طموحات الإخوان تنحسر .. من أمل العودة إلى الإفلات من المحاسبة
مؤكداً نهاية حكمهم .. القيادي المنشق ثروت الخرباوي لـ «عكاظ»:
الثلاثاء / 08 / رمضان / 1434 هـ الثلاثاء 16 يوليو 2013 19:32
شوقي عبدالقادر (القاهرة)
أكد ثروت الخرباوي، القيادي السابق في جماعة الإخوان، أن مكتب الإرشاد ألقى بأعضاء الجماعة في ميدان رابعة العدوية وميدان النهضة، تحت مظلة أن بقاءهم في الشارع سيحمي كيان الجماعة من الزوال، مشيرا إلى أن مسألة عزل الرئيس مرسي كان ومازال لها تأثير سلبي على المشروع الذي يحمله التنظيم الدولي. وأضاف الخرباوي في حوار مع «عكاظ» أن جماعة الإخوان فقدت الأمل في العودة للحكم في مصر، ولكنهم يفكرون في أشياء أخرى وهي الخروج الآمن الذي يضمن عدم محاسبتهم أو ملاحقتهم قانونيا، وهو ما يسعى التنظيم الدولي للجماعة للحصول عليه. ودحض الخرباوي مقولات أن الإخوان لديهم القدرة على إدارة الدولة، لافتا إلى أن العمل الأساسي للإخوان هو دعم الجماعة وتسخير كل الإمكانات من أجل خدمتها، وليس خدمة الدولة.. فإلى تفاصيل الحوار:
• بداية كيف رأيت مسألة سحب الثقة من محمد مرسي وعزله من الحكم؟
عندما انتخب الشعب المصري الدكتور محمد مرسي، فإنه كتب عقدا معه، ولكنه بعد ذلك أخل بشروط العقد ومن حق الشعب فسخ العقد، وفي رأيي الشخصي لا شرعية لرئيس سحب منه الشعب الشرعية، والإخوان فوجئوا بالأعداد الكبيرة من المواطنين في الشوارع، وكان تصورهم أنه خلال يوم أو يومين ستستقر الأمور وهو ما لم يحدث.
• هل كنت تتوقع أن تقوم الجماعة بإلقاء معارضيها في الشوارع؟
الآن الجماعة في النزع الأخير، وصورت لأتباعها أن الحرب عليها هي حرب على الإسلام، وللأسف القيادات الحالية للجماعة أهدرت قيمة الدعوة وأساءت للإسلام والمسلمين، لأن الفكر التكفيري هو المسيطر على هذه القيادات وهو سر صراعهم مع الآخر وعدم تقبلهم له، وهذا الأمر بالطبع له مرجعية إذ إن معظم كتابات الراحل حسن البنا، مؤسس الجماعة، كانت تصنف الناس إلى نوعين: الأول من يتفق مع أفكارنا هم من نعمل من أجلهم وهم إخواننا، والنوع الثاني من الناس هم من يختلفون مع أفكارنا وهؤلاء لا نعاديهم ولكنهم ليسوا إخوة لنا.
• كيف ترى تأثير عزل محمد مرسي على المشروع العالمي للجماعة؟
من المؤكد أن هناك تأثيرا سلبيا لهذه المسألة، إذ إن مسألة سقوط الإخوان في مصر سيكون لها صدى في الدول التي قفزوا فيها على الحكم مثل تونس على سبيل المثال، والتي أتوقع أن تلحق بمصر قريبا.
• لوقت قريب كنت من المنتمين للجماعة وانفصلت عنها في عام 2002، صف لنا آلية اتخاذ القرار في الإخوان؟
أولا الجماعة تسيطر عليها آليات العمل العسكري، القائم على مبدأ السمع والطاعة، وعلى الرغم من وجود مسمى «الشورى» داخل الجماعة، إلا أن هذا التعبير لا محل له من الإعراب، والغالب هو أن الغاية تبرر الوسيلة، على سبيل المثال لا الحصر سأروي لك نموذجا عندما كان بعض قيادات الجماعة في السجون، كانت الجماعة تستعين بوسائل الإعلام المعارضة والمستغلة للضغط على نظام مبارك الذي كان الإعلام الحكومي في عهده يصفها بـ«المحظورة»، وعندما وصلت الجماعة للحكم بعد ثورة 25 يناير، اعتبرت أن الإعلام هو عدوها الأول، والشاهد على ذلك ما ذكره المرشد محمد بديع عن أن الإعلاميين هم «سحرة فرعون»، والآن الجماعة تلهث وراء وسائل الإعلام الغربية بالتحديد لتصور للرأي العام العالمي أن ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية.
• شاهدنا كثيرا من الأحداث في الآونة الأخيرة للمنتمين للجماعة من يحمل كفنه ومنهم من يكتب على ملابسه «مشروع شهيد» وغير ذلك، كيف يقنع القادة هؤلاء الشباب بذلك؟
الفرد الإخواني بتركيبته الشخصية هو وعاء غير قابل لتحرر العقل أو اختلاف الرأي، وسبق وأشرت إلى أن الجماعة تدار بآليات عسكرية لا تسمح لأحد بأن يفكر بمعزل عنها، بل تجبره على التفكير بعقلها وإلغاء عقله، لأنهم يتصورون دوما أنهم في مواجهة مستمرة مع الآخر، وأن أعضاء الجماعة مقاتلون فقط يعلون مبدأ السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة.
• ألمحت في كتابك الأخير «سر المعبد» الذي كتبته عن الجماعة أن هذا كان من أهم أسباب انفصالك عنها؟
نعم لأنني لم أعتد إلغاء عقلي، فقد شهد عام 2000 حدثين، أولهما القبض على 17 أخا في الجماعة، من بينهم الدكتور محمد بديع المرشد الحالي، ومختار نوح وخالد بدوي وتحويلهم للقضاء العسكري، أما الثاني فكان انتخابات نقابة المحامين، وانتخبت لرئاسة لجنة الدفاع عن الإخوان، وفي نفس الوقت تنسيق موقف الإخوان في انتخابات النقابة. وكان رجائي عطية، المرشح لرئاسة النقابة، قد وعدنا بممارسة الضغط السياسي على الحكومة للإفراج عن النقابيين المحالين للقضاء العسكري، في ذات الوقت الذي كنا نرى فيه الدفع بعدد محدود من الإخوان في انتخابات النقابة، لكنني فوجئت بتراجع رجائي عطية عن فكرة الضغط على النظام مكتفيا باستعداده للدفاع عنهم، في ذات الوقت الذي قررت فيه الجماعة المشاركة بكثافة، فقررت عدم دعم رجائي عطية في الانتخابات، ولم يرضِ هذا المستشار الهضيبي الذي كان يدعم المقربين من النظام ودوائر صنع القرار، وكان يقول إننا في يوم ما سنجلس مع مبارك أو ابنه جمال وندير حوار الجماعة معهما، لذا علينا التواصل مع المقربين منهما، لكني تمسكت بموقفي فعزلوني من رئاسة اللجنة، رغم مخالفته مبدأ الشورى.
وحينما تحدثت مع المرشد مأمون الهضيبي قال لي: «اللائحة تلزم الأعضاء ولا تلزم القيادة»، واستاء الدكتور بديع وبقية الإخوة من الموقف وأيدوني، ووضع بديع خطة مع مختار نوح سموها «تصدير القلق للحكومة» وطلبوا مني إرسالها لمكتب المرشد، وتضمنت أجزاء كثيرة، من بينها تشكيل جبهة من النشطاء الحقوقيين والقانونيين والصحفيين المتميزين للدفاع عنهم لخلق حالة من الرأي العام معهم. ووقف بجواري صحفيون يصنفهم الإخوان الآن أعداءهم، لكن يبدو أن السلطة مفسدة وتمحو الذاكرة.
• ولكن على حد علمي أن الجماعة أحالتك إلى التحقيق؟
نعم أحالونى للتحقيق بدعوى الوقوف ضدهم في انتخابات نقابة المحامين، وهذا افتراء لأنهم يعرفون أنني لم أفعل، بالإضافة لعلاقتي بمجموعة حزب الوسط ودكتور سليم العوا، ورغم حفظ التحقيق، فإنهم لم يتوقفوا، فأعلنت انفصالي عنهم، لكنهم استدعوني بعدها بشهر، وأخبروني بأن الجماعة فصلتني، فتعجبت، لأنني تركتهم منذ شهر، لكن يبدو أن الجماعة لا تترك حتى قرار تركها لأعضائها، وأخبرني بعدها دكتور أبو الفتوح بأن المرشد العام للجماعة يريد لقائي بمنزله، فذهبت ولم يكن لقاء وديا فتحدث عن مخالفتي قوانين الجماعة، فقلت له إن نفس المنطق يتبعه النظام مع من يخالفونه وإنهم كجماعة مخالفون للقانون، فأنهى اللقاء، وأؤكد لك أن أسلوب اتخاذ القرار واحد في الجماعة مهما كانت القضية.
• هناك من يرى من المحللين والمتخصصين في شؤون الحركات الإسلامية أن جماعة الإخوان خلعت الرداء الدعوي بسبب انتماء القيادات الحالية فكريا لما يعرف بـ«القطبيين» نسبة إلى الدكتور سيد قطب؟
إلى حد ما هم محقون في ذلك، إذ إن المرشد الحالي محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ورشاد البيومي، ومحمود غزلان، ومحمد مرسي، ينتمون لمجموعة سيد قطب الذي اقتحم الجماعة في منتصف القرن الماضي ونطلق عليهم في الجماعة «المجموعة القطبية»، وهم ليسوا من الإخوان المسلمين. وحينما اتهم بديع والبيومي في قضية عام 1965 وسجنا عشر سنوات، خرجا وقت أن كان عمر التلمساني هو المرشد العام، وكان يحذر من هذه المجموعة، وكان يقول «هم ليسوا من الإخوان»، ويشهد على هذا الدكتور يوسف القرضاوي، وبدأ الصراع الخفي بين تلاميذ التلمساني والمجموعة القطبية قبيل عام 2004، فكانت المؤشرات تشير لانتخاب محمد حبيب، مرشدا عاما، لكن الشاطر ومجموعته نجحوا في تحريك بعض الأصوات لصالح عاكف الذي منح حبيب منصب النائب الأول بحكم العرف، واختار خيرت الشاطر نائبا ثانيا كنوع من رد الجميل، وخيرت يجيد حبك المؤامرات تنظيميا، وحينما تفرغ عبدالمنعم أبو الفتوح وتلاميذ التلمساني للعمل العام في النقابات والعمل الإغاثي، لم ينتبهوا للتنظيم الذي سيطر عليه محمود عزت وخيرت الشاطر، اللذان قاما بتعيين مسؤولي مناطق يدينون بالولاء لهما دون أن يشعر بأحد وبالتدريج، وحينما استقال عاكف لم يفكر الشاطر في الترشح لأنه لا يحب العمل المفتوح بل السري، وهو يدرك قدراته جيدا.
• إلهذا يقال إن خيرت الشاطر كان هو الحاكم الفعلي لمصر وليس محمد مرسي؟
إحتمال وارد، أنا أعرف خيرت الشاطر منذ التسعينات وشاهدته في مواقف كثيرة وأدركت غلظة قلبه، حتى إن حسن مالك حينما اختلف معه أثناء السجن، طلب نقله لزنزانة أخرى بعيدا عن الشاطر، ولو خلق الله الديكتاتورية في صورة رجل، لكان خيرت الشاطر.
• كيف تبلورت فكرة ترشح تقديم مرشح لها في انتخابات الرئاسة في أعقاب 25 يناير على الرغم من إعلانهم المسبق بعدم الترشح على هذا المنصب؟
قبل خلع مبارك بفترة وجيزة التقى الدكتور سعد الكتاتني مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، واتفقا على أمور كثيرة، منها أشياء ظهرت وأخرى خافية حتى الآن، وخرج الكتاتني من الاجتماع، وقال عن عمر سليمان إنه شخصية وطنية يمتلك القدرة على إدارة البلاد، وإن الفتنة تقودها أطراف بأجندات خارجية، وعلى المصريين قبول خطة عمر سليمان وتسليم مبارك السلطة في سبتمبر، كما اتفقا على سحب الإخوان من ميدان التحرير، وهو ما رفضه الكثيرون وتسبب في انشقاق عدد كبير عن الجماعة عنها، وبعد خلع مبارك جاءت مسألة التعديل الدستوري واللجنة التي تشكلت، برئاسة طارق البشري المعروف بخلفيته المرتبطة بالإخوان، وعضوية صبحي صالح، الذي لا يوجد له أي تاريخ في الفقه الدستوري.
• هناك عرف سائد في الأوساط السياسية المصرية عن أن جماعة الإخوان تمتلك مهارة خاصة في عقد الصفقات؟
في الغالب الأعم الجماعة تعتمد على قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، والجماعة تستخدم هذا الفقه في غير محله وتحوله لفقه «الغاية تبرر الوسيلة»، فيرفعون شعارا ويمارسون عكسه ولا يعنيهم صورتهم أمام النخب طالما الجماهير تقتنع بأنهم رجال يعرفون الله، والجماعة ترى أن مصلحة مصر هي مصلحتها ويؤمنون بأن الآخرين ليسوا على شيء.
• وماذا عن علاقة الجماعة الآن بالدول التي تدعم التنظيم الدولي للإخوان؟
ولاء الإخوان الدائم للجماعة، ويستخدمون العلاقات مع دول أخرى لتحقيق مصالح الجماعة سواء في الخارج والداخل، فولاء الإخوان لفكرة دولة الخلافة التي يسعون لإقامتها.
• على أى شيء تستند في تحليلك هذا؟
على أمور كثيرة، أولها علاقتي بهم ومعرفتي بأسرار الجماعة وأسلوب تفكيرها، تلك خطة إخوانية كنا نتحدث فيها منذ أن كنت في جماعة الإخوان، كان من بين أهدافنا إقامة دولة الخلافة، وهذه كانت الفكرة التي استقطبت بها الجماعة الأحزاب الدينية الموالية لها الآن، إذ بشرهم بأن دعم مرسي للوصول إلى الرئاسة معناه إقامة دولة الخلافة التي تكون مصر مركز انطلاقها.
• من ضمن الاتهامات الموجهة إلى قيادات الجماعة الآن تهمة التخابر مع دول أجنبية، هل لهذا الأمر علاقة بمشروع الخلافة؟
تهمة التخابر مع دول أجنبية تلاحق الجماعة منذ أيام حكم عبدالناصر، إذ كانت تقوم الجماعة بإجراء اتصالات مع العديد من الدول، وهذا الأمر تم أيضا أيام السادات وكذلك مبارك، وغالبا الجماعة تجري اتصالاتها مع دول تكون علاقتها متوترة مع مصر.
• دائما ما تلوح قيادات الجماعة في رابعة العدوية باستخدام العنف تجاه الجيش والشرطة، هل يمتلك الإخوان القدرة على ذلك؟
الجماعة لديها مليشيات مدربة ولكنها لن تستطيع مواجهة الجيش والشرطة والشعب في نفس الوقت، ولكن أعتقد أن هذه التصريحات محاولة للضغط للوصول إلى موقف تفاوضي مع السلطات.
• كان قادة جماعة الإخوان دائما يتحدثون عن أنهم يمتلكون مشاريع لتنمية مصر، أين تعتقد ذهب هذا الحديث؟
قال ضاحكا: أتذكر حينما كنت في الجماعة كنا نسأل القيادات الكبيرة التي كانت تجلس معنا، ماذا سيحدث لو أصبحنا نحكم مصر؟ وكانت الإجابة أن «الدنيا ستخرب»، لأن الإخوان ليس لديهم كوادر مدربة على إدارة البلاد ووضع خطط تنموية، الجماعة ستدير الدولة بفكر التنظيم، وهذا لا يمكن أن يخلق نهضة، بل سيأتي بالخراب، وهو ما حدث.
• بداية كيف رأيت مسألة سحب الثقة من محمد مرسي وعزله من الحكم؟
عندما انتخب الشعب المصري الدكتور محمد مرسي، فإنه كتب عقدا معه، ولكنه بعد ذلك أخل بشروط العقد ومن حق الشعب فسخ العقد، وفي رأيي الشخصي لا شرعية لرئيس سحب منه الشعب الشرعية، والإخوان فوجئوا بالأعداد الكبيرة من المواطنين في الشوارع، وكان تصورهم أنه خلال يوم أو يومين ستستقر الأمور وهو ما لم يحدث.
• هل كنت تتوقع أن تقوم الجماعة بإلقاء معارضيها في الشوارع؟
الآن الجماعة في النزع الأخير، وصورت لأتباعها أن الحرب عليها هي حرب على الإسلام، وللأسف القيادات الحالية للجماعة أهدرت قيمة الدعوة وأساءت للإسلام والمسلمين، لأن الفكر التكفيري هو المسيطر على هذه القيادات وهو سر صراعهم مع الآخر وعدم تقبلهم له، وهذا الأمر بالطبع له مرجعية إذ إن معظم كتابات الراحل حسن البنا، مؤسس الجماعة، كانت تصنف الناس إلى نوعين: الأول من يتفق مع أفكارنا هم من نعمل من أجلهم وهم إخواننا، والنوع الثاني من الناس هم من يختلفون مع أفكارنا وهؤلاء لا نعاديهم ولكنهم ليسوا إخوة لنا.
• كيف ترى تأثير عزل محمد مرسي على المشروع العالمي للجماعة؟
من المؤكد أن هناك تأثيرا سلبيا لهذه المسألة، إذ إن مسألة سقوط الإخوان في مصر سيكون لها صدى في الدول التي قفزوا فيها على الحكم مثل تونس على سبيل المثال، والتي أتوقع أن تلحق بمصر قريبا.
• لوقت قريب كنت من المنتمين للجماعة وانفصلت عنها في عام 2002، صف لنا آلية اتخاذ القرار في الإخوان؟
أولا الجماعة تسيطر عليها آليات العمل العسكري، القائم على مبدأ السمع والطاعة، وعلى الرغم من وجود مسمى «الشورى» داخل الجماعة، إلا أن هذا التعبير لا محل له من الإعراب، والغالب هو أن الغاية تبرر الوسيلة، على سبيل المثال لا الحصر سأروي لك نموذجا عندما كان بعض قيادات الجماعة في السجون، كانت الجماعة تستعين بوسائل الإعلام المعارضة والمستغلة للضغط على نظام مبارك الذي كان الإعلام الحكومي في عهده يصفها بـ«المحظورة»، وعندما وصلت الجماعة للحكم بعد ثورة 25 يناير، اعتبرت أن الإعلام هو عدوها الأول، والشاهد على ذلك ما ذكره المرشد محمد بديع عن أن الإعلاميين هم «سحرة فرعون»، والآن الجماعة تلهث وراء وسائل الإعلام الغربية بالتحديد لتصور للرأي العام العالمي أن ما جرى في مصر هو انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية.
• شاهدنا كثيرا من الأحداث في الآونة الأخيرة للمنتمين للجماعة من يحمل كفنه ومنهم من يكتب على ملابسه «مشروع شهيد» وغير ذلك، كيف يقنع القادة هؤلاء الشباب بذلك؟
الفرد الإخواني بتركيبته الشخصية هو وعاء غير قابل لتحرر العقل أو اختلاف الرأي، وسبق وأشرت إلى أن الجماعة تدار بآليات عسكرية لا تسمح لأحد بأن يفكر بمعزل عنها، بل تجبره على التفكير بعقلها وإلغاء عقله، لأنهم يتصورون دوما أنهم في مواجهة مستمرة مع الآخر، وأن أعضاء الجماعة مقاتلون فقط يعلون مبدأ السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة.
• ألمحت في كتابك الأخير «سر المعبد» الذي كتبته عن الجماعة أن هذا كان من أهم أسباب انفصالك عنها؟
نعم لأنني لم أعتد إلغاء عقلي، فقد شهد عام 2000 حدثين، أولهما القبض على 17 أخا في الجماعة، من بينهم الدكتور محمد بديع المرشد الحالي، ومختار نوح وخالد بدوي وتحويلهم للقضاء العسكري، أما الثاني فكان انتخابات نقابة المحامين، وانتخبت لرئاسة لجنة الدفاع عن الإخوان، وفي نفس الوقت تنسيق موقف الإخوان في انتخابات النقابة. وكان رجائي عطية، المرشح لرئاسة النقابة، قد وعدنا بممارسة الضغط السياسي على الحكومة للإفراج عن النقابيين المحالين للقضاء العسكري، في ذات الوقت الذي كنا نرى فيه الدفع بعدد محدود من الإخوان في انتخابات النقابة، لكنني فوجئت بتراجع رجائي عطية عن فكرة الضغط على النظام مكتفيا باستعداده للدفاع عنهم، في ذات الوقت الذي قررت فيه الجماعة المشاركة بكثافة، فقررت عدم دعم رجائي عطية في الانتخابات، ولم يرضِ هذا المستشار الهضيبي الذي كان يدعم المقربين من النظام ودوائر صنع القرار، وكان يقول إننا في يوم ما سنجلس مع مبارك أو ابنه جمال وندير حوار الجماعة معهما، لذا علينا التواصل مع المقربين منهما، لكني تمسكت بموقفي فعزلوني من رئاسة اللجنة، رغم مخالفته مبدأ الشورى.
وحينما تحدثت مع المرشد مأمون الهضيبي قال لي: «اللائحة تلزم الأعضاء ولا تلزم القيادة»، واستاء الدكتور بديع وبقية الإخوة من الموقف وأيدوني، ووضع بديع خطة مع مختار نوح سموها «تصدير القلق للحكومة» وطلبوا مني إرسالها لمكتب المرشد، وتضمنت أجزاء كثيرة، من بينها تشكيل جبهة من النشطاء الحقوقيين والقانونيين والصحفيين المتميزين للدفاع عنهم لخلق حالة من الرأي العام معهم. ووقف بجواري صحفيون يصنفهم الإخوان الآن أعداءهم، لكن يبدو أن السلطة مفسدة وتمحو الذاكرة.
• ولكن على حد علمي أن الجماعة أحالتك إلى التحقيق؟
نعم أحالونى للتحقيق بدعوى الوقوف ضدهم في انتخابات نقابة المحامين، وهذا افتراء لأنهم يعرفون أنني لم أفعل، بالإضافة لعلاقتي بمجموعة حزب الوسط ودكتور سليم العوا، ورغم حفظ التحقيق، فإنهم لم يتوقفوا، فأعلنت انفصالي عنهم، لكنهم استدعوني بعدها بشهر، وأخبروني بأن الجماعة فصلتني، فتعجبت، لأنني تركتهم منذ شهر، لكن يبدو أن الجماعة لا تترك حتى قرار تركها لأعضائها، وأخبرني بعدها دكتور أبو الفتوح بأن المرشد العام للجماعة يريد لقائي بمنزله، فذهبت ولم يكن لقاء وديا فتحدث عن مخالفتي قوانين الجماعة، فقلت له إن نفس المنطق يتبعه النظام مع من يخالفونه وإنهم كجماعة مخالفون للقانون، فأنهى اللقاء، وأؤكد لك أن أسلوب اتخاذ القرار واحد في الجماعة مهما كانت القضية.
• هناك من يرى من المحللين والمتخصصين في شؤون الحركات الإسلامية أن جماعة الإخوان خلعت الرداء الدعوي بسبب انتماء القيادات الحالية فكريا لما يعرف بـ«القطبيين» نسبة إلى الدكتور سيد قطب؟
إلى حد ما هم محقون في ذلك، إذ إن المرشد الحالي محمد بديع، ونائبه خيرت الشاطر، ورشاد البيومي، ومحمود غزلان، ومحمد مرسي، ينتمون لمجموعة سيد قطب الذي اقتحم الجماعة في منتصف القرن الماضي ونطلق عليهم في الجماعة «المجموعة القطبية»، وهم ليسوا من الإخوان المسلمين. وحينما اتهم بديع والبيومي في قضية عام 1965 وسجنا عشر سنوات، خرجا وقت أن كان عمر التلمساني هو المرشد العام، وكان يحذر من هذه المجموعة، وكان يقول «هم ليسوا من الإخوان»، ويشهد على هذا الدكتور يوسف القرضاوي، وبدأ الصراع الخفي بين تلاميذ التلمساني والمجموعة القطبية قبيل عام 2004، فكانت المؤشرات تشير لانتخاب محمد حبيب، مرشدا عاما، لكن الشاطر ومجموعته نجحوا في تحريك بعض الأصوات لصالح عاكف الذي منح حبيب منصب النائب الأول بحكم العرف، واختار خيرت الشاطر نائبا ثانيا كنوع من رد الجميل، وخيرت يجيد حبك المؤامرات تنظيميا، وحينما تفرغ عبدالمنعم أبو الفتوح وتلاميذ التلمساني للعمل العام في النقابات والعمل الإغاثي، لم ينتبهوا للتنظيم الذي سيطر عليه محمود عزت وخيرت الشاطر، اللذان قاما بتعيين مسؤولي مناطق يدينون بالولاء لهما دون أن يشعر بأحد وبالتدريج، وحينما استقال عاكف لم يفكر الشاطر في الترشح لأنه لا يحب العمل المفتوح بل السري، وهو يدرك قدراته جيدا.
• إلهذا يقال إن خيرت الشاطر كان هو الحاكم الفعلي لمصر وليس محمد مرسي؟
إحتمال وارد، أنا أعرف خيرت الشاطر منذ التسعينات وشاهدته في مواقف كثيرة وأدركت غلظة قلبه، حتى إن حسن مالك حينما اختلف معه أثناء السجن، طلب نقله لزنزانة أخرى بعيدا عن الشاطر، ولو خلق الله الديكتاتورية في صورة رجل، لكان خيرت الشاطر.
• كيف تبلورت فكرة ترشح تقديم مرشح لها في انتخابات الرئاسة في أعقاب 25 يناير على الرغم من إعلانهم المسبق بعدم الترشح على هذا المنصب؟
قبل خلع مبارك بفترة وجيزة التقى الدكتور سعد الكتاتني مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، واتفقا على أمور كثيرة، منها أشياء ظهرت وأخرى خافية حتى الآن، وخرج الكتاتني من الاجتماع، وقال عن عمر سليمان إنه شخصية وطنية يمتلك القدرة على إدارة البلاد، وإن الفتنة تقودها أطراف بأجندات خارجية، وعلى المصريين قبول خطة عمر سليمان وتسليم مبارك السلطة في سبتمبر، كما اتفقا على سحب الإخوان من ميدان التحرير، وهو ما رفضه الكثيرون وتسبب في انشقاق عدد كبير عن الجماعة عنها، وبعد خلع مبارك جاءت مسألة التعديل الدستوري واللجنة التي تشكلت، برئاسة طارق البشري المعروف بخلفيته المرتبطة بالإخوان، وعضوية صبحي صالح، الذي لا يوجد له أي تاريخ في الفقه الدستوري.
• هناك عرف سائد في الأوساط السياسية المصرية عن أن جماعة الإخوان تمتلك مهارة خاصة في عقد الصفقات؟
في الغالب الأعم الجماعة تعتمد على قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، والجماعة تستخدم هذا الفقه في غير محله وتحوله لفقه «الغاية تبرر الوسيلة»، فيرفعون شعارا ويمارسون عكسه ولا يعنيهم صورتهم أمام النخب طالما الجماهير تقتنع بأنهم رجال يعرفون الله، والجماعة ترى أن مصلحة مصر هي مصلحتها ويؤمنون بأن الآخرين ليسوا على شيء.
• وماذا عن علاقة الجماعة الآن بالدول التي تدعم التنظيم الدولي للإخوان؟
ولاء الإخوان الدائم للجماعة، ويستخدمون العلاقات مع دول أخرى لتحقيق مصالح الجماعة سواء في الخارج والداخل، فولاء الإخوان لفكرة دولة الخلافة التي يسعون لإقامتها.
• على أى شيء تستند في تحليلك هذا؟
على أمور كثيرة، أولها علاقتي بهم ومعرفتي بأسرار الجماعة وأسلوب تفكيرها، تلك خطة إخوانية كنا نتحدث فيها منذ أن كنت في جماعة الإخوان، كان من بين أهدافنا إقامة دولة الخلافة، وهذه كانت الفكرة التي استقطبت بها الجماعة الأحزاب الدينية الموالية لها الآن، إذ بشرهم بأن دعم مرسي للوصول إلى الرئاسة معناه إقامة دولة الخلافة التي تكون مصر مركز انطلاقها.
• من ضمن الاتهامات الموجهة إلى قيادات الجماعة الآن تهمة التخابر مع دول أجنبية، هل لهذا الأمر علاقة بمشروع الخلافة؟
تهمة التخابر مع دول أجنبية تلاحق الجماعة منذ أيام حكم عبدالناصر، إذ كانت تقوم الجماعة بإجراء اتصالات مع العديد من الدول، وهذا الأمر تم أيضا أيام السادات وكذلك مبارك، وغالبا الجماعة تجري اتصالاتها مع دول تكون علاقتها متوترة مع مصر.
• دائما ما تلوح قيادات الجماعة في رابعة العدوية باستخدام العنف تجاه الجيش والشرطة، هل يمتلك الإخوان القدرة على ذلك؟
الجماعة لديها مليشيات مدربة ولكنها لن تستطيع مواجهة الجيش والشرطة والشعب في نفس الوقت، ولكن أعتقد أن هذه التصريحات محاولة للضغط للوصول إلى موقف تفاوضي مع السلطات.
• كان قادة جماعة الإخوان دائما يتحدثون عن أنهم يمتلكون مشاريع لتنمية مصر، أين تعتقد ذهب هذا الحديث؟
قال ضاحكا: أتذكر حينما كنت في الجماعة كنا نسأل القيادات الكبيرة التي كانت تجلس معنا، ماذا سيحدث لو أصبحنا نحكم مصر؟ وكانت الإجابة أن «الدنيا ستخرب»، لأن الإخوان ليس لديهم كوادر مدربة على إدارة البلاد ووضع خطط تنموية، الجماعة ستدير الدولة بفكر التنظيم، وهذا لا يمكن أن يخلق نهضة، بل سيأتي بالخراب، وهو ما حدث.