سحب طلب الإفلاس الذي تقدمت به مدينة ديترويت

محمد المداح (واشنطن)

طلبت القاضية روزمارى أكويلينا من ولاية ميتشيغان من سلطات مدينة ديترويت سحب طلب الإفلاس الذي تقدمت به المدينة، واعتبرت القاضية أن الطلب ينتهك قوانين الولاية والدستور الأمريكى لأنه يهدد المعاشات للعاملين بالولاية، لكن المحامي العام للولاية استأنف القرار على الفور.
وفي وقت سابق قال الحاكم ريك سنايدر إن التقدم بطلب لإشهار الإفلاس سيلغى آثار عقود من الفساد، وكانت مدينة ديترويت الأميركية التابعة لولاية ميشيغان قد تقدمت بطلب إشهار إفلاسها، لتصبح أكبر مدينة في تاريخ الولايات المتحدة تتقدم بهذا الطلب إلى المحكمة ولتتحول إلى مدينة للأشباح بعد إغلاق العديد من المكاتب والمحال التجارية بها، وفقدان الحركة بشوارعها.
المحامى الأمريكى الدكتور هانى زهدي الذى يزاول مهنته بولاية لوزيانا فى الجنوب الأمريكى قال لـ «عكاظ» أنه لا يجوز إعلان إفلاس جهة أمريكية معينة فيما يتعلق بالمال العام، معتبرا أن طلب القاضية الأمريكية بسحب طلب الإفلاس الذى تقدمت به المدينة لأنه ينتهك قوانين الولاية، هو أمر صحيح وقانوني، ومن المحتمل الكبير أن تأخذ به المحكمة رافضة بذلك طلب الإفلاس المقدم من قبل سلطات المدينة.
وقال زهدي إن علينا أن ننتظر أيضا لنرى ما سوف يسفر عنه قرار المحكمة فى هذه القضية خاصة وأنه من المعروف أنه فى حالة الإفلاس لا يجوز التخلص من الدين العام لأي سبب، خاصة وإذا ما كان هذا السبب هو سوء الاستخدام.
واعتبر الدكتور زهدي أن القضية تتعلق بمستقبل مدينة أمريكية تحتل مكانا مرموقا على خارطة صناعة السيارات فى العالم سوف تتضرر سمعتها الاقتصادية والمالية ضررا بالغا لو تم إعلان إشهار أفلاس المدينة بهذه الصورة، الأمر الذى سوف ينعكس سلبا على مستقبل صناعة السيارات الأمريكية فى السوق العالمى.
فبعدما كانت مدينة ديترويت رمزا لصناعة السيارات الأميركية في مطلع القرن العشرين، باتت أكبر مدينة أميركية تعلن إفلاسها، في آخر المحطات من تاريخ مدينة تحتضر ببطء. فقد بلغ الدين الذي راكمته ديترويت مستوى هائلا يقدر حاليا بـ 18.5مليار دولار، وإزاء هذا المأزق، حذرت البلدية الشهر الماضي من أنها ستضطر إلى التخلف عن سداد قسم من مستحقاتها للعاملين بها، كما وترافق تراجع ديترويت الاقتصادي والمالي مع تقهقر اجتماعي يشهد عليه نزوح سكانها، وقد خسرت نصفهم خلال 60 عاما. وفي المدينة اليوم 78 ألف مبنى متداعيا تعطيها مظهر مدينة مهجورة كما أنه لم يعد هناك في الخدمة سوى ثلث سيارات الإسعاف لغياب الموارد الكافية لصيانتها.
كما ولم يعد بوسع البلدية تأمين الإنارة العامة في الشوارع فيما تستغرق الشرطة 58 دقيقة للوصول حين يتم استدعاؤها مقابل 11 دقيقة على المستوى الوطني.
وأوضح حاكم ولاية ميشيغان ريك سنايدر فى بيان له جاء فيه: «أنني اتخذ هذا القرار الصعب حتى يتمكن سكان ديترويت من الحصول على أبسط الخدمات العامة، وحتى تنطلق ديترويت مجددا على أسس مالية متينة تتيح لها النمو في المستقبل».
وقال إن «هذا هو الخيار الوحيد لمعالجة مشكلة تفاقمت بشكل متواصل في السنوات الستين الأخيرة». وكان ريك سنايدر قد لجأ إلى خبير هو كيفين أور لمحاولة الخروج من المأزق فلخص الخبير أسباب هذه الأزمة بعدد من النقاط منها «سوء الإدارة المالية والتراجع الديموغرافي واضمحلال القاعدة الضريبية خلال السنوات الـ45 الأخيرة».
من جهتها، رحبت غرفة التجارة في ديترويت بإشهار الإفلاس معتبرة أنه «قرار شجاع». وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض أيمي برونداج ردا أن الرئيس باراك أوباما وأعضاء فريقه المقرب «يواصلون مراقبة الوضع في ديترويت عن كثب». وتابعت في بيان لها «أننا ملتزمون بمواصلة شراكتنا المتينة مع ديترويت فيما تعمل على النهوض مجددا وتحريك أوضاعها والحفاظ على مكانتها في طليعة المدن الأميركية».
وسيترتب على أحد القضاة أن يبت في القضية ويعلن ما إذا كان بوسع ديترويت أن تحظى بحماية قانون الإفلاس الذي يتيح لها إعادة التفاوض في دينها، لكن وبمعزل عن النواحي القانونية والمالية البحتة في هذه القضية، فإن إفلاس ديترويت يعكس انهيار قطاع صناعة السيارات الذي يشكل جزءا كبيرا وأساسيا من الصناعة الأميركية عرف ذروة ازدهاره في مطلع القرن الماضي، والمدينة هي مهد شركات السيارات الثلاث الكبرى فورد وكرايسلر وجنرال موتورز وقد ارتبط مصيرها بمصير السيارات إلى حد أنها ألهمت حتى فرقا موسيقية مثل فرقة الروك «ام سي 5» وهي الأحرف الأولى لـ «موتور سيتي 5» (مدينة السيارات) وشركة إنتاج الموسيقى الشهيرة «موتاون» تصغيرا لـ «موتور تاون».