خطئي الاستراتيجي لم أُطِح بالمجلس وأشكل حكومة عسكرية

قلب الطاولة على المعارضة وكشف عن محاولات اغتياله .. رياض الأسعد لـ «عكاظ» :

خطئي الاستراتيجي لم أُطِح بالمجلس وأشكل حكومة عسكرية

جولة: عبدالله الغضوي

للمرة الأولى، يتحدث للإعلام بهذه الطريقة النارية، وهذا الوضوح، لقد كشف عن معلومات لأول مرة تنشر في الصحافة العربية والعالمية.

فتح العقيد رياض الأسعد «أبو محمد» مؤسس الجيش السوري الحر النار على السياسيين السوريين، معتبرا أنهم شبيحة الثورة، وينامون في الفنادق على حساب الثوار في الداخل.

وكشف عن محاولات جادة لتصفيته، من قبل المجلس وكذلك الائتلاف، دون أن يقدم دلائل، معللا ذلك برفضه إهانة العسكريين على يد السياسيين – كما يقول.

حاورت «عكاظ» رياض الأسعد في مخيم الضباط في أنطاكيا بعد طول انتظار أمام مخيم الضباط، حتى أذنت لنا السلطات التركية بالدخول لمدة محدودة لا تتجاوز الساعة، واتسم الحوار بالمكاشفة والمصارحة لدوره في الثورة، وخلافاته مع المجلس الوطني السوري، معلنا عن ندمه أنه لم يقدم على الإطاحة بالمجلس وتشكيل حكومة عسكرية. وأكد الأسعد أنه أول من شكل نواة المجالس العسكرية في حلب، مشيرا إلى أن استراتيجيته كانت نشر الثورة في كل سوريا، لصعوبة مواجهة قوات النظام.. في حوار الأسعد العديد من المفاجآت من العيار الثقيل.. فإلى التفاصيل:



• هناك حالة استقطاب في تشكيلات الجيش الحر، خصوصا بعد تشكيل هيئة الأركان.. ما هي مشكلتك معهم؟

عندما تم تأسيس هيئة الأركان لم يشاورني أحد في الأمر، كيف يكون ذلك وأنا أول من أسس الجيش السوري الحر؟ حتى أن اسمي لم يكن موجودا على قائمة الترشيحات.. هل من الإنصاف لرياض الأسعد أن يتم تجاهله بهذه الطريقة؟ والأدهى من ذلك أنني عرضت عليهم الانضمام، وأجريت أربعة خيارات لهم في هيئة الأركان ولم يوافقوا على وجودي في الأركان.

• لكنهم يقولون إنك أنت رفضت الدخول إلى الأركان، إلا وفق شروطك؟

هذا ليس صحيحا على الإطلاق، هذا هروب من المواجهة، ما يحصل الآن في الثورة السورية، أن الكل يفعل غير ما يتكلم، وحقيقة كلنا كذابون، أصبح الكذب على لساننا حقيقة، والذي يحصل الآن أن السوريين كلهم يريدون المناصب فقط، وهناك من يستفيد ماليا في ظل هذه الظروف، وبهذه الطريقة انحرف مسار الثورة.

• اختفى نجم رياض الأسعد في الثورة، ويبدو أن هناك مشكلات كثيرة تعترضك سياسيا وعسكريا.. هل لك أن توضح لنا ما هي هذه المشكلات؟

ليست هناك مشكلات مع أحد، فأنا لم أعادِ أحدا وساندت العسكريين والسياسيين معا منذ بداية الثورة، لكن كل ما في الأمر أن هناك الكثير يحسبني على الإسلاميين، علما بأن الإسلاميين أنفسهم حاربوني، ومن بينهم الإخوان المسلمون وغيرهم، ووقفوا ضدي في المجلس الوطني.

• لكن المجلس دعمك ماديا في بداية الثورة.. فلماذا تهاجمه الآن؟

كل ما حصلت عليه من المجلس 100 ألف دولار، كان ذلك في بداية تشكيله وبعد عام أعطوني 100 ألف دولار أخرى، وكلا المبلغين معروف طريقهما إلى الداخل.

المجلس الوطني من أول الثورة وقف ضدي، فأنا أول من شكل المعارضة عندما أعلنت تشكيل الجيش الحر في يونيو (حزيران)، فيما تأسس المجلس الوطني في أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وأنا ضغطت على السياسيين إلى أن تم تشكيله، وحينها هددت الجميع، إذا لم تشكلوا مجلسا سياسيا سأشكل قيادة وحكومة عسكرية، وتم تشكيله بناء على شرعية مني، وكان باستطاعتي آنذاك أن أشكل مجلسا سياسيا يشمل الجميع، خاصة أن المرحلة كانت مرحلة رياض الأسعد. وعرض علي أن أقيم مكتبا سياسيا من قبل الكثير من السياسين والوطنيين في تلك الفترة ولم يكونوا في المجلس وكان باستطاعتي استقطابهم وأنهي المجلس.

• كل هذه العروض.. لماذا كنت ترفضها؟

نعم تلقيت في بداية الثورة عروضا سياسية وعسكرية كبيرة، ومن بينها عرض علي تشكيل تكتل سياسي وعسكري واسع ورفضت، حتى بعد تشكيل المجلس الوطني، وكل هذه العروض كانت من شخصيات كبيرة في الثورة السورية ولها وزنها، وكانت هذه المحاولات لنسف المجلس، إلا أنني بقيت وفيا لهم، حيث كانت تطلعاتي إنجاح الثورة فقط ولم تكن هناك انشقاقات كبيرة.

• هل ترى أن مشكلة الثورة كانت في المعارضة السياسية؟

نعم.. وخصوصا المجلس الوطني.. المجلس مارس التشبيح على الثورة السورية، وقالها برهان غليون حين كان رئيس المجلس «إن المجلس فيه الكثير من الشبيحة»، وكانوا يتقاسمون ما يقدم للثورة السورية، وسعوا إلى إبعاد العسكريين من الساحة، فكلما جاء وفد أوروبي أو عربي يقولون له إن «هؤلاء العسكر لا يفهمون. نحن من يمثل الثورة»، لدرجة أن المجلس الوطني شكل كتائب باسمه في الداخل.. وهناك من حاول تصفيتي من المجلس الوطني والائتلاف، وعمل المجلس على تفريق الضباط عن بعضهم البعض، معتمدين أسلوب «فرق تسد»، كانوا يجتمعون مع العمداء والعقداء على حدة، ويحرضون الضباط على بعضهم الآخر من أجل السيطرة على القرار السياسي، وأيضا حيدوا الضباط.

وفي إحدى المرات جاؤوا إلي في المخيم ورفضت استقبالهم لما لهم من تصرفات مسيئة للثورة، وكان ذلك في عهد برهان غليون.

• لا أحد ينكر دورك في الثورة.. والكل يثق بوطنيتك وعملك وإخلاصك.. إلا أن الكثير من ضباط الأركان يعانون من صعوبة إبرام اتفاق معك أو حتى الحوار.. وأنك متمسك بالقيادة.

أقول لك بكل صراحة «أنا من بنى وأسس الجيش الحر وما بنيته لأعطيه لأحد».. الجيش الحر ماركة «رياض الأسعد».. تصور أن المجلس الوطني في بداياته لم يضع ولا مرة في اجتماعاته آلية إسقاط النظام، إنهم مجموعة من المتسلقين على الثورة السورية.

• ما أكثر المواقف التي أثارتك من خلال التعامل مع المجلس؟

حدث ذلك ذات مرة، عندما قررنا تشكيل المجلس العسكري ذهبنا أنا والعميد مصطفى الشيخ إلى إسطنبول من أجل وحدة الكتائب العسكرية، وتدخل أحد أعضاء المجلس الوطني ورسم الخارطة العسكرية والسياسية ووضع العسكر تحت تصرف المجلس، وأخذ يرسم مستقبل سوريا كأنه أستاذ مدرسة.. عندها لم أتمالك أعصابي وغضبت بشدة وصرخت وسط القاعة «شو عم تعمل إنت؟» ماذا تفعل؟ هل نحن تحت تصرف السياسيين والمجلس؟ ورد بالقول «سوريا ما تحكم إلا بهذه الطريقة».. وغادرت القاعة وتبعني برهان غليون وهيثم المالح وعدت، بعد جولة من المفاوضات والمداخلات من الآخرين، وتم الاتفاق بتوقيع الشيخ وغليون ولم يستمر ذلك 10 أيام، عندما جاؤوا وقالوا «نحن لا نريد في المجلس العسكري إلا رتب العمداء، ولكن نريدك أن تكون مع المجلس»، ورفضت وانتهت قصة المجلس العسكري.

• هل من شيء تندم عليه في هذه الثورة؟

نعم.. هناك ندم كبير على تعاملي مع المجلس.. وللمرة الأولى أقولها «خطئي الإستراتيجي أنني لم أطح بالمجلس وأشكل حكومة عسكرية».

• ما هي مشكلتك مع العميد مصطفى الشيخ؟

مصطفى الشيخ غير موثوق به، فقد جاء إلى معسكر الضباط في تركيا، وهاجم الثورة وقال: «إن الثوار يقتلون المدنيين ويخربون سوريا»، وينتقد سلوكهم ولم يتطرق ولو مرة للنظام، وبعد كل هذا يريد قيادة الجيش الحر.. كيف لي أن أسلم الثورة إلى قيادة مثل هذا الرجل الذي اتهمنا هنا في المخيم بأننا مخربون؟ هذا غير مؤتمن على الثورة، ومع ذلك من أجل توحيد المواقف العسكرية، ترأس المجلس العسكري الأعلى بعد تأسيس المجلس العسكري على يدي.

• هل صحيح أنك تعرضت لمحاولات اغتيال من داخل مخيم الضباط؟

نعم.. حدث ذلك في أكثر من مرة.. أحد الضباط (لا نريد ذكر اسمه) وهو منشق بالقوة على يد الجيش الحر، جلس في المخيم لفترة جيدة واعترف أنه على تواصل مع جميل حسن مدير المخابرات الجوية من أجل اغتيالي، واعترف بذلك لاحقا عندما كشفنا مكالماته مع النظام.. وبعد يومين من كشف المكالمات أحبطت المخابرات التركية محاولة لاغتيالي وفر ضابطان غير معروفين من المخيم، وأغلقت أبواب المخيم وحتى هذه اللحظة مخيم الضباط مخترق من النظام السوري.

• لكنك احتكرت القيادة، ولم تستطع استيعاب المنشقين.

لم أحتكر القيادة، وإنما كان المنشقون يثقون بوطنيتي وقيادتي، وأنجزت ما لم يستطع الآخرين فعله، فأنا من أشعل الثورة العسكرية في حلب التي كانت نائمة في تلك الفترة، كانت غايتي أن أنشر الثورة في كل سوريا، لأنني أدرك أن الانشقاقات لم تكن قادرة على مواجهة النظام، لذا كان لا بد من نشر الثورة لإرباك النظام. وتشتيت جهوده العسكرية.. كنت أشكل كتائب من 10 أشخاص من أجل نشر فكرة التشكيلات العسكرية.

• هل مارست السلطات التركية ضغوطا على رياض الأسعد.. وهي تعمل على السيطرة على الثورة؟

على العكس تماما، تركيا من أكثر الدول دعما للثورة، وهي تريد إنهاء الأزمة السورية بأقرب فرصة، فالمواطن السوري يعيش مكرما على الأرض التركية.

• ما هو عدد الضباط المنشقين في هذا المخيم؟

حوالي 400 ضابط من كافة الرتب العسكرية من ملازم إلى عقيد وعميد.

• هل يعقل أن يعيش الضباط في هذا المخيم بينما تدور معارك طاحنة في الداخل السوري.. ألا تعتقد أن مكانهم هناك وليس هنا؟

هذا صحيح، ولكن عندما يأتي من يقول للائتلاف إن «هؤلاء الضباط لا يفهمون ولا يفيدون للثورة»، وعندما تتصل الأركان وتقول «من يعمل مع الأركان براتب»، وعندما تأتي هيئة حماية المدنيين وتقول «نريد ضباطا يعملون براتب»، وعندما يكون المدني رئيس العسكري، ماذا تنتظر من هذا الضابط؟ هؤلاء عسكريون لا يقبلون الذل في المعاملة.. الضابط السوري ذل وأصبح يباع بـ100 دولار.

دعني أقول لك وأكشف لك ما في صدري، المعاناة التي عانيتها في الثورة لم يعانها أي من الضباط الحاليين، كنت ممنوعا من النوم مع أفراد عائلتي وأغادرهم كل يوم في الساعة الثامنة، لكي أنام بين عناصر المخابرات التركية.. وحتى الآن أعيش تحت رقابة من الاستخبارات التركية بشكل صارم.

• ماذا يريد هؤلاء الضباط حتى يلتحقوا بالثورة؟

نحن ليس لدينا مطالب وشروط، نحن نريد قيمة واحتراما وتقديرا، اتصلت بإحدى الدول وقلت لهم نريد تسليح 400 ضابط بشكل عالٍ وتقني وأتعهد لكم ألا يبقى ضابط في المخيم.

• لماذا عمدت القوى السياسية في المعارضة إلى إقصائك – إن صح التعبير؟

لأنني كنت أريد إعادة هيبة العسكري، وكنت أريد أن تكون قيادة الثورة في الميدان عسكرية وليست مدنية، لذلك لم يتقبلوا هذه الفكرة، ورفضوا سيطرة العسكر على الثورة.. ولأنني لست من فلفسة الشللية والجماعات.. كل المقاتلين السوريين جماعتي.. ولأنني وقفت في وجه كل من يريد التسلق على الثورة السورية.. نحن نموت والسياسيون ينعمون بالعيش.

• أراك متحاملا على السياسيين.. لماذا كل هذا؟

من الطبيعي أن يكون ذلك، فعندما يفكر المجلس الوطني ومن ورائه أيضا الائتلاف بتصفية اسم الجيش الحر فإن هذا الأمر يزعجني.. لقد حاربوا رياض الأسعد أكثر مما حاربوا بشار الأسد.

• كيف ترى فكرة تأسيس جيش وطني؟

الجيش الوطني هو «صحوات العراق» لا يختلف عنها أبدا، والسؤال المضاد هو: لماذا نشكل جيشا وطنيا وهناك جيش حر؟

• هل أنت مستعد للانضمام إلى هيئة الأركان؟

نحن أرسلنا العقيد مالك الكردي قبل شهرين إلى إسطنبول حين كان هناك اجتماع للأركان، وعرضنا الانضمام على الأركان، لكنهم رفضوا أن ندخل كجيش حر بكتلة عسكرية، وإنما ندخل في الأركان كهيئة استشارية.

• أين الكتائب التابعة لرياض الأسعد؟ وماذا تفعل الآن؟

هي تقاتل في الداخل وإلى جانب هيئة الأركان، وتعيش على الدعم المبعثر في الثورة. ومع ذلك أرسلت ضباطا عمداء إلى لواء التوحيد وهو لواء ثوري مدني، ورغم ذلك يقول أحد المشايخ في هذا اللواء «الضابط الذي يحيد عن طريق اللواء ندعسه بالأقدام».. بل قالوا أيضا للضباط الذي أرسلتهم «إذا اتصلتم بالأسعد سنقيم عليكم الحد».. ورفضوا أي دور للعسكريين، علما بأنني أرسلت 30 ألف دولار إلى لواء التوحيد وأربعين جهاز اتصالات عسكرية.

• لماذا تأخرت الثورة السورية؟

لأن النوايا ليست صادقة، والعزيمة ليست خالصة، عندما كانت الثورة صادقة كانت البارودة تأسر دبابة، أما الآن لا الدروع ولا السلاح الثقيل يصمد.. فالرجل النظيف في الثورة يتم إبعاده، وأنا مستعد لمحاججة الكل.

• هل صحيح أنك تلقيت سلاحا من ليبيا.. وأن السلاح كان يأتي باسم رياض الأسعد؟

صحيح أن ليبيا أرسلت سلاحا باسمي لكنني لم أتسلمه، وذهب إلى هيئة حماية المدنيين، والتي أخذت الغطاء من الجيش السوري الحر واستمرت في الحصول على السلاح.

• ما موقفك من «جبهة النصرة» وما يسمى «دولة العراق والشام الإسلامية»؟

نختلف معهم في الرأي، وفي الكثير من الأمور، والمطلوب الحوار معهم لكي يعودوا إلى الصواب.. نحن خرجنا من النظام من أجل الحوار، مشكلة السوريين أنهم غير قادرين على الحوار حتى الآن، وعندما يتخلصون من هذه العقدة، فالثورة ستسلك مسارها الصحيح.