هل بدّل الرئيس بوش نظرته أخيراً إلى إيران

أدريان هاملتون

تميزت إدارة بوش، منذ بدايتها، بالانشقاقات العميقة بين الوزارات، وخاصة بين وزارتي الدفاع والخارجية، وبنزاع ضروس داخلي، ولا يزال الأمر هكذا حتى اليوم.
وإلا، فكيف يمكن تفسير ما جرى عندما كان نائب الرئيس «ديك تشيني» يقوم بجولة في دول آسيا، الأسبوع الماضي، مكرراً خطابه الكلامي ضد إيران، فيما كانت «كوندواليزا رايس» وزيرة الخارجية، تعلن أمام الكونجرس أن الولايات المتحدة أخيراً، أصبحت مستعدة للتحدث إلى إيران وسوريا، خلال مؤتمر إقليمي ينعقد في العراق؟ إنها ليست المرة الأولى التي تدفع تصرفات هذه الإدارة إلى التعجب والاستغراب، فالقابعون اليوم داخل وزارة الخارجية يعتبرون ما سيحصل في مؤتمر العراق، بمثابة اختراق عظيم، وخطوة كبيرة وثابتة باتجاه المحادثات المباشرة مع إيران وسوريا، تطبيقاً لما أوصت به لجنة «بيكر- هاملتون». أما القابعون في وزارة الدفاع، بالمقابل، فيعلنون أن هذه الخطوة هي علامة قوة، وتحرك تستطيع الولايات المتحدة القيام به الآن، على ضوء النجاح الناجم عن العقوبات المالية التي فُرضت على إيران، وللإدانة التي وجهتها الأمم المتحدة إلى برنامجها النووي، ولإشارات الانشقاق التي بدأت تظهر داخل صفوف النظام الإيراني.
وإذا نظرنا إلى التأويلات والتفسيرات الأخرى، الأكثر واقعية، نستطيع القول إن الحشد الهائل لوسائل المجابهة، الذي شهدناه خلال الأسابيع الماضية، مثل اعتقال المسؤولين الإيرانيين في العراق، وإرسال حاملتي طائرات أمريكية إلى مياه الخليج، وتوجيه الاتهامات إلى إيران بتزويد المقاومين العراقيين بمتفجرات معقدة ومتطورة كان عبارة عن إعداد مبرمج ومدروس، للدخول في مسار دبلوماسي، يصب في خانة التفاوض من موقع القوة.
غير أنه بالإمكان اعتبار «تحشيد وسائل المجابهة» هو بالفعل ما كان مقصوداً، أي «المواجهة الفعلية»، وأن الملاحظات الأخيرة للوزيرة كوندواليزا رايس، كانت عبارة عن التلميحات النهائية قبل الشروع بالعمل.
غير أن التفسير الأكثر احتمالاً، في كل الأحوال، هو أن التفسيرين صحيحان، فالرئيس بوش كانت تتنازعه الاختلافات وتجذبه في اتجاهات متعددة ومختلفة في آن واحد، أولها اتجاه الكونجرس الديموقراطي المنتخب حديثاً، والثاني هو اتجاه اليمين الجمهوري والمحافظين الجدد، والثالث هو اتجاه الوسط الجمهوري. أما جوابه فكان الإبقاء عليها جميعاً، وأن يختار أحدها عندما تدعو الحاجة، على أمل أن تقوده الأحداث، بشكل أو بآخر، إلى نهاية ناجحة، أو إلى مخرج مشرّف. فهو أرسل 22500 جندي إضافي إلى العراق، لكنه اعتبرهم مجرد «حشد» تمهيداً لانسحاب مبرمج على مراحل. وهو يقوم بتدعيم التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان، ولكن على عكس ما تشير إليه التقارير الاستخباراتية التي تؤكد أن نفوذ طالبان يتزايد، وأن القاعدة تعيد تجميع قواتها. وفي ظل هذه الظروف على الأرض، لا يعرف أحد في الحكومة الأمريكية بالفعل، ماذا سيحصل العام القادم، عندما تبدأ حملة الانتخابات الرئاسية. لكن، مهما سيحصل، فإن على الرئيس أن يعلن، بشكل من الأشكال أنه حقق فوزاً، سواء من خلال التحدث إلى الإيرانيين، أو من خلال قصفهم. إن إعلان هذه الإدارة، التي أمضت الأعوام الثلاثة الماضية في توجيه جميع أنواع الاتهامات ضد الإيرانيين، عن إرادتها في المشاركة في محادثات إقليمية معهم، يجب أن يحفز حلفاء أمريكا، على اغتنام الفرصة لمساعدتها على السير في هذا الاتجاه.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن ضمان مستقبل العراق إلا من خلال تعاون جميع جيرانه، وخاصة سوريا وإيران، ولابد للولايات المتحدة من أن تتوصل إلى الاعتراف بإيران بوصفها قوة إقليمية، وانطلاقاً من طبيعة العلاقات الدينية والقرابات الأسرية والعشائرية، بالإضافة إلى مواردها من النفط والغاز، فإن أية محاولة لعزل إيران لن تكون لها أي جدوى. إن الجانب المفرح للمؤتمر الأمني الإقليمي المزمع انعقاده قريباً، هو أن الخطة صدرت من بغداد، التي تحاول أخيراً، أن تطور سياسة خاصة بها تجاه جيرانها، استناداً إلى إدراكها بأن قوات الاحتلال هي في طريقها للانسحاب والرحيل. كما أن المملكة العربية السعودية بدأت تظهر اهتماماً أكبر، وتلعب دوراً محورياً في سياسة الشرق الأوسط. ومن الأفضل بكثير، أن ينفتح السعوديون، ودول الجامعة العربية، على إيران في هذا المؤتمر، بدلاً من التهويل الذي يمكن أن تمارسه واشنطن على الجانبين. والشيء عينه يمكن اعتباره صحيحاً بالنسبة للقضية الفلسطينية، فكلما تحولت هذه القضية إلى قضية إقليمية، ازداد انخراط جيران فلسطين في البحث عن حلول لها، وكلما ضعف بروز الولايات المتحدة كقوة أحادية تدافع دائماً عن إسرائيل، وتتغافل عن حقوق الفلسطينيين.
* كاتب بريطاني في صحيفة «إندبندنت»
ترجمة: جوزيف حرب