معروض سائق ومطلوب كاشير

وليد عرب هاشم

قرأت رقم هاتف مكتوبا على جدار في شارع بجدة يعرض (سائق سعودي يرغب في العمل)، ولا أدري إن كان هذا إعلانا صادقا أم مجرد كذبة للاستفزاز، ولكن الذي أعلمه هو أن هناك في المقابل إعلانات في أكثر من مكان تطلب سعوديين للعمل في وظائف كاشير أو مسوقين أو مندوبي مبيعات وغيرها، ويبدو أن هذه الإعلانات لم تجد استجابة كافية لأنها ما زالت مستمرة، وهذا يعيدنا لنفس الأسئلة الأساسية والحرجة حول البطالة لدينا، وإن كانت فعلا بطالة حقيقية تصل لمستوى أن لا يجد الشاب السعودي عملا حتى ولو كان سائقا، ويضطر للإعلان عن حاجته على جدار الشارع، أما إن كانت الوظائف متاحة وطلبات التوظيف تنادي الشباب من كل صوب ولكن أحدا لا يجيب.
للأسف، نحن نفتقد للمعلومات والإحصائيات الدقيقة لتوضيح الصورة الحقيقية، وإن كانت هناك حاليا جهود لمواجهة هذا النقص، وبالذات من وزارة العمل التي أعلنت عن وجود أكثر من مليون عاطل. وهذه معلومة أساسية كنا نفتقدها قبل سنوات قليلة، حيث كانت أرقام البطالة لدينا عبارة عن تخمينات تختلف حسب مصدرها، ولكن الآن لدينا أرقام تثبت أن أعداد البطالة تجاوزت المليون، وهذا فعلا رقم مهول ويصعب أن نتقبله لعدة أسباب، فنحن بلد صغير نسبيا، وبالتالي، عندما يكون لدينا أكثر من مليون عاطل عن العمل، فهذا يمثل نسبة كبيرة منا، بمعنى أن من كل خمسة مواطنين يبحثون عن عمل واحدا لن يجده، وإن كانت هذه النسبة المرتفعة من البطالة وهذه الأعداد المكدسة من الشباب العاطلين والمتسكعين في القهاوي والشوارع مقبولة في بعض الدول الفقيرة، التي ليس لديها وظائف أو إيرادات تذكر، إلا أن الوضع لدينا يختلف، والحمد لله، فإنه تم إنفاق مئات المليارات أو آلاف المليارات على التعليم وعلى التدريب وتأهيل شبابنا للعمل، ولو جمعنا ما تم إنفاقه خلال السنوات لوصلنا إلى أرقام مهولة من عشرات الألوف من المليارات، وهذه مبالغ تكفي لبناء دول بأكملها وليس فقط لتعطينا شبابا متعلمين ومؤهلين على أعلى المستويات، فأين نتيجة هذا الإنفاق المهول؟.
كما أننا أيضا نستغرب من وجود هذه البطالة لدينا؛ لأننا لدينا اقتصاد استطاع أن يجذب ويوفر فرص عمل لملايين من العمالة الوافدة، التي أتت إلينا من مختلف دول العالم، وبالتالي كيف تجد ملايين من العمالة الأجنبية فرص عمل في اقتصادنا، بينما لا يستطيع مليون مواطن أن يجدها؟ بالرغم من كل ما تم إنفاقه لتدريب وتأهيل هؤلاء المواطنين؟.
لتفسير هذه التناقضات لدينا عدة احتمالات، منها أن اقتصادنا ــ وبالذات القطاع الخاص ــ يستغل قدرته على استقدام العمالة من أي مكان وبأي سعر، وبالتالي أصبح العالم بأسره يتنافس على الوظائف السعودية، وهكذا تخسر العمالة السعودية، فهي لن تستطيع أن تتنافس مع عمالة كل دول العالم.
ويوافق هذا الاحتمال أن قوانيننا وأنظمتنا وتحت مبرر توفير الأمان الوظيفي وحماية العامل السعودي قامت بإعطائه حقوقا وصلاحيات غير عادلة، ولا يرغب أن يتقبلها صاحب العمل، ولذا يلجأ لتعيين العامل الأجنبي، وهكذا، مرة أخرى يخسر العامل السعودي، وذلك لأن الأنظمة لدينا التي تظهر وكأنها في صالحه هي فعلا تضره.
وهناك أيضا احتمال أن سبب البطالة لدينا هو ألوف المليارات التي تم صرفها على تعليم وتدريب وتأهيل أجيال من الشباب ذهبت هدرا لتلقينهم بدلا من تعليمهم ولمنحهم شهادات لا تصلح إلا للتعليق على الجدار، فهم غير مؤهلين للوظائف المتاحة بالرغم من أي شهادات لديهم.
وأيضا هناك احتمال أن الشاب السعودي نشأ وتربى على أن لا يأخذ إلا وظائف معينة، وبالتالي، قد نرى إعلانا لأسطى تسليح حديد، ولكن شبابنا يقبل أن يكون بمهنة سائق خاص بثلاثة آلاف ريال، ولا يقبل أن يعمل في الشمس ولو بثلاثين ألف ريال.
هذه الاحتمالات وغيرها قد تكون صحيحة، وقد تفسر وضعنا الغريب بوجود مليون مواطن عاطل في ظل ثمانية أو سبعة ملايين عامل وافد. والمهم أن نعالج هذه الأسباب وغيرها لنحارب البطالة، وأولها تربية شبابنا على أن العمل الشريف هو مصدر فخر واعتزاز، وأن الأنبياء كانوا يعملون ومعظمهم كان يعمل في مهن يدوية وتحت الشمس. ولنعالج مناهج التعليم والتدريب لتعطينا فعلا شبابا متعلمين ومؤهلين، ولنغير أنظمتنا بحيث ننحاز لتوظيف المواطن وليس الوافد، ولنحد من الاستقدام المفتوح لعمالة أجنبية، بحيث لا يتم استقدام إلا ما نحتاجه فعلا وليس له بديل متاح من العمالة الوطنية، ولنضع خططا من الآن لمعالجة هذا الوضع وتوفير البديل الوطني للوظائف التي نحتاجها، بحيث في المستقبل لا نستقدم عمالة إلا عندما لا يكون هناك مواطن عاطل متاح ويحتاج أن يعرض حاجته للعمل على جدار في الشوارع.
wahnm@hotmail.com