التكنولوجيا والإرهاب!

محمد مفتي

نعيش اليوم طفرة تكنولوجية فريدة من نوعها لم نعهدها من قبل خلال العقود القريبة المنصرمة، وقد تسارعت بشكل ساهم كثيرا في تغيير نمط حياة إنسان القرن الواحد والعشرين، ولعل برامج التواصل الخاصة بالهواتف الذكية كفايبر وواتس أب وتانجو وغيرها تعد بمثابة واحدة من أهم هذه الطفرات التي أثرت على مختلف جوانب الحياة، لدرجة مكنت الهواتف الذكية لأن تكون جزءا أصيلا لا يتجزأ من الحياة اليومية. وبخلاف استخداماتنا الاجتماعية والتعليمية لهذه التطبيقات فقد باتت هي نفسها جزءا من الحياة الاقتصادية التي تدار من خلالها الكثير من الصفقات التجارية لكل من التاجر والمستهلك.
غير أن الأمر لا يكاد يخلو من جانب آخر مختلف تماما عن ذلك الجانب المشرق، وهو الجانب المتعلق بالأمن الوطني، وقضية الأمن الوطني ليست قضية فوقية تتعلق فقط بالجهات السيادية في المجتمع وبجهاز الدولة وحده، بل هي قضية شعبية في المقام الأول والأخير، فالأمن الوطني هو أمن الشعب، وأجهزة الأمن وأفراد المجتمع هم وجهان لعملة واحدة هي الوطن، وحتى ندرك أهمية الجانب الأمني يمكننا إلقاء نظرات عجلى على محيط الدول من حولنا، لا نريد أن نصبح عراقا آخر، ولا نتمنى أن نكون سوريا أخرى، ولا نريد تلك الديموقراطية الزائفة التي تتشدق بها بعض دول الجوار. لا نريد للفتن أن تمزقنا ولا نبغي أن يتغلغل في مجتمعنا الإرهاب، فزعزعة الدول المستقرة المتماسكة هدف يحلو للبعض استهدافه.
إن شبكات الإرهاب والتطرف تتسلح بكل ثمرات التكنولوجيا وتتلقف كل المخترعات الحديثة التي تساعدها في تحقيق أهدافها، وتعد البرامج سابقة الذكر واحدة من أهم الأسلحة الحديثة التي تتسلح بها تلك الشبكات، وهى تستخدمها بطرق ووسائل مختلفة، فقد تستخدمها كنوع من الرسائل التحريضية وقد تستخدمها على صورة رسائل مشفرة بين أعضائها، وهى تجيد استخدامها بطلاقة واحتراف باعتبارها سلاحا يصعب تقفي أثره وقوة يتعذر محاربتها، كما أنها وسيلة لها من الجاذبية وسهولة الانتشار ما يمنحها قوة إضافية ويجعلها أحد أنجع الوسائل في نشر الأفكار الإرهابية وبث الأيديولوجيات المتطرفة.
هذان هما الوجهان المحتملان لتطبيقات الهواتف الذكية؛ وجه ناصع ومشرق والآخر كآبي ومعتم، ولعلنا لسنا بحاجة لتفصيل القول إن المتطرفين لن يعجزهم إيقاف تلك البرامج أو حجب بعض مواقع التواصل الاجتماعي، فالإرهاب كان وسيظل موجودا داخل العقول المتحجرة ساكنا الأفكار الضالة، وهو سيسعى كما عهدناه لتغيير جلده والتكيف مع المتغيرات الجديدة والأحداث الطارئة ليتمكن من البقاء، ونحن بدورنا لا نريد أن تدفعنا حفنة من المخربين للعودة لعصور ما قبل التكنولوجيا الحديثة وتمنعنا من ممارسة حياتنا اليومية على نحو إيجابي، ولا يعقل أن يستمر العالم بالتقدم نحو الأمام بينما نترنح نحن للعودة إلى الخلف.
إن قافلة التنمية قد بدأت سيرها وعجلة التقدم اندفعت بثبات، والتصدي للإرهاب لن ينجح إلا بالاستعانة واللجوء للحلول الجوهرية، والحلول الجوهرية هي عملية تعليم وتوعية مستمرة، ممنهجة، مرحلية، في قاعات الدرس وعلى شاشات التليفزيون وفي جميع المنابر، بنشر الوعي الأمني بكل الطرق المباشرة وغير المباشرة، بين كل الطبقات وداخل كل شرائح المجتمع، يجب أن نصنع جدارا وقائيا منيعا لدى كل مواطن يمكنه من التمييز بين الفكر الضال المتطرف وبين الفكر المعتدل الوسطي، جدارا يجعله في حالة تناغم واتساق مع المنظومة الأمنية بالبلد، فلا يعاديها ولا يعتبرها بناء فوقيا، بل يشعر أنها له ومنه وإليه، ويشعر أن المجتمع والسلطة مكملان لبعضهما البعض.
تقول الحكمة إن الوقاية خير من العلاج، لا نريد أن نستثمر جهودنا فقط في العلاج ونغفل جانب الوقاية يجب أن نبدأ من الداخل، من العمق، من الجذور، لنجني مخرجات طبيعية وتلقائية وإيجابية، لا تدفعنا للتخلف عن ركب الحضارة، عندها سيتحول كل فرد من أفراد المجتمع لرجل أمن ويشعر أنه جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية لهذا الوطن. وتدريجيا ستبدأ موجات التطرف في الانحسار رويدا رويدا، ويعود المجتمع لطبيعته قويا ومسلحا بالأفكار البناءة المضيئة، شاقا طريقه باعتداد وثقة بين بقية دول العالم جميعها.