رفض العضوية والموقف من مجلس الأمن

بدر بن سعود

انتخبت المملكة لعضوية مؤقتة في مجلس الأمن الدولي تستمر لسنتين، وكان انتخابها يوم الخميس 18 أكتوبر 2013، ومن ثم اعتذرت في اليوم التالي، والفترة بين الانتخاب والاعتذار لم تتجاوز 17 ساعة، وجاء التوضيح الديبلوماسي لوزارة الخارجية السعودية معقولا ومقدراً، وحوى تفسيرا منطقياً ومقبولا لقرار الامتناع السعودي عن المشاركة في عضوية المجلس، بعد أن برر التصرف بفشل المؤسسة الأممية في حل النزاع العربي الاسرائيلي، وسكوتها أمام الأزمة السورية، ومعاييرها المزدوجة في نزع أسلحة الدمار الشامل من منطقة الشرق الأوسط، وتحفظات وانتقادات المملكة لدور المجلس قديمة ومتكررة، آخرها حدث في ثلاث مناسبات إسلامية ودولية أقيمت في فبراير وسبتمبر 2013، الأولى حذرت وانسجمت تماما مع القرار وكانت في مؤتمر القمة الإسلامي الثاني عشر في القاهرة، والثانية اقترحت خارطة طريق لتحسين أداء المجلس في المؤتمر الوزاري الدولي المنعقد في روما، وأوصت بمــــراجعة هيكليـة لأعماله تتناسب والتطـــورات الدولية، وتحفظ التمثيل الجغرافي العادل والمتوازن في عصبة الأمم، والثالثة جسدها إلغاء كلمة المملكة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك.
بعض المراقبين يعتقد أن في الاعتذار رسالة سياسية موجهة إلى واشنطن، وغيرهم يذهب بعيداً ويحيل المسألة بالكامل إلى قضايا حقوق المرأة والحريات العامة في المملكة، ومهما كانت الأسباب، لم أسمع أن دولة مؤقتة في مجلس الأمن مارست دوراً مهماً أو مؤثراً، أو استفادت فعلياً من عضويتها، وقرارات المجلس في مجملها تدار وتمرر بمباركة الدول الخمس الكبار صاحبة العضوية الدائمة، ووفق مواصفاتها وتعريفها لمفهوم الأمن والسلم الدوليين، وإذا تعارضت مصالح هؤلاء استخدم بعضهم حق النقض «الفيتو» ضد البعض الآخر وعطـل مشاريعه، كما فعلت الصين وروسيـــا في الملف السوري، والولايات المتحدة في القرارات الأممية ضد إسرائيل، وهذا المجلس لا يشكل هماً أو عــائقاً لأمريكا ولا تحتاج إلى تفويضـه أصلا إلا عندما تريد أو تتردد، فقد قامت بضرب العراق في سنة 2003 ولم يكن لديها تفويض أممي واعتبرت حربها احتلالا صريحاً، ومجلس الأمن في صيغته الحالية يشبه الشركة العائلية، وعضويته المؤقتة شرفية لا تـــقدم ولا تؤخر ولا يملك صاحبها إلا صوتاً واحداً منزوع «الفيتو» ومكاسبها المحتملة محدودة مقارنة بحجم الضرر المتوقع على الدولة المنتخبة أو المختارة؛ لأنها قد تلزم بأشياء لا يمكن تحقيقها إلا بموافقة الدول الدائمة كلها، وتأييد الأغلبية لا يؤثر إذا فقد هذا الشرط، أو ربما تورطت في قرارات تحسب عليها ولا تستطيع منعها، والوضع حساس في الحالة السعودية بحكم ارتباطاتها ووزنها العربي والإسلامي.
فرنسا قالت إن لديها فكرة لم تعلن تفاصيلها لضبط إساءة استخدام «الفيتو»، وهو مطلب يخدم الدول العربية ويعمل لصالحها لأنها الضحية الدائمة لـ «فيتو» المجلس، وفي كل الأحول لا يمكن رهن مصير العالم لمجلس لا يوجد فيه ممثل دائم وبصلاحيات كاملة عن كل مكوناته، خصوصا أن قراراته ملزمة وليست مجرد توصيات تؤخذ أو تترك، ولا بد، في رأيي، من إقرار مشروع أممي لزيادة أعضاء المجلس الدائمين استناداً لمعايير واشتراطات واضحة ومقبولة.
اعتذار المملكة أو رفضها لعضوية مجلس الأمن، إن جاز التعبير، وبصرف النظر عن الوساطات العربية المطالبة بتراجعها، أخرجها من حرج التمثيل الهامشي، ومكنها من تسجيل ملاحظاتها وتوثيقها رسمياً في أقل من أربع وعشرين ساعة، والاعتذار وحيثياته، تناقلته وناقشته تقريباً جميع المحطات الإذاعية والتلفزبونية ووكالات الأنباء والصحافة المطبوعة حول العالم، باعتباره سابقة تاريخيـــة لم تعرفها الأمم المتحدة منذ تأسيسها، يضاف إليها بالتأكيد سابقة إلغاء الكلمة وما تحمله بين سطورها، واستبعد أن تحقق عضوية السنتين نفس الأهمية والمفعول.