حديث عابر

رندا الشيخ

تأسرنا بعض الأحاديث التي تخترق صمتنا دون موعد. وبالرغم من أن بعضها يمضي سريعاً ولا يترك أثراً خلفه، إلا أن أكثرها قد يثير فضول العقل للاستزادة وقد ينبش ذكرى في القلب ــ سعيدة كانت أو مؤلمة ــ أو يتركنا حيارى. ويحدث أحياناً أن تخلق تلك الحيرة طوفاناً من التساؤلات التي لا تنتهي، حتى وإن لم يكن الأمر مرتبطاً بنا بشكل مباشر، كما حدث معي تماماً! فمجرد حديث عابر بين زميلين أثار في نفسي تساؤلا لم يهدأ حتى الآن، عن الأسباب التي قد تدفع بنا لرؤية احتياجاتنا فقط دون احتياجات الآخرين.
حديث عابر كان أحد أطرافه رب أسرة، بينما الآخر لم يطرق باب القفص الذهبي بعد. لم يتجاوز حديثهما الخمس دقائق! بدأ بتحية وابتسامة، ثم تدرج إلى سؤال عن الحال والأهل والمنزل، وانتهى بانزعاج وتبرم ونصيحة! هل يبدو الأمر عادياً بالنسبة لك حتى الآن يا قارئي العزيز؟ حسن إذاً.. اقرأ هذا الحوار!
ــ يا هلا ومرحباً بأبو فيصل، كيفك حبيبنا.. اشتقنالك؟
ــ أبشرك بخيييير ونعمة، شلونك إنت يا فهد؟
ــ والله الحمد لله، ما في غير الدوامات والمشاوير تاعبتنا شويتين، بس إيش نسوي.. رزقنا! كيفك إنت وكيف الأهل والأولاد؟
ــ (تغيرت تعابير وجهه فجأة وسكت)
ــ إشبك ساكت؟
ــ أذكر الله ياخوي! قول لا إله إلا الله! ما غير تذكرنا بهالبيت والعيال والأهل وحِنا مستانسين بشوفتك!
ــ ليش؟ خير إن شاء الله؟ عندك مشكلة تبغاني أساعدك فيها؟ آمرني!
ــ أي مشكلة ياخوي اللي تبي تساعدني فيها! أنا مليت من حياتي كلها، «الحرمة» ما عندها غير نكد، ترضى يوم وتزعل أسبوع! يوم هي راضية أبلشتني بها السوق، ويوم زعلت راحت عند أهلها وخلت عيالها! والعيال ما عندهم غير «أبوي هات» و«أبوي جيب»! تكفى غير السالفة رفعت ضغطي!
ــ ههههههه
ــ وتضحك بعد! الشرهة موب عليك! الشرهة على اللي واقف يسولف وياك! في أمان الله.
ــ لحظة! لحظة يبو فيصل.. روق الله يهديك.. كل مشكلة ولها حل!
ــ وللي يرحم والديك فكني! أبي أروح ألحق الشباب في القهوة، لي يومين ما مريتهم. هذولي عِشرة سنين من قبل ما أتزوج! كل يوم وأنا عندهم من بعد الدوام للساعة 2 الليل. نصيحة من أخوك العود.. خلّك طيرٍ طليق.
ــ (ظل صامتاً)
ــ في أمان الله.
ــ هاه... مع السلامة!