وكذلك فإن استقرار الصومال ووحدته سيكون عودة إلى الدستور الصومالي الذي ينص على تحرير كامل الأقاليم الصومالية الخمسة وإعادة توحيدها، ويبالغ المعارضون لأثيوبيا بأنها تريد منع مدارس تحفيظ القرآن الكريم في الصومال وتغيير مناهج التعليم الصومالية حتى لا تظهر قوة إسلامية تهدد أثيوبيا برمتها، وهو الأمر الذي أفصحت عنه المحاكم الإسلامية وأكثر في تصريح لقادتها الذين أعلنوا صراحة طموحاتهم العسكرية بإستعادة إقليم الأجاودين بل أن أحد قادة المحاكم المتشددين قال إن قوات المحاكم الإسلامية سوف تنقل الحرب إلى أديس أبابا ولعل هذه التصريحات الكبيرة والعدائية لقادة المحاكم تجاه أثيوبيا كانت مبرراً لها في تدخلها العسكرية في الصومال وقتالها لمليشيات المحاكم الإسلامية، إضافة إلى مبررات إيواء المحاكم للآلاف من المقاتلين الإسلاميين الأجانب والإتهامات الدولية وبالذات الأمريكية للمحاكم بالإرهاب والتطرف والعلاقة بتنظيم القاعدة.
النار والبارود
وبعد انهيار الدولة كذلك ظل تجاور النار والبارود هو العنوان الإبراز بين مقديشو وأديس أبابا، إذ تنظر الأخيرة اليوم الصومال بعيون متعددة. ترى في شماله خصماً في الماضي وصديقاً في الحاضر بعد أن أصبحت العلاقات مع جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد أكثر من حميمية الآن ليتطور الوضع إلى فتح مكتب للتنسيق بمثابة سفارة في هرجيسا عاصمة أرض الصومال، ومكتب مماثل في أديس أبابا. وفي حين رفض رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي الكشف عن عدد القوات التي دخلت إلى الصومال وبعضهم مسؤولين في الحكومة يشككون في انسحاب القوات الأثيوبية من الصومال مؤكدين أن الأطماع الأثيوبية تبدو واضحة الآن وأن ما يجري من إعلان عن انسحاب تدريجي للقوات الأثيوبية ليس أكثر من خداع تمارسه (أديس أبابا). ونتيجة لهذه العلاقة مع أرض الصومال فإنها قد استغلت ميناء بربرة كمنفذ مهم لها تجارياً ومثلما هي في ميناء بصاصوا الذي يتبع أقليم بونت لاند الفيدرالي الذي تحاول أثيوبيا قدر استطاعتها السيطرة على الأقليم وممثلي العشائر مثلما هي كذلك تدعم الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله يوسف.
الصوماليون على اختلافهم يتفقون أن استقرار الصومال وحل أزماته الكثيرة لن يكون عبر البوابة الأثيوبية وأن الحل بيد الصوماليين أنفسهم وذلك بالجلوس تحت الشجرة للمصالحة وإنهاء خلافاتهم وترتيب مستقبلهم، ومع ذلك أيضاً فهم يرون أن الجار اللدود لا يمكن تغيبه في هذا الحال ولا بد من أن يكون جزءً من مفاتيح الحل بيد جيران الصومال وأولهم أثيوبيا.
هنا في كل أرجاء الصومال في مقديشو، جوهر ، جارواي، بصاصوا، هرجيسا، بربره، وحتى في جيبوتي (الصومال الفرنسي) لن تجد سوى القلة الذين يحاولون إخفاء إمتعاضهم من الدور الأثيوبي رغم محاولتهم تجاهل التاريخ غير الودي بين شعبي الصومال وأثيوبيا إلا أنهم يؤكدون أن بقاء القوات الأثيوبية مدة أطول في الصومال سيكون له تأثير غير إيجابي على مستقبل الحكومة الصومالية المؤقتة التي استعانت بجيش غير محبوب في معاركها لطرد قوات المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على مقديشو وبعض المدن الصومالية الرئيسية وقدرتها على فرض سيطرتها الكاملة على مختلف المناطق الصومالية، وعلى شعبها الذي لا يفارق السلاح.
أمنيات العودة
“محمد” أحد الجنود الأثيوبيين الذين جاؤوا مع وحدات مختلفة من الجيش الأثيوبي لمؤازرة قوات الحكومة الصومالية المؤقتة لدحر خصومها الإسلاميين في السلطة، تحدث لـ”عكاظ” وهو في موقعه ضمن الكتيبة المنتشرة في كل أرجاء مطار مقديشو والمناطق المحيطة به بمرافقة قوات صغيرة تتبع الحكومة الصومالية وقال بلهجة إنجليزية ركيكة ..”نحن هنا غير مرتاحين وأتمنى أن أعود إلى زوجتي وطفلتي الجميلة التي تنتظرني الآن داخل أثيوبيا.. نحن لا نريد البقاء هنا .. لقد أتينا لمساعدة الصوماليين من حروبهم الكثيرة، لكنهم لا يحبونا ولا يرغبون بنا”، وعن تجربته التي خاضها منذ خروجه مع رفاقه في الجيش من داخل أثيوبيا حتى استقرارهم ضمن الطاقم العسكري الحراسة المكلفة بحماية مطار مقديشو أبدى عدم رضاه عن التجربة التي خاضها وهو يقول ..”لا شيء كان ممتعاً في هذه الرحلة .. الصوماليون هنا دائماً عيونهم مفتوحة علينا وينتظرون أي فرصة لقتلنا وإطلاق الرصاص حتى بعد أن انتهت المعارك ووصلنا إلى مقديشو لمساعدة الصوماليين في إعادة الأمن إلى العاصمة وبناء دولتهم من جديد..”.
الجندي الأثيوبي مع اثنين من زملائه في ثكنة الحراسة يتمنون العودة سريعاً إلى أسرهم في أثيوبيا يعرفون جيداً التاريخ العدائي وكراهية الشعبين الصومالي والأثيوبي لبعضهما لكنهم يستغربون من بعض المعلومات لدى عامة الشعب الصومالي عن الأثيوبيين ويقول”محمد” وهو يضحك.. “أنا اسمي محمد وهذا يعني أني مسلم أثيوبي ومع ذلك فهم لا يصدقون..
ويقولون إن شعب أثيوبيا كله مسيحي أو بلا ديانة على الرغم من أن نصف سكان أثيوبيا هم من المسلمين والنصف الآخر مسيحيين ويعتنقون ديانات محلية” وأشار بيده إلى فتاة صومالية تعمل في تنظيف مطار مقديشو وقال ..”إسأل هذه الصومالية عن المسلمين في أثيوبيا ستخبرك أنهم كلهم مسيحيون ولا يوجد أي مسلم أثيوبي “وعندما سألناها أكدت ما قاله الجندي الأثيوبي “محمد” وأضافت أن الجيش الأثيوبي جاء ليحتل الصومال بالقوة مسببة ذلك وجهة نظرها بأن المسيحيين لا يحبون المسلمين الصوماليين ويريدون القضاء على المسلمين “حقنا”.
أثيوبيا في كل مكان
منذ وصولنا إلى مطار العاصمة الصومالية مقديشو ستلاحظ بشكل لا يحتاج إلى تدقيق مدى الإنتشار الواسع للجنود الأثيوبيين بأسلحتهم الرشاشة والقناصة في كل زوايا مباني المطار ومناطقه المحيطة الجاهزة دوماً لأي مواجهة محتملة أو هجوم مسلح التي في اتجاه البحر أو في اتجاه اليابسة، وستلاحظ أيضاً أن الجنود الأثيوبيين يفضلون بقاءهم سوية في تجمعات لا تزيد عن خمسة جنود في كل نوبة وموقع حراسة وفي القليل النادر ما تشاهد إختلاطاً لهم مع جنود يتبعون الحكومة الصومالية حتى ولو كان هدفهم واحد ويقتصر التواصل بين جنود الجيشين على قادتهم العسكريين فقط لتبادل المعلومات ومناقشة المستجدات الأمنية وتوزيع المهام التي يكون النصيب القيادي الأكبر منها لقاءه الجيش الأثيوبي.
هناك في مطار مقديشو كانت أولى المحاذير التي واجهتنا فسرعان ما هب الجنود الأثيوبيون إلى محيط السيارة التي سأستقلها مطالبين بكاميرا التصوير بعدما شاهدوني وأنا ألتقط صوراً لدبابة تتبع الجيش الأثيوبي تقبع خلف غرفة صغيرة بالقرب من مدرج المطار ولولا تدخل السفير اليمني الذي كان حينها يرافقني لكان حصل ما لا يحمد عقباه، والذي استطاع إقناع قائد الوحدة الأثيوبية بأننا قد حصلنا على توجيهات من الحكومة الصومالية بالتصوير نافياً له قيامي بتصوير الجنود الأثيوبيين ودباباتهم فيما كنت قد أخفيت كامرتي وأظهرت كاميرا صغيرة اصطحبتها لمثل هذه المواقف وأريتهم صوراً لسيارات تحمل مسلحين صوماليين كانوا بجانب سيارتنا تأكيداً للقائد الأثيوبي عدم إلتقاطي صوراً لجنوده ودباباته.
التزام الثكنات
ولأن قادة الجيش الأثيوبي والحكومة الصومالية يعرفون جيداً الحساسية الناجمة عن وجود جيش الجارة اللدودة وغير المحبوبة في أرض دولة أخرى يبادلهم شعبها نفس مشاعر الكراهية والعداء، فقد كانت التعليمات لوحدات الجيش الأثيوبي واضحة وتقضي بالتزام البقاء في ثكناتهم العسكرية وفي المعسكرات التابعة للحكومة والجيش الصومالي والإلتزام الحذر جداً بالبقاء في مواقعهم المنتشرة في المرافق السيادية والحكومية كمبنى المطار والميناء والقصر الرئاسي ومقرات الحكومة الصومالية وفي حراسة المعسكرات التي يقطنون داخلها.
التعليمات العسكرية قضت أيضاً بعدم خروج أي من أفراد الجيش الأثيوبي إلى شوارع العاصمة الصومالية ما لم يكن هناك أمر طارئ يستدعي خروجهم إليها وعلى أن يكون ذلك برفقة وحدات عسكرية من الجيش الصومالي إضافة إلى التنبيهات الحازمة بعدم إختلاطهم مع العامة وحتى لا يكونوا أهدافاً مباشرة لهجمات المسلحين الصوماليين الذين يعارضون بشدة التواجد الأثيوبي في بلادهم فهم ينظرون إليهم كغزاة جاؤوا ليحتلوا الصومال وليسيطروا على شعبه وليحققوا أطماعهم في الإستحواذ على كل خيرات وثروات الأرض الصومالية وجعل الصومال تابع لأثيوبيا.
مخاطر البقاء
المراقبون للشأن الصومالي يدعمون المبررات التي أطلقتها المحاكم الإسلامية لتبريرها هزيمتها السريعة أمام قوات الحكومة المؤقتة المدعومة بقوات من الجيش الأثيوبي، ومفادها أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد رغم إعتراف المحاكم بهزيمتها وانسحابها من مقديشو دون قتال. وفيما تقول الحكومة المؤقتة أن أثيوبيا جاءت ليس برغبة منها، بل بطلب من الصوماليين أنفسهم الذين ينظرون إليها الآن كمنقذ جاء ليخلصهم من الفوضى بحسب ما قاله الرئيس عبدالله يوسف لـ”عكاظ” فإن المعارضون للحكومة المؤقتة وعلى رأسهم المحاكم الإسلامية ومناصريها وجدوا في البقاء العسكري الأثيوبي داخل الصومال حجة وذريعة شرعية لمعارضتهم وقتالهم لحكومة عبدالله يوسف التي رضخت لأطماع أثيوبيا في السيطرة على الصومال ـ بحسب قولهم ـ ومن ذلك ما قاله (عبدالرحيم علي مودي) المتحدث باسم اتحاد المحاكم الإسلامية وهو يرفض عرضاً حكومياً بالاستسلام بعد هزيمة قوات المحاكم “إذا كان العالم والغزاة يعتقدون أننا متنا .. فعليهم أن يعلموا أننا على قيد الحياة .. وسننهض من تحت الرماد”. في حين لا تزال الحكومة المؤقتة تطلق التصريحات المطمئنة للشعب الصومالي بأن القوات الأثيوبية لن تطيل البقاء في الصومال وأنها سترحل قريباً مع تجاهلها المتعمد لتحديد وقت الرحيل. حيث قال رئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي أن” الأثيوبيين سيغادرون عندما يطهرون الصومال من الإرهابيين ويهدئون الأوضاع فيها وسيكون ذلك خلال أسابيع أو شهور وليس أكثر”.
وهو الأمر ذاته الذي صرح به حسين عيديد لـ(عكاظ) في الاحتفال العسكري الذي أقامه الجيش الصومالي والأثيوبي في المطار العسكري القديم بالعاصمة مقديشو بمناسبة انسحاب الدفعة الأولى من الجيش الأثيوبي من العاصمة بقوله.. “لقد رأيتم جزءً من القوات الأثيوبية وهي تغادر العاصمة مقديشو عائدة إلى أثيوبيا، وهذا يؤكد أن أثيوبيا ليس لها أطماع استعمارية وأنها جاءت لتساعدنا”. وبين يوم وآخر نسمع عن هجوم مسلح يستهدف القوات الأثيوبية غالباً ما تعلن المحاكم الإسلامية مسؤوليتها عن الهجوم مؤكدين في بياناتهم المتكررة بأن قواتهم لا تزال متواجدة في جميع أنحاء الصومال ويرددون بأنهم في مرحلة الإعداد النهائي الحقيقي لحرب العصابات التي تحسن المحاكم الإسلامية إدارتها، ويأتي ذلك بالتزامن مع ظهور قوى صومالية معارضة للتواجد العسكري الأثيوبي والتي شكلت جبهة جديدة لقتالهم تحت إسم (جبهة المقاومة الوطنية لتحرير الصومال) بحسب ما صرح به المتحدث باسم الجبهة لوسائل الإعلام، مضيفاً أن التشكيل الجديد سيضم جميع شرائح الشعب الصومالي محذراً ممن وصفهم بالقوى المعادية لإرادة الشعب الصومالي في التمادي في دعم أو مساندة أو موالاة العدوان الأثيوبي على الشعب الصومالي وتوعد المتحدث باسم الجبهة القوات الأثيوبية بأنها ستوجه إليها ضربات موجعة وتلحق بها الهزيمة.
ورغم محاولات القادة الصوماليين والأثيوبيين التركيز على أن القوات الأثيوبية الموجودة حالياً في الصومال جاءت للمساعدة وليس للإحتلال وأنها سترحل ما أن تهدأ وتستقر الأوضاع وأبرزت انسحاب جزء من قواتها من العاصمة مقديشو في مختلف وسائل الإعلام الصومالية والدولية لتهدئة الرأي العام الصومالي والمعارض لبقائها ولتبديد الحجج التي يعتمد عليها المعارضون المسلحون من اتباع المحاكم الإسلامية والجبهة الوطنية والقوى الصومالية المعارضة للتواجد الأثيوبي .. رغم كل هذا إلا أن تاريخ علاقات البلدين يتحدث بغير ذلك. إذ شهدت الصومال وأثيوبيا علاقات متوترة منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى الآن.
إقليم الأوجادين
المواجهات العسكرية بين البلدين لثلاث مرات لم تكن كافية للبلدين على ما يبدو حتى يحقق كل طرف مطالبه، بدأت الأزمة بين الصومال وأثيوبيا اللذان يشتركان في حدود طولها (2800كلم) منذ العام 1889م عندما أقدمت أثيوبيا على إعلان سيطرتها على إقليم الأوجادين (مساحته 250كلم وسكانه 2.5مليون نسمة)، أحد الأجزاء الخمسة التي كانت تتكون منها الصومال بحسب التقسيم الاستعماري القديم. ومن أجل تحقيق استعادة هذا الإقليم قامت الصومال بعد إعلان وحدتها في ستينيات القرن الماضي، بإعلان الحرب ضد أثيوبيا في العام 1964م، حيث نجحت أثناء تلك الفترة حركة التحرير الصومالية في الاقليم عن إعلان حكومة مستقلة حتى كان وقف إطلاق النار عام 1969م مع مجيئ سياد بري إلى الحكم ثم في العام 1978م وفي العام 1983م، لكن جميع هذه المواجهات التي سقط فيها آلاف الضحايا من الجانبين لم تحقق هدف الصوماليين باستعادة الأوجادين رغم ما حققته القوات الصومالية من إنتصارات في بعضها، لكن تعثر الصومال لم يكن وليد ضغط أثيوبي فقط، بل أنه جاء كنتاج لعلاقات إقليمية سيئة للصومال، إذ ساد التوتر العلاقات الصومالية ـ الكينية بسبب اقليم ( N.F.D)، كذلك الوضع بالنسبة لجيبوتي علاوة على ما كانت تلعبه العلاقات الدولية وموازين القوى للدول الكبرى في هذا الجانب، إذ ظل الدعم الأمريكي لأثيوبيا على حساب الصومال وحتى وعندما تحولت أديس أبابا نحو المعسكر الاشتراكي بقيادة منجستوهيلا مريم، الذي انقلب على نظام هيلاسلاسي فإن الدعم السوفيتي كان لأثيوبيا على حساب الصومال.
انهارت الدولة في الصومال وسقط نظام محمد سياد بري في العام 1991م لم يكن هذا ساراً فقط بالنسبة للأثيوبيين، لقد كان نتاجاً لسلسلة متواصلة من العوامل التي لم تكن أثيوبيا بعيدة عنها، إذ سبق لأديس أبابا أن احتضنت المعارضة الصومالية، بل ووفرت لها الدعم والمساندة، ويرى المراقبون أن أثيوبيا تجد في إضعاف الصومال هدف أثيوبي ثابت ومن ذلك ما نقل عن الرئيس الأثيوبي الأسبق منجستوهيلا مريم يوم فراره من أديس أبابا بعد الإطاحة بحكومته حيث قال “لو كان لشعب أثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرفوا أن لي فضلا كبيراً عليهم .. لقد نجحت في تفكيك الدولة العدوة لهم وهي الصومال”.
تداعيات انهيار الدولة في الصومال كان منها اعلان الإقليم الشمالي منه الانفصال ثم تبعه اعلان إقليم بونت لاند الفيدرالية والآن حكومة مؤقتة في مقديشو بعد حرب ضروس طحنت العاصمة ولا تزال تداعياتها حتى اللحظة تدك الجسد الصومالي وتقوض أركان استقراره وحياته.
صومال مفكك
اليوم يمكن أن نشاهد أكثر من دلالة في الرؤية الأثيوبية تجاه الصومال، فالمعارضون الصوماليون لأثيوبيا يضيفون لموضوع إقليم الأوجادين بأن أثيوبيا لا تريد صومالاً قوياً بل ضعيفاً مفككاً، لأن أثيوبيا ـ كما يقولون تخشى وجود حكومة صومالية قد تدعم حركات معارضة عرقية داخل اثيوبيا ذاتها والتنسيق بين السودان والصومال لتطويقها، ويرون أن دعم أثيوبيا للحكومة الإنتقالية برئاسة عبدالله يوسف الذي دعمت انتخابه رئيساً للصومال عام 2004م يأتي في هذا السياق وكذلك فإن استقرار الصومال ووحدته سيكون عودة إلى الدستور الصومالي الذي ينص على تحرير كامل الأقاليم الصومالية الخمسة وإعادة توحيدها، ويبالغ المعارضون لأثيوبيا بأنها تريد منع مدارس تحفيظ القرآن الكريم في الصومال وتغيير مناهج التعليم الصومالية حتى لا تظهر قوة إسلامية تهدد أثيوبيا برمتها، وهو الأمر الذي أفصحت عنه المحاكم الإسلامية وأكثر في تصريح لقادتها الذين أعلنوا صراحة طموحاتهم العسكرية بإستعادة إقليم الأجاودين بل أن أحد قادة المحاكم المتشددين قال إن قوات المحاكم الإسلامية سوف تنقل الحرب إلى أديس أبابا ولعل هذه التصريحات الكبيرة والعدائية لقادة المحاكم تجاه أثيوبيا كانت مبرراً لها في تدخلها العسكرية في الصومال وقتالها لمليشيات المحاكم الإسلامية، إضافة إلى مبررات إيواء المحاكم للآلاف من المقاتلين الإسلاميين الأجانب والإتهامات الدولية وبالذات الأمريكية للمحاكم بالإرهاب والتطرف والعلاقة بتنظيم القاعدة.
النار والبارود
وبعد انهيار الدولة كذلك ظل تجاور النار والبارود هو العنوان الإبراز بين مقديشو وأديس أبابا، إذ تنظر الأخيرة اليوم الصومال بعيون متعددة. ترى في شماله خصماً في الماضي وصديقاً في الحاضر بعد أن أصبحت العلاقات مع جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد أكثر من حميمية الآن ليتطور الوضع إلى فتح مكتب للتنسيق بمثابة سفارة في هرجيسا عاصمة أرض الصومال، ومكتب مماثل في أديس أبابا. وفي حين رفض رئيس الوزراء الأثيوبي مليس زيناوي الكشف عن عدد القوات التي دخلت إلى الصومال وبعضهم مسؤولين في الحكومة يشككون في انسحاب القوات الأثيوبية من الصومال مؤكدين أن الأطماع الأثيوبية تبدو واضحة الآن وأن ما يجري من إعلان عن انسحاب تدريجي للقوات الأثيوبية ليس أكثر من خداع تمارسه (أديس أبابا). ونتيجة لهذه العلاقة مع أرض الصومال فإنها قد استغلت ميناء بربرة كمنفذ مهم لها تجارياً ومثلما هي في ميناء بصاصوا الذي يتبع أقليم بونت لاند الفيدرالي الذي تحاول أثيوبيا قدر استطاعتها السيطرة على الأقليم وممثلي العشائر مثلما هي كذلك تدعم الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله يوسف.
الصوماليون على اختلافهم يتفقون أن استقرار الصومال وحل أزماته الكثيرة لن يكون عبر البوابة الأثيوبية وأن الحل بيد الصوماليين أنفسهم وذلك بالجلوس تحت الشجرة للمصالحة وإنهاء خلافاتهم وترتيب مستقبلهم، ومع ذلك أيضاً فهم يرون أن الجار اللدود لا يمكن تغيبه في هذا الحال ولا بد من أن يكون جزءً من مفاتيح الحل بيد جيران الصومال وأولهم أثيوبيا.