أسئلة النهضة
الأحد / 11 / شوال / 1434 هـ الاحد 18 أغسطس 2013 19:28
حسن النعمي
في مطلع عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر طرح أصحاب الرأي حينذاك سؤالا جوهريا: لماذا تقدم غيرنا، وتخلفنا؟ جاء هذا السؤال على خلفية الصدمة الحضارية التي واجهها العرب عند اكتشاف حقيقة التخلف أمام التقدم العلمي والتقني والمدني للمجتمعات الحديثة في أوروبا. وصاحب هذا الاكتشاف الاعتداد الديني والقومي بالشخصية العربية المسلمة التي تستند على تراث وحضارة الإسلام، سواء في جانبها الديني أو في جانبها الحضاري، وخاصة في الحواضر الإسلامية الكبرى بغداد والقاهرة وبلاد الأندلس.
وللتاريخ فقد حاول العرب الإجابة على هذا السؤال من خلال المقاربة الفعلية وليس التنظير المعرفي، فأرسلوا بعوث الدارسين لأوروبا وأقاموا مدارس ومعاهد على الطراز الأوروبي لتعليم المعارف الحديثة التي رأوا أنها السبب في نهضة أوروبا. ولعل الدور الذي لعبه محمد علي باشا في مصر أسهم في تعزيز هذه الرؤية المدنية للحياة التي سعت إليها مصر بوصفها رائدة التنوير في العالم العربي.
في تلك الحقبة المبكرة ظهر تياران يتنازعان استشراف المستقبل، تيار يرى أن التراث هو المنطلق ولا حاجة للأخذ عن أوروبا، والآخر يرى ضرورة مواكبة العالم والأخذ بأسباب المدنية الحديثة كما يقدمها العالم. ورغم أن الصراع كان فكريا، فإن ذلك لم يصل إلى جر العامة في سياقه، ورغم اختلاف الآراء، فقد كانت هناك أرضية خصبة للتلاقي. ولعل إنشاء مطابع بولاق بمصر في 1822م كانت تجربة ثرية على المستوى الرمزي والمهني كذلك. فقد مثلت نقطة تلاق حتمية بين تيارين مختلفين. التيار المنكر للحداثة الغربية، والتيار المندفع نحو مواكبة العصر. لقد استطاع التيار المحافظ طباعة ذخائر الفكر العربي والإسلامي التي ما كان يمكن أن ترى النور وتصل إلى الناس لولا وجود المطبعة رمز الحداثة الغربية. غير أن الأمر لم يبق على هذه الصورة مع تقدم الزمن، فقد تجسدت مشكلة الصراع في غياب الحوار والإيمان بتعايش الأفكار. فظهرت نزعة التخوين، وألصقت تهمة التخلف بالتيار المحافظ، مع أن الأمر لا يعدو كونه منظورا مختلفا للحياة. وفي المقابل اتهم تيار الحداثة بالتنكر للتراث.
هذه الخلفية التاريخية هي التي تحكم المجتمعات العربية اليوم، الخلاف بدلا من الاختلاف، سوء النية مقدم على حسنها، وصراع لا يعرف للتلاقي سبيلا. وفي الوقت الذي لا أحد ينكر ضرورة التقدم، لكن لا أحد يريد أن ينظر لما لدى الآخر من مفاهيم ومنظورات تتعاضد من أجل نهضة أمة، وليس مجرد شأن خاص.
في سياق مثل هذا تتصارع النخب الفكرية، وتستغلها السياسة لمكاسب ظرفية، وفي النهاية تعجز عن تحقيق أي شيء. يتقدم غيرنا ونزداد تخلفا. فبعد قرنين من تاريخ النهضة العربية. وبعد السؤال الحضاري الكبير، لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا؟ جاء السؤال في أواخر الألفية الثانية لماذا تأخرنا بعد أن تقدمنا؟ والتقدم هنا يقاس على ما كانت عليه أوضاع النخب وخاصة في مصر رائدة التنوير حتى منتصف القرن العشرين. أسباب التراجع جاءت نتيجة لعوامل مختلفة منها الخارجي ومنها الداخلي. فقوى الاستعمار التي تكالبت على الأوطان العربية، واحتلال فلسطين، وصعود أنظمة العسكر والحكم العشائري في البلدان العربية، حيدت النخب التي عاشت في عزلة حتى أصبح خطابها فوقيا لا علاقة له بالواقع.
في المقابل كانت النخب السياسية في الأوطان العربية تتعالى على واقعها، وتتفاضل على مواطنيها، وتجردهم من حقوقهم الأساسية، فكانت النتيجة انحسار المواطن العربي بين خوفه على نفسه وولده، وسعيه من أجل لقمة عيشه. هذا هو الذي أوصل المجتمعات العربية إلى حالة من الخوف، إلى حالة من عدم المبالاة، إلى حالة من الإحساس بفقدان الكرامة. وفي حالات مثل هذه، وفي حالة الشعور بالهزيمة والاقصاء، الشعور بالمهانة وضياع الكرامة، لا يمكن أن نتوقع نهضة أمة مهما كانت عقول أهلها. فالكرامة الإنسانية التي نص عليها الله سبحانه وتعالى لا بد أن تحضر أولا ثم ننشد النهضة ثانيا. ومبادئ الكرامة تكمن في حرية تسع المبدع أن يبدع، والمخترع أن يخترع، والمصلح أن يقول، والمفكر أن يفكر دون تكفير، والطالب أن يسأل دون رهبة. هذه مبادئ الكرامة التي كانت في يوم ما في حواضرنا العربية يوم كان مجد الإسلام يشع على أوروبا، أما وقد غابت كرامة الإنسان العربي فلا أمل في نهضة من أي نوع إلا بعودتها!
وللتاريخ فقد حاول العرب الإجابة على هذا السؤال من خلال المقاربة الفعلية وليس التنظير المعرفي، فأرسلوا بعوث الدارسين لأوروبا وأقاموا مدارس ومعاهد على الطراز الأوروبي لتعليم المعارف الحديثة التي رأوا أنها السبب في نهضة أوروبا. ولعل الدور الذي لعبه محمد علي باشا في مصر أسهم في تعزيز هذه الرؤية المدنية للحياة التي سعت إليها مصر بوصفها رائدة التنوير في العالم العربي.
في تلك الحقبة المبكرة ظهر تياران يتنازعان استشراف المستقبل، تيار يرى أن التراث هو المنطلق ولا حاجة للأخذ عن أوروبا، والآخر يرى ضرورة مواكبة العالم والأخذ بأسباب المدنية الحديثة كما يقدمها العالم. ورغم أن الصراع كان فكريا، فإن ذلك لم يصل إلى جر العامة في سياقه، ورغم اختلاف الآراء، فقد كانت هناك أرضية خصبة للتلاقي. ولعل إنشاء مطابع بولاق بمصر في 1822م كانت تجربة ثرية على المستوى الرمزي والمهني كذلك. فقد مثلت نقطة تلاق حتمية بين تيارين مختلفين. التيار المنكر للحداثة الغربية، والتيار المندفع نحو مواكبة العصر. لقد استطاع التيار المحافظ طباعة ذخائر الفكر العربي والإسلامي التي ما كان يمكن أن ترى النور وتصل إلى الناس لولا وجود المطبعة رمز الحداثة الغربية. غير أن الأمر لم يبق على هذه الصورة مع تقدم الزمن، فقد تجسدت مشكلة الصراع في غياب الحوار والإيمان بتعايش الأفكار. فظهرت نزعة التخوين، وألصقت تهمة التخلف بالتيار المحافظ، مع أن الأمر لا يعدو كونه منظورا مختلفا للحياة. وفي المقابل اتهم تيار الحداثة بالتنكر للتراث.
هذه الخلفية التاريخية هي التي تحكم المجتمعات العربية اليوم، الخلاف بدلا من الاختلاف، سوء النية مقدم على حسنها، وصراع لا يعرف للتلاقي سبيلا. وفي الوقت الذي لا أحد ينكر ضرورة التقدم، لكن لا أحد يريد أن ينظر لما لدى الآخر من مفاهيم ومنظورات تتعاضد من أجل نهضة أمة، وليس مجرد شأن خاص.
في سياق مثل هذا تتصارع النخب الفكرية، وتستغلها السياسة لمكاسب ظرفية، وفي النهاية تعجز عن تحقيق أي شيء. يتقدم غيرنا ونزداد تخلفا. فبعد قرنين من تاريخ النهضة العربية. وبعد السؤال الحضاري الكبير، لماذا تقدم غيرنا وتأخرنا؟ جاء السؤال في أواخر الألفية الثانية لماذا تأخرنا بعد أن تقدمنا؟ والتقدم هنا يقاس على ما كانت عليه أوضاع النخب وخاصة في مصر رائدة التنوير حتى منتصف القرن العشرين. أسباب التراجع جاءت نتيجة لعوامل مختلفة منها الخارجي ومنها الداخلي. فقوى الاستعمار التي تكالبت على الأوطان العربية، واحتلال فلسطين، وصعود أنظمة العسكر والحكم العشائري في البلدان العربية، حيدت النخب التي عاشت في عزلة حتى أصبح خطابها فوقيا لا علاقة له بالواقع.
في المقابل كانت النخب السياسية في الأوطان العربية تتعالى على واقعها، وتتفاضل على مواطنيها، وتجردهم من حقوقهم الأساسية، فكانت النتيجة انحسار المواطن العربي بين خوفه على نفسه وولده، وسعيه من أجل لقمة عيشه. هذا هو الذي أوصل المجتمعات العربية إلى حالة من الخوف، إلى حالة من عدم المبالاة، إلى حالة من الإحساس بفقدان الكرامة. وفي حالات مثل هذه، وفي حالة الشعور بالهزيمة والاقصاء، الشعور بالمهانة وضياع الكرامة، لا يمكن أن نتوقع نهضة أمة مهما كانت عقول أهلها. فالكرامة الإنسانية التي نص عليها الله سبحانه وتعالى لا بد أن تحضر أولا ثم ننشد النهضة ثانيا. ومبادئ الكرامة تكمن في حرية تسع المبدع أن يبدع، والمخترع أن يخترع، والمصلح أن يقول، والمفكر أن يفكر دون تكفير، والطالب أن يسأل دون رهبة. هذه مبادئ الكرامة التي كانت في يوم ما في حواضرنا العربية يوم كان مجد الإسلام يشع على أوروبا، أما وقد غابت كرامة الإنسان العربي فلا أمل في نهضة من أي نوع إلا بعودتها!