قراءة أخرى في صفحة الوطن

عبدالله عويقل السلمي

أشرقت شمسنا أمس بلون مختلف.. تسربت مع أشعتها الزاهية الفرحة إلى النفوس وتسللت إلى المنازل وتزينت الشوارع بالأعلام، وبدأت الوسائل الإعلامية تعزف الأغاني الوطنية واستعدت المؤسسات الحكومية والأهلية لاحتفالات الوطن، المهم أن كلا تعلوه الفرحة، ويرتسم على محياه السرور، ويشعر أن الفرح قد انهمر على ثغر الوجود كله، فازدانت وأقرت عين الوطن بارتماء أبنائه في أحضانه وتحولت المدن والقرى إلى مناطق نابضة بالحياة ، ومنازل مكتسية بالحلل الزاهية، فلا يكاد يداعب النعاس أجفان أبنائنا... هذه هي صورة يوم الوطن في جانبه الإيجابي، ومظهره المفرح، وقراءته الظاهرية، ولكن في خضم هذه البهجة، وسط ضوضاء زغاريد الفرح يستيقظ صارخ يذكرنا بضرورة أن نسأل: هل هذا كل ما نريده من اليوم الوطني؟ أستسمح وطني العزيز أن يمنحني فرصة قراءته بطريقة مختلفة أعبر بها عن احتفائي واحتفالي به، فأقول:
ــ ليس اليوم الوطني لحظة احتفال تمر ساعاته في أنس كانت النفوس في لهاة وصدود عنه، لكنه لحظة توقف لتغيير كل شيء إلى الأحسن، فلا يودعنا إلا وهو تارك وراءه قلوبا أسهم في زيادة الحب بينها، وساعد على إذابة التخاصم والتشاحن الذي توشحت به نفوسنا حولا أكتعا، وأذاب روح التخاذل والكسل وأماط اللثام عن أولئك الذين يرون الوطن وظيفة بلا إنتاج وحقوقا بلا واجبات، وتفاخرا بالماضي دون فعل في الحاضر.
ــ لا يعني احتفالنا باليوم الوطني أننا الأفضل والأجمل في العالم، وإنما هو استثمار للمنجز الذي قدمه الوطن حتى تأريخه وإبراز حجمه ومقارنته بغيره من البلدان التي تضاهيه عتادا وعدة، ثم تقويمه وتقييمه، ومحاسبة المقصرين إن كان ثمة تأخر عن مركز أو تخلف عن موقع أو مكانة والإعلان السريع عن الإصرار على استكمال ما نقص وتصويب ما حاد وإتمام ما قصر، فاهتبال فرصة يوم الوطن السانحة لنحدد موقعنا ونتبين حجمنا ضرورة ملحة. إنه يوم يتجاوز حدود أن نعزف الألحان ونرفع الرايات ونتراقص فرحا ثم ينفض السامر ونعود حيث كنا، لكنه لحظة محاسبة ويوم تدشين لإبداع يجعلنا نقف على مسرح العالمية، يبصر معه العالم ما نحن عليه من مقدرة وما لدينا من مواهب وإمكانات.
ــ اليوم الوطني هو إعلان حرب صريحة على الذاتية والمصلحية والتخاذل والاتكالية، وعلى جريرة الروح المادية العقيم التي قتلت فينا الطموح وأذهلتنا عن الغاية وحادت بنا عن السير على المبدأ؛ لأنه يوم يكشف كل من يتقن التمثيل ويحسن التبجيل ويعزف للوطن لفظا ويخذله عملا وإخلاصا.
ــ اليوم الوطني هو رسالة المكان والأرض إلى شاغلها الأساس (المواطن)، فهو المنتج الأول للبناء والمحرك الأول للنماء، فإن لم يدرك ذلك بالعمق المطلوب فقد انطمست معالم هذا اليوم، الذي يجب أن يظهر صورا متشابكة من التلاحم تطمس معالم المذهبية والحزبية والمناطقية والجهوية والقبلية؛ لنرسم صورة حميمية لا تطمسها الأيام ولا تبليها الأعوام.
ــ اليوم الوطني هو جذوة قبس جديدة تطرد محاولات الإطفاء التي يمارسها المحبطون تنظيرا ويتبناها العابثون تطبيقا. دون استحضار لحقيقة أن الوطن كائن نابض بالحياة قادر على أساس سماته الذاتية وخصوصيته الإسلامية وهويته العروبية أن يكون قناة الاتصال بين الماضي والحاضر والآتي.
ــ اليوم الوطني هو مراسيم عليا تصدرها الأرض بمكانتها المقدسة موجهة إلى الوطن بثراه الطاهر لتعلن عن التكامل والتعامل مع المنظومة العالمية ومحاربة العزلة الجغرافية والتقدم للأمام بخطوات الواثقين على كل المستويات دون مساس بقداسة المكان أو تفريط في الهوية.
ــ يوم الوطن هو لحظة تقزيم لأولئك الصغار والهامشيين والتخريبيين والتغريبيين الذين شطرونا نصفين، بين ملتصق بالتقليدية، ومتمرد على التقاليد والتراث والعمق الماضوي. وكل يوم ووطني بخير.. وألقاكم.
تويتر @aanzs1417