بين فكي الشبهة

اعتدال عطيوي

قام الدين الإسلامي على حسن الظن والبينة المؤكدة والشهود العدول، ولم يقم على الظن أو الشبهة التي تتمثل في الالتباس والإشكال في اللغة، وفي الشرع: ما التبس أمره، فلا يُدرى ما هو من باب الحلال أم الحرام.
وقد كانت الهيئة لدينا أحيانا لا تعامل الناس بالشبهة المؤكدة، حتى كان المرء يخشى أن يخرج مع أمه أو أخته أو زوجته دون أن يحمل عقد الزواج والهوية أو يحفظ لون الثلاجة حتى لو سئلا كل على حدة يكون الجواب متطابقا.
ثم تطور الأمر من مآسي المكاتب التي سمعنا عنها وعايشنا بعضها من خلال أقاربنا أو معارفنا وأصدقائنا، إلى الغزوات الخارجية الشرسة التي كانت تطارد السيارات وتضايق العائلات في احتفالاتهم في المراكز بالأسئلة والنظرات المريبة، وكأنهم في موقع جريمة.
نجدهم يمرون على تجمعات الأسر في الحدائق أو الكورنيش متربصين لأي شاردة أو واردة من صغير أو كبير، فينتشر الضيق والتبرم في النفوس، ما يثبت أن التعامل مع المجتمع مرتكز على الشبهة والريبة لا على حسن الظن والدليل المؤكد، وهذا يتعارض مع مبادئ الدين الإسلامي الذي يؤكد على الأدلة، وقد قال تعالى في محكم كتابه «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين»،
وكلنا يعرف صرامة إثبات الحدود واستيفاء أدلتها وشروط الشهود، إذن تقييم الحال والحدث يرتبط باستيفاء الشروط لا بالظن والتقييم الوقتي، وقد خطأ الرجل عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ في اقتحام بيته والدخول بدون سلام وإذن رغم أنه شارب للخمر، فوافقه عمر المعروف بانتصاره وصرامته في الحق.
فلِم نجد أنفسنا مشروع خطيئة مؤجلة وشبهة مؤكدة في نظر هذا الجهاز وأفراده، ولِم يحاسب رجل أو امرأة يتناول قهوته وحيدا عما يفعل ومن ينتظر ويصادر جواله، وتسأل النساء عن تسوقهن بمفردهن، ولم يعرف أن ذلك من المحرمات في أي زمان ومكان.
الهيئة جهاز حكومي له أنظمة محددة ترسم أدوار كل أفراده وفقا لمرجعيات ونصوص إدارية معروفة لهم كما يوردون دائما وهذه حقيقة.
إذن ما تفسير تلك الخروقات التي أودت بحياة بعض الضحايا مثل ضحيتي اليوم الوطني، أنحسبه اجتهادا، أم له مسمى آخر ومميت مهما كان.
وهل الهروب من الهيئة مدعاة للملاحقة الشرسة التي ختامها الحوادث المميتة، إن مطاردة المشبوهين شان أمني مناط بالشرطة، فكيف تمارسه الهيئة كل حين، أليس ذلك تداخلا مربكا للمجتمع يحتاج مع تكرار هذه الحوادث المؤسفة إلى إيضاح.
ويردد البعض أن الهرب دليل الخطيئة وحجة المطاردة، والحقيقة أنه تهرب من التلبس بقضايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل سوى أن حظهم العاثر وضعهم في طريقهم، وفي هذا السياق أثبت الطب الشرعي أن قتيل اليوم الوطني لم يكن مخمورا كما تردد، وعلى هذا قس.
إذن كيف تحولت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند الناس من ضرورة في المجتمع الإسلامي إلى شبهة تطاردهم، إلا عندما استمرأت الشبهة كمدخل أساسي لعملها، وتواتر ذلك في المجتمع أوجب الإصلاح ثم الإصلاح.