المـرأة .. ومبدأ المواطنة

حسن النعمي

الانتماء شرط للوجود البشري، وبسبب هذا الانتماء دخل الإنسان في صراع مع نفسه ومع العالم. ولم يكن الأمر دائما في مسار هادئ ، إذ اصطرعت الأمم على خلفيات دينية أو عرقية. وحدها الحضارات المنفتحة نجحت في اعتبار الانتماء ميزة تتكامل بها مع غيرها من الانتماءات. في الدولة الحديثة نشأت فكرة المواطنة لتكون بديلا عن الانتماءات العرقية أو الدينية أو القبلية أو الثقافية، وهي مبدأ يعمد لترسيخ مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، والتفاضل يأتي على قدر الإسهام في بناء الوطن. لكن التجارب الواقعية في كثير من الدول جاءت عكس مفهوم المواطنة من حيث هي استحقاق يفترض العدل في الفرص، والعدل في القانون، والعدل في منح الحقوق وأخذ الواجبات.
فماذا عن مبدأ المواطنة في مجتمعنا؟ من أسس نشأة مجتمعنا وحدة الجغرافيا لأجزاء مهمة من الجزيرة العربية، وعليه تأسيس مجتمع بهوية ومواطنة ذات أفق إنساني يتجاوز فكرة الانتماء القبلي أو المذهبي إلى فكرة اندماجية تسعى للتعاضد، وتسعى للوصول للعالم عبر هذا الكيان الجديد. ومن حيث المبدأ تتأسس هذه المواطنة على فرضية المساواة في الحقوق والواجبات التي من شأنها أن تجعل المواطن ينصرف للتعلم والإنتاج بدلا من توازنات الانتماء التي اعتاد عليها.
المواطنة في الدولة الحديثة ليست خيارا، أو بديلا، بل هي جوهر الدولة الحديثة، وأساس نجاح الحياة المدنية بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية. ولأن المواطنة تمس الرجال والنساء سواء في نيل الحقوق أو أداء الواجبات، فإن النظام يجب أن يعزز هذه المساواة حتى لا يختل التوازن بين الطرفين.
السؤال هل الأخذ بالمواطنة أنجز مشروعه، أم مازال الأمر يراوح في مكانه؟ للأسف ماتزال الروح القبلية تنازع الروح الوطنية، في مسألة الإحساس بنوال الحقوق. فمن زاوية الحقوق المبذولة للرجل والمرأة هناك تفاوت صارخ بين ما يحظى به الرجل وما تحظى به المرأة. وهذه الحظوة خارج إطار مبدأ المواطنة، والاحتكام في ذلك لمبدأ محفزات القبيلة التي تعطي الرجل وتمكنه من وضع يد عليا على المرأة. فإذا كان مبدأ المواطنة يضمن تساوي الحقوق في العمل، والتنقل، والسكنى، فإن العرف يغلب على الحقوق القانونية.
وفي حالات العنف ضد المرأة من قبل الأهل يأتي التجاوب معها وفق معيار الأهل أولى بإصلاحها. في حالات كثيرة تعاد لولي أمرها مع أنها عانت من العنف الأسري. هنا لا تنصفها الإجراءات القانونية ويعطى الحق لوليها دون اعتبار لمشكلتها التي يكون الولي طرفا أصيلا فيها.
ورغم اختلاف الفقهاء في مسألة جواز سفرها مع رفقة آمنة، فإن القانون لم يجتهد في البحث عن صيغ تمكن المرأة من ممارسة حقها بوصفها مواطنة في السفر لحاجة عملية أو علمية، أو غيرها من حاجات الإنسان الضرورية. فالقوانين لم تجتهد في إعطائها هذا الحق أسوة بالرجل.
التكييف القانوني لحقوق المرأة متأخر جدا، بل تعيش المرأة غالبا دون سند قانوني فيما يتعلق بطريقة زواجها، أو حضانة أبنائها أو حقها في الطلاق إن استحالت العشرة. ففي ظروف مختلفة تمنع المرأة أحيانا من الزواج بدواعي العضل والحجر المحرمة شرعا، لكن القانون يقف قاصرا في مواكبته للشرع. وعليه، فضرورة تفعيل القانون مهمة في هذا السياق لأن الله يزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن. لأن السلطان، يمكن أن يكون القانون التنفيذي، يمنع ويردع ضعاف النفوس أكثر مما تمنعهم زواجر القرآن ونواهيه.
وعند التنازع في الطلاق تعاني المرأة في الحصول على حقها في الطلاق لنفوذ الرجل على المرأة، ومماطلته في الوفاء بحق المرأة في الطلاق عندما تستحيل العشرة. ففي ظل غياب مدونة الأحوال الشخصية تتباين الأحكام في القضايا المتشابهة، وتضيع آليات تنفيذ الأحكام أو تتأخر مما يضر بالمرأة. ويضر بالأطفال الذين قد لا يلزمه القانون في إثبات نسب أو تسجيل في بطاقة الأحوال. فكثير من النساء والأطفال ضاعت حقوقهم القانونية في ظل عدم الخضوع للمساواة الحقوقية ضمن مبدأ المواطنة بمعناها القانوني وليس الاجتماعي..
هناك خطوات اتخذت، مثل إصدار بطاقة أحوال للمرأة، لكنها ماتزال أقل مما تحتاجه المرأة لتبلغ كامل أهليتها القانونية بوصفها مواطنا كامل الحقوق المدنية.