رسالة القحطاني في عيون من قرأها

سأحكي لكي يا جازان عن ابن بار، عرف قدرك المقدود في أناسك البسطاء، وما ينطوي عليه صدرهم من سر الأصالة، فصورهم بقلمه الفريد، تصوير من يفهم ويتذوق حقيقتهم، إنه بطل التصوير للبسطاء، من يأبه للعجوز صالحة أن تحكى كل حكاويها وهي تسترجع ماضيها مع رفيق دربها عيسى ... وكيف لها أن تعبر بما يجيش بخاطرها لولا أن سخر الله لها روائيا متمكنا. حسين القحطاني ابن جازان ، الذي جعل من ناصر وزوجته وابنهم أحمد أبطالا في نظر العالم أجمع، وتلك عبقرية ابنك حسين. يا جازان الحالمة ويا جنوب الثقافة والفن ... حكى الشاعر النحات، مايكل أنجلو، عن المواطن التي يرى فيها الملائكة، وسحرهم، وأجنحتهم البديعة، وصوتهم الذي تحاكيه موسيقى بني آدم، وتخفق خجلة، ومن العجب أنه لم يرهم في تخوم السماء، بل تحت قدميه، قال: (أبصرت ملاكا في ركام الصخرة، ولم أفعل شيئا..سوى أن نحت، ونحت .. إلى أن خلصته). كذلك فعل حسين القحطانى، رأى حياة كاملة، خصبة، في بلدة بسيطة، قرية جنوبية وادعة، تنام القرية كلها، في أسرة خشبية صنعت من شجر حقولهم، ومع صياح آخر ديك، تلتحف السماء، وتفترش الثرى، وتتوكل على الحي القيوم، وتغرق في سر السبات، سر النوم الهانئ ، ومع هذا (ولم لا)، ظل العرس الذي خطه قلمه، بل نحته زميله العبقري، قائما، في تلك القرية، لتسمع الآن حكاوي الجدة في كل مكان وتتسلل عبر أرفف مكتبات بيروت، أو من تحت مخدة ناقد بلجيكي يهوى القصة، أو حتى في حقيبة مهتم بالرواية في أوسلوا أو حين تتصفح الكتيب الصغير في بلدة صغيرة على ضواحي مدينة الخرطوم العاصمة المثلثة أو كورق تضعه قربك كتعويذة حب، وأنشودة فرح فطري، زغرودة يسمعها العرب، والزنج، والعجم، بكل لغات الأرض إن شاء الله وذلك بعد ترجمته إلى كل لغات الدنيا الحية .. جعل حسين القحطاني من بئر السيد مزارا لكل القرية بل متنفسا لها، ومن شابه ندية انتعش جمالها كنخلة صبية حين يأتيها الماء بعد الظمأ) أو مهره الممتلئة أو مريم المسكينة. كما جعل من لمة الأطفال عند البئر، الذي يسقي عطش البلدة، وخرافها، وطيورها، لوحة تخلب لب العباد، في أرجاء المعمورة، تلك هي عبقرية أن ترى الكمال في كل خلية، من خلايا الكون (تشعر بأنه حتى الجماد، والشجر والغروب، تنبض مثل قلوب بني آدم)، فقد رسم لوحة للكون، بأسره، من شخوص بسيطة، تمر عليهم مرور الكرام (من جهل العزيز، لا يعزه)، وهنا يكمن ثراء عبقرية حسين القحطاني. تعبيرية عالية، ثراء من يرنو، ويصغي بأدب جم، لكل فجاج الحياة، وظلالها، وجذرها، في أبسط أشكالها، وأعرقها، وكأنها دعوة، (منه) لرؤية الأشياء كما هي ... لك مني حسين كل الود والحب والتجلي.
عادل محمد خير