مصر ورؤية ملك

عبدالرحمن العكيمي

لا يمكن فهم ما يحدث في جمهورية مصر العربية هذه الأيام إلا بفهم حقيقة التناقضات والأضداد التي تزداد يوما بعد آخر.. أخطر ما يمكن أن تعيشه (أم الدنيا) اليوم هو تداخل السياسي مع الديني وتناقض الديني مع المدني في لعبة أكثر خطورة تهدد استقرار أكبر الشعوب العربية، ليست الثورة المليونية التي ولدت من حركة تمرد يوم 30 يونيو مشابهة لثورة 25 يناير المجيدة، والتي اتحدت فيها جميع أطياف الشعب المصري ــ آنذاك ــ أمام هدف واحد وهو رحيل النظام السابق، غير أن الثورة الأخيرة جاءت حادة غير آبهة بالنتائج، لكن تعبيرها كان حقا لها في رفضها لحكم (الجماعة) الإخوانية، وهو ما عبر به الملايين الذين يؤمنون أن مصر مجتمع مدني ومثل ذلك النظام لن يكون محققا لتطلعاتهم فكانت حركة التمرد الشهيرة. يقول الدكتور محمد محيي الدين، أستاذ علم الاجتماع، مستشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالقاهرة، صاحب الدراسة الشهيرة «مصر العشوائيات ومصر الكومبوندات» إن الثورة المصرية لم تكتمل، ولا تزال فى مراحل صنعها، فى ظل وجود نظام استبدادي جاء عقب الثورة التي أسقطت نظاما استبداديا سابقا ــ على حد قوله. ولعلنا نتذكر مقولة أيضا أن الجماعات التي تعرضت للعنف والسجن والاعتقال ثم تقلدت الحكم في أي بلد، فإنها ستعيد إنتاج العنف مرة أخرى. يروي لنا الكاتب السياسي الشهير محمد حسنين هيكل في حوار صحفي منشور أن شيمون بيريز التقى قبل فترة بزائر أجنبي، وقال له: أنتم قلقون جدا على مصر فلا تضيعوا وقتكم، مصر أمامها ثلاث حروب نائمة قد يتم إيقاظها في أي وقت، الأولى دينية بين فئة وفئة أخرى، والثانية لها علاقة مباشرة بالأزمة الاقتصادية الطاحنة وهى تنذر بحرب أهلية، والثالثة أزمة المسلمين والأقباط. انتهى كلامه المفجع تجاه الشأن المصري، ويا لها من حروب مروعة يتم أو تم إيقاظها بالفعل وبدت بوادرها ونتائجها تطفو على السطح. إن مصر اليوم بحاجة إلى صوت العقل، وإلى مشروع وطني يغلب مصلحة الوطن فوق كل مصلحة حتى لا تدفع أرض الكنانة ثمن الحروب النائمة، والتي يسعى الآخر للمضي قدما في تأجيجها وإيقاظها.. وهي التي عاشت أياما عصيبة، لكن موقف المملكة العربية السعودية تجاه مصر جاء داعما لاستقرارها وتنميتها، وهو موقف غير مستغرب من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ــ والذي يؤمن بأن استقرار مصر وانضمامها في الصف العربي هو ضرورة حتمية، فكانت رؤية الملك بحجم مستوى الحدث الكبير.

ورقة أخيرة:
(وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى، وفيها لمن خاف القلى متعزل).