ذكرى رحيـل عميـد الأدب العربي

محمد بن عبدالرزاق القشعمي

تستعد مكتبة الإسكندرية للاحتفال بذكرى مرور أربعين عاما على رحيل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يوم 28 أكتوبر القادم، وسيقام الاحتفال في بيت السناري الثقافي بالقاهرة، وسيشارك في الاحتفال عدد كبير من المفكرين والباحثين العرب والأجانب، وسيلقى الضوء على تراث طه حسين ودوره في دعم خطاب العقلانية والتنوير في مصر والعالم العربي.
وسيعرض في الاحتفال كتاب جديد لعميد الأدب العربي لم ينشر من قبل حول البيان في القرآن الكريم، إلى جانب عرض مجموعة نادرة من الأوراق الشخصية الخاصة به، بالإضافة للمراسلات التي جرت بينه وبين عدد من المفكرين، وسيقام بالمناسبة معرض لصوره ومؤلفاته.
وقد قدمت حفيدته السيدة مها عون لمكتبة الاسكندرية مجموعة من وثائقه لم يكشف عنها من قبل.
والمعروف أن طه حسين ولد في 15 نوفمبر 1889م، وأصيب بالعمى في الرابعة من عمره، وحفظ القرآن وأجاد تلاوته في مدة قصيرة أذهلت المحيطين به، ودرس في الأزهر، وأصبح من أوائل المنتسبين للجامعة المصرية عند افتتاحها عام 1908م، ودرس بها العلوم العصرية، والحضارة الإسلامية، والتاريخ والجغرافيا، وعددا من اللغات الشرقية كالحبشية والعبرية والسريانية، ونال درجة الدكتوراه بعنوان: (ذكرى أبي العلاء) مما أثار عليه أعضاء البرلمان واتهموه بالمروق والزندقة والخروج على مبادئ الدين الحنيف، إلى جانب محاكمته على كتابه المثير للجدل (في الشعر الجاهلي) لكن القضاء أنصفه، فأوفدته الجامعة المصرية إلى (مونبيليه) بفرنسا لمتابعة التخصص والاستزادة من العلوم والمعرفة، فدرس في جامعاتها مختلف الاتجاهات العلمية في علم الاجتماع والتاريخ اليوناني والروماني والتاريخ الحديث، وحصل منها على دكتوراه ثانية حول (الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون).
وخلال دراسته في مونبلييه تزوج من سوزان بريسو الفرنسية السويسرية التي ساعدته على الاطلاع أكثر فأكثر بالفرنسية واللاتينية، وتمكن من الثقافة الغربية بشكل واسع. تولى مسؤوليات كبيرة منها: عميد كلية الآداب بجامعة فؤاد ثم افتتح جامعة الاسكندرية وأدارها متحديا بذلك آلة الحرب ــ خلال الحرب العالمية الثانية ــ ثم وزيرا للمعارف، ففي حديث له مع سامح كريم قال: «.. عندما توليت وزارة المعارف وناديت بأن التعليم حق لكل مواطن في مصر مثل حقه في الماء والهواء.. لقي هذا الأمر كرها من البعض، وسخرية من البعض الآخر، والاثنان اتفقا على تسميتي وزير الماء والهواء نسبة إلى ما ناديت به في بداية عهدي بالوزارة، ولم أضق بما اتفق عليه القوم.. بل اعتبرته نوعاً من تأكيد ما ناديت به ..» .
وقد ذكر أهم تلاميذه الدكتور مصطفى ناصف: أن أحدهم سأل طه حسين:
ما الحدث أو الموقف الذي أسفت عليه أشد الأسف؟ فأجاب: «يوم أن ألقيت عمامتي في البحر» والكناية هنا واضحة، إذ المقصود مرحلة البدايات في مسيرة طه حسين.. وهي مرحلة مليئة بالتمرد.. وفي إطار هذا التمرد كان رفضه للتراث على نحو مؤقت.
هذا وقد سأله وديع فلسطين: «إنك جمعت نسبة كبيرة من مقالاتك في كتب فلماذا لم تجمع مقالاتك (نظرات في النظرات) التي تنتقد فيها كتاب (النظرات) لمصطفى لطفي المنفلوطي، فكان رده، إنها تمثل (لعب عيال) ولهذا لم أحرص على جمعها».
وقد اختلف معه كثيرون من الأدباء المجايلين له وفي مقدمتهم الدكاترة زكي مبارك الذي اعتذر منه فيما بعد عند وفاة والدته قائلا: «الحمد لله الذي أعزك بوفاتها ولم يذلها بوفاتك» وكان قد سبق أن قال عنه في مقدمة ديوانه (ألحان الخلود): «لوجاع أطفالي لشويت طه حسين وأطعمتهم من لحمه إن جاز أن أقدم إلى أطفالي لحوم الكلاب» .
زار المملكة ورأس اجتماعات اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية بجدة مساء يوم السبت 11/5/1374هـ الموافق 15/1/1955م بمشاركة وفود عربية من المملكة ومصر وسوريا والأردن ولبنان واليمن، وقد رأس وفد المملكة الأستاذ ناصر المنقور.
توفي رحمه الله في ثاني يوم من أيام شهر شوال 1393هـ الموافق 27 أكتوبر 1973م فكتب الشيخ حمد الجاسر افتتاحية مجلة (العرب) يرثيه بقوله: «.. في الوقت الذي تتحدث الإذاعات والصحف عن نيل الدكتور طه حسين جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إذا بالنبأ المفاجئ بوفاته فيحدث في النفوس موجة شديدة من الأسى والحزن، لا لأن طه حسين عميد الأدب العربي، ورئيس مجمع اللغة العربية قد مات بل لأن الأمة العربية فقدت بفقده علما من أعلامها البارزين تبوأ أرفع مكانة وصل إليها أديب عربي في هذا العصر، وشغل دنيا الناس في حياته بماله من آراء وما أضاف إلى الأدب العربي من ثروة فكرية، مما سيشغل الحديث عنه دنيا الناس بعد مماته.. ».
وقال إن آخر زيارة له في بيته في شهر محرم 1392هـ مارس 1372هـ ومعه الأستاذ عبد الله الغنيم ــ وزير التربية والتعليم الكويتي سابقا ــ كان مضاء بالشموع بسبب انقطاع الكهرباء، وقال إنه بسبب انقطاع الكهرباء حرم متعته بسماع القرآن الكريم من الإذاعة في مثل هذا الوقت.