رسالتي إليك

رندا الشيخ

قبل أن أكتب لك هذا المقال، كنت قد انتهيت من آخر تحدثت فيه عن موسم العودة إلى المدارس، والازدحام الخانق في شوارعنا في الليلة التي تسبق أول يوم دراسي، وقد تستمر لأسبوع كامل! وبعد أن انتهيت منه، شعرت بأني لم أجد نفسي فيه! فقد كان جافا، ناقما بل ومتململا! لذا مزقت الورقة وشرعت في كتابة هذه الكلمات التي تقرأها الآن.
ولن أخفي عليك يا قارئي العزيز، أني أميل حين أكتب إلى أن أكون شفافة معك لأقصى حد، وأن أحلق بروحك معي إلى آفاقٍ إنسانية ملأى بالحرية والأمل. فلن تجدني يوما أتملق أحدا أو أجرح في أحد! ولن أكتب فقط لأملأ بعدي الخامس بحزمة من الجمل المرصوفة. فقد عاهدت نفسي على أن أكتب لك حين أشعر بأن لدي شيئا أود إخبارك به ومشاركتك فيه. اسمح لي الآن أن أسألك، هل سبق وحدث أن اختليت بنفسك وجلست تتأمل كل ما يسعدك؟ هل أحصيت ما تملك ويفتقر إليه الآخرون؟ هل تجدد إدراكك يوميا بأنك محظوظ؟ قد تفعل وقد تزدري الأمر، وقد تكون مشغولا كبطل القصة! إليك الحكاية.
يحكى أن هناك شابا من عائلة متوسطة الحال يدعى سراج ويدرس في السنة النهائية من المرحلة الجامعية. كان يسكن عن يمينه جار متغطرس يدعى وليد، وعن يساره آخر لا تفارق البسمة تقاسيم وجهه يدعى كريم. أما سراج المتذمر دوما، فكان مختنقا باهتمام والديه به وبكل تفاصيل حياته، ولم تكن تعجبه قوانين المنزل الصارمة التي تمنع السهر خارج المنزل لما بعد الثانية عشرة ليلا، ولا النادي الصحي المتواضع الذي اشترك فيه ولا السيارة الصغيرة التي ابتاعها له والده بعد تخرجه من الثانوية، وما زال يدفع أقساطها! فقد كان مأخوذا بمراقبة جاره وليد وسياراته الفارهة وبعضلات جسده المنتفخة التي كان يحرص على إبرازها! أما في الوقت المتبقي من يومه فكان ينشغل بالتفكير في جاره كريم الذي يعود إلى منزله وقتما شاء دون أن يسمع صوت والد ينهره أو والدة تلومه على تأخره بقلق! وفي أحد الأيام شاءت الظروف أن يجتمع الثلاثة في حفل زفاف وعلى طاولة واحدة، فدار بينهم حديث مطول كان مفاده: أن كريم شاب يتيم يعمل لأكثر من 12 ساعة ليوفر حياة كريمة له ولأختيه بعد أن توفي والداه في حادث سير اضطره لترك دراسته الجامعية والتفرغ للعمل، لكنه بعد سنوات نجح في الجمع بين عمله والدراسة عن بعد بعد أن جمع مبلغا من المال. أما وليد فقد كان يعاني من فراغ عاطفي كبير بسبب انشغال والده الدائم بتجارته وأمواله، وغياب والدته شبه اليومي عن المنزل بسبب انشغالها إما بالحفلات الاجتماعية أو بالتباهي في الجمعيات الخيرية أو بالتنقل بين مدن العالم!.
أخيرا أقول: لا تزدر أبدا خلوة مع نفسك ولو لدقائق، تعزز فيها قناعاتك الإيجابية بقيمة ما تملك من مزايا لم تتنبه لها مسبقا بسبب اعتيادك عليها أو انشغالك بتحصيل غيرها! وإن حدث وأن بدت سخيفة في عينيك للوهلة الأولى من إدراكها، فثق بأنها قد تعني كل شيء! ليس لك فقط بل للآخرين!


Randa_sheikh@yahoo.com