الأرامل والمطلقات والمتأخرات عن الزواج

علي حسن التواتي

يبدو أن لهذه المفردات جرس خاص على ألسنة المسؤولين في عدد من الوزارات ذات العلاقة. فهناك من يريد حصر أعداد النساء من هذه الفئة من المواطنات لـ(يستوعبهن) إلى جانب المعوقين في مشاريع الإسكان التي نسمع طحنها ولا نرى لها طحينا، وهناك من يريد تحويلهن إلى سيدات أعمال وتحميلهن المخاطرة التجارية بقروض ميسرة للمشاريع الصغيرة، وهناك من يتحدث عن إعانات تدفع لهن، بل إن هناك من يدعو لتزويجهن من رجال متزوجين للستر عليهن وتوفير مؤونتهن.
حسنا، يمكن أن نقدم حسن النية من خلال ما نقرأ ونسمع بأن هناك توجها للتعامل مع الجانب الاقتصادي من قضية اجتماعية شائكة تعرضت لإهمال كبير وصل حد الإنكار من الجميع، وكل ما قدم للتعامل معها حتى الآن مجرد كلام لا مردود من ورائه.
فالحقائق تقول ــ نقلا عن نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة نورة العجلان ــ بأنه حتى هذه اللحظة لا يوجد حصر شامل لعدد المطلقات، وأن التعداد السكاني الماضي لم يظهر نتائج عدد المطلقات، وأن المرأة السعودية المعيلة عددها كبير في المملكة، وفي التعدادات السابقة في عام 1425هـ كان عدد المطلقات بلغ 80 ألف مطلقة في مقابل 28 ألف رجل مطلق، ونسبة المطلقات للرجال المطلقين هي 74%، والبنك العقاري قدر نسبة المعيلات من المطلقات بـ 20%. أما المتأخرات عن الزواج اللاتي يحلو للبعض وصفهن بالعنس، فقد ورد في العدد 3742 من «عكاظ» في 15 سبتمبر 2011 بأن نتائج أحدث المسوح السكانية في المملكة أظهرت أن فتاة من بين كل 16 سعودية تعد عانسا، وأفادت النتائج أيضا أن نسبة المطلقات في المجتمع السعودي بلغت 2.4 في المائة، والأرامل 5.4 في المائة. وصنفت هذه النتائج ــ بحسب «عكاظ» ــ على اعتبار أن العوانس هن اللواتي بلغن من العمر أكثر من 30 عاما دون أن يتزوجن؛ لأن احتمالات الزواج بعد هذه السن تصبح ضعيفة، وقدر المسح عدد العوانس في المملكة بما يزيد على 200 ألف فتاة.
ومن الحقائق التي يعرفها الجميع أيضا في التعامل مع هذه الفئة من المواطنين ــ بحسب ما نشرته الوطن يوم 12/6/2013 ــ حقيقة أن مجلس الشورى حجب جلسته المخصصة لمناقشة بعض التقارير الحكومية التي تشمل هذه الفئة من المواطنين عن الإعلاميين ومنعهم من الحضور بعد أن كان قد وجه الدعوة لهم لحضور اجتماع لجنة حقوق الإنسان مع بعض أصحاب التظلمات ومقدمي العرائض، ومنهم أرامل ومطلقات، ومعلمات بديلات، وذوو احتياجات خاصة، ومشتكون من غلاء الأسعار، وذلك استنادا للمادة 26 من نظام المجلس ولوائحه، والتي تنص على أن اجتماعات اللجان غير علنية ليضطر من دعاهم وهو مساعد رئيس الشورى لتقديم واجب الاعتذار لهم، لكونه هو من وجه الدعوات.
وهكذا نجد أنفسنا ــ كمجتمع وأصحاب قضية من هذه الفئة من المواطنات والمواطنين ــ في موقف من ضاع له دم بين القبائل، فلا يعرف غرماؤه ولا هم من العدل والشجاعة أن ينصفوه من أنفسهم ويودوه.
هل قلت في عبارتي السابقة المواطنات والمواطنين؟، نعم لقد قلتها، وما هي بزلة لسان أو خطأ مطبعي، فالمواطن المطلق ومن فقد رفيقة دربه يحتاج أيضا للمساندة المادية والمعنوية والعلاج النفسي في كافة الأحوال.
وبنظرة سريعة للحلول الاقتصادية المطروحة من الجهات المختلفة لأحوال هذه الفئة من النساء والتي استعرضت بعضها في مقدمة المقالة، نرى مدى التضارب والتخبط في التعامل معهن. وهذه طبيعة الحلول الفردية التي تفتقر للشمولية، فبعضها يناقض بعضها، وبعضها ينفي بعضها.
ولذلك أود توجيه عناية كل من لهم علاقة بالملف الاقتصادي لهذه الفئة من المواطنين إلى أن المدخل الحالي في التعامل معها لن يقود إلى نتيجة ولن يحل مشكلة، ولا بد من تعديله باللجوء إلى مدخل شمولي يبدأ على المستوى التشريعي بتحديد الحقوق والواجبات والاستحقاقات والشروط والاستثناءات لكافة التقديمات والمنح والإعانات والقروض، وعلى المستوى التنفيذي بتحديد جهة واحدة تجمع كافة الاختصاصات ومصادر التمويل بما فيها الأوقاف المخصصة والمنح والهدايا والأعطيات؛ حتى يمكن بناء قاعدة بيانات واضحة ومناسبة للدراسات والمسوح الاجتماعية والإحصاءات وما يتبعها من تعديل وتطوير، إضافة إلى الجانب الخاص بالتوظيف والإسكان المؤقت والدائم والصرف والمتابعة لكافة الحالات المشمولة بالنظام.

@alitawati