دولة جمال مبارك.. من القصر إلى الزنزانة

دولة جمال مبارك.. من القصر إلى الزنزانة

رصد الذكريات: سيد عبدالعال

عندما التهمت النار جسد محمد البوعزيزي في تونس وانطلقت معها ثورة الياسمين معلنة انطلاق ما سمي لاحقا بـ«الربيع العربي»، كانت كثير من الدول التي اجتاحها فيما بعد ترى أنها بمنأى عنه، وأن الوضع لديها لا يشبه تونس، إلا أن الأيام كانت حبلى بالكثير من المفاجآت.. في مصر كان الحديث ساخنا عن أن الرئيس المصري الأسبق يهيئ ابنه جمال ليورثه حكم مصر بعد أن تدرج في السلك السياسي حتى ترأس الحزب الحاكم.. فما الذي أجهض دولة جمال؟.. وفي أفريقيا وقبل أن يطل الربيع برأسه على دولة القذافي، كان الشارع الليبي يتداول بالهمس وبالعلن أن العقيد يهيئ نجله سيف الإسلام ليخلفه على تركة ليبيا، وذهبت دولة سيف الإسلام كما ذهبت دولة جمال.. وفي جنوب جزيرة العرب كان الشارع اليمني كأنما يغلي على مرجل، فحديث مشابه لما كان يدور في ليبيا ومصر عن نية الرئيس اليمني السابق علي صالح توريث ابنه أحمد عرش اليمن، ولم يكن مصير دولة أحمد ببعيد عن دولة جمال وسيف الإسلام. فهل كانت دولة بشار التي ورثها عن أبيه حافظ الأسد نذير شؤم على هؤلاء الثلاثة فأجهضت دولهم قبل أن تقوم؟.. «عكاظ» تفتح ملف ثلاثة زعماء بلا دول، في سلسلة حلقات تقتحم عالمهم ..
وفي طريقنا نحو كفر المصيلحة القرية التابعة لمركز شبين الكوم محافظة المنوفية أنا وزميلي المصور أحمد عمر حيث بدأنا منها مهمة البحث عن جمال، وصلنا أولا مركز شبين الكوم وهي آخر بقعة زارها مبارك عام 2005م عندما أطلق حملته الانتخابية من مدرسة المساعة المشكورة الثانوية والتي تبعد عن كفر المصيلحة حوالى 5 كيلو مترات أو أكثر قليلا، وكانت هذه الزيارة هي السبب في غضب أبناء القرية على مبارك، وأكد كل من قابلتهم «عكاظ» هناك أن مبارك كان قريبا جدا من القرية لكنه لم يعطها ساعة من وقته. ونحن في الطريق قابلنا أحد أبناء كفر المصيلحة الذي حكى لنا أنه عندما كان يجري الحديث عن جمال قبل ثورة 25 يناير كان الجميع ناقما عليه لأنه لم يزر كفر مصيلحة مرة واحدة طوال حياته. وزاد «إننا لم نسمع أنه قام بأي عمل تجاه أهل الكفر، وكل ما كنا نعلم به هو ما يذاع في التلفزيون وما ينشر في الصحف حول جمال مبارك ومشروع التوريث.
جمال .. مين؟
أما محمد سليمان السرساوي أحد سكان الكفر قال إنه لا يهتم شخصيا بالأسماء، لأن المهم هي النتيجة. وعبر عن غضبه البالغ من مبارك وعائلته لأنه يعمل في القاهرة بـ900 جنيه فقط، وكان يتمنى أن يعمل في وزارة الكهرباء أو البترول. كما كان النائب السابق عن دائرة الباجور المجاورة كمال الشاذلي يعين أبناء دائرته في هذه الوزارات التي تدر أموالاً طائلة، لكن أبناء قرية جمال مبارك والرئيس لم يحصلوا على نصف أو حتى 10 % مما حصل عليه أبناء مركز الباجور الذي كان ينتمي لها نائب في عهد مبارك «في إشارة للنائب كمال الشاذلي»
وعندما قلت له إن مبارك لم يكن يريد أن يميز قريته أو مسقط رأسه عن باقي مدن وقرى مصر التى اعتبرها مبارك جميعا مسقط رأسه رد السرساوي قائلا «إذا كان هذا صحيحاً وإن كان مبارك حريصا على المال العام كان يمكن أن يفعل كما فعل السادات بقرية ميت أبو الكوم عندما تبرع بقيمة جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها لتنمية قريته وتوصيل الطاقة الشمسية، وعمل صرف صحي وبناء مساكن راقية لأهل بلده».
وتابع السرساوي «الآن بعد رحيل مبارك وفشل مشروع توريث جمال، وبعد الفوضى الأمنية، والفشل الاقتصادي الذريع أتمنى أن تعود أيام مبارك».
وعندما سألته عن إمكانية أن يؤيد جمال مبارك في الانتخابات الرئاسية القادمة أو بعد القادمة إذا ما قرر خوض الانتخابات، قال السرساوي «هناك قناعة لدى الكثيرين الآن أن جمال غير متورط في قضية قتل المتظاهرين، وأنا شخصيا يمكن أن أعطيه صوتي إذا تأكدت أنه سيقدم شيئا للإنسان البسيط، لكن أنا على يقين أن الغالبية سترفض هذا الترشح وستعتبره عودة عن مبادى ثورة 25 يناير رغم أننا لم نستفد أي شيء من الثورة حتى الآن سوى غياب الأمن، وقلة فرص أكل العيش».
وعندما سألته عن عائلة مبارك في القرية قال «هم يقولون إنهم لم يستفيدوا من وجود مبارك أكثر من 30 عاما في الحكم، لكن واقع الحال إنهم حققوا قدرا معقولا من المعيشة الطيبة، ومنهم من دخل العمل السياسي مثل الدكتور أمين مبارك الذي تولى منصب رئيس لجنة الطاقة بمجلش الشعب، لكنه فشل أمام مرشح الإخوان عام 2005، والآن هناك أعضاء من عائلة مبارك يسعون لدخول العمل السياسي خلال المرحلة القادمة». ويرجع السرساوي فشل جمال لأنه كان محاطاً بـ«شلة فاسدة» خاصة أحمد عز وصفوت الشريف ورجال الأعمال الذين لم يكن لهم هم إلا نهب المال العام بأي طريقة وبكل الطرق.
نحن لا نتسول
وحاولنا ونحن في الكفر -كما يختصرون اسم القرية- مقابلة الدكتور عادل مبارك لكنه كان خارج مصر.. وقابلنا الحاج جمال محمود العامل في «مدرسة عبد العزيز فهمي» وهي المدرسة التي أسسها عبد العزيز باشا فهمي وزير الحقانية «العدل» قبل ثورة 1952م وتخرج منها مبارك. يقول الحاج جمال إنه قارب على 60 عاما لكنه لم ير ولم يسمع أن جمال جاء لكفر المصيلحة، ربما لأنه مشغول أو لأنه لا يريد أن يتذكر شيئا من مكان هو لم يولد فيه وليس له أي ذكريات معه، لأن جمال ولد في القاهرة وعاش طوال حياته هناك ولم ينزل هنا في كفر المصيلحة مرة واحدة، ولذلك فإن جمال ليس له ذكريات هنا في الكفر، لكن ما يحزنني أنا باعتباري من أبناء كفر المصيلحة التي كانوا يغنوا لها أن الرئيس لم يهتم بمسقط رأسه، وسمعنا من نواب سابقين للإخوان أن مبارك حين عين أحد المحافظين للمنوفية سأله المحافظ «ماذا تريد يا ريس أن أفعل في كفر المصيلحة؟ قال له مبارك «إذا سمعت أنك عملت أي حاجه زيادة عن باقي المناطق لكفر المصيلحة سوف أقيلك على الفور». وما زال الحديث للحاج جمال «نحن في القرية لم نعول يوما على مبارك أو جمال أو أي شخص آخر ، لأن غالبية سكان الكفر إما أنهم موظفون في الحكومة أو سافروا إلى الخارج واستطاعوا تدبير أموال قاموا ببناء بيوت جميلة، كما أن الكفر به كل الخدمات مثل المياه والكهرباء والغاز الطبيعي، وبالتالي لسنا في حاجة أن نتسول شيئا من جمال أو غيره» وتابع «أنا لا أريد أن أظلمه، أنا لم أتكلم معه بشكل مباشر، ولا أعرف ظروفه ربما كان يتمنى أن يأتي هنا لكن الظروف منعته ، أو ربما كان يخشى أن يقال عليه إنه منحاز لمسقط رأس أبيه وغيرها من التأويلات، لكن في كل الأحوال نحن هنا نهتم بمن يقدم خدمات ومن لديه برنامج لتشغيل الشباب بغض النظر عن انتمائه السياسي سواء كان جمال أو غيره، وأضاف «شعوري دائما أن جمال شخص حاصل على تعليم عال، لكن الذين حوله أفسدوه بدليل أننا لم نسمع شيئاً سلبياً عن جمال قبل موضوع التوريث، لكن هذه الشلة الفاسدة هي التي أضاعت مبارك وأضاعت جمال معه».
الإخوان.. السبب
وبجوار بيت عائلة مبارك جلس أحمد مهران الذي يعمل في كوافير قام بتأسيسه بعد عودته من رحلة عمل في الخليج استمرت 10 سنوات يقول أحمد «كل ما نسمعه عن جمال خير، المعارضة هي التي شوهت صورة جمال بموضوع التوريث على حد قوله». وزاد «لكن مبارك حتى اللحظات الأخيره كان ينفي موضوع التوريث» وتابع «جمال ليس مثل مبارك في السياسة والذين أحاطوا به هم سبب المشاكل».
وكشف أحمد مهران عن سر تشويه صورة جمال لدى البعض في القرية بقوله
«الإخوان وراء كل المصايب التي حلت بالبلد، وكانوا يقولون للناس هنا إن مبارك «هيورث جمال الحكم»، لكن الناس الآن كشفتهم لأنهم كانوا وراء الدعاية الكاذبة.
جمال عمرة
وعلى ناصية أحد الشوارع جلس طالب في الصف الثاني الثانوي فاقتربت منه وسألته كيف كانت نظرتك لجمال فقال دون تردد «أنا فخور أنه كان من كفر المصيلحة،، والإخوان المسلمين يقفون وراء كل المصايب التي أصابت مصر في الفترة الاخيرة».
وتابع «الناس هنا كانت تريد جمال «عمدة» وليس رئيسا، بحيث يذهبوا له كل يوم ليقولوا له مشاكلهم ويقوم هو بحلها، لكن أنا اتخيل أن جمال كان يعد نفسه ليكون رئيسا لكل المصريين وليس عمدة لكفر المصيلحة» وعندما حاولت الانصراف شدد علىّ بالقول «أكبر دليل أن جمال شخص كويس أن عائلته متواضعة ومبارك لم يتدخل ليفوز أحد من عائلته وهو الدكتور أمين مبارك لدورة ثانية في مجلس الشعب عام 2005م، والتي فاز فيها مرشح الإخوان، ولو كان مرسي مكان مبارك ما كان ليسمح لأحد من غير الإخوان ليفوز على مرشح قريب من عائلة مرسي والإخوان»
وعلى الطريق المؤدي نحو كورنيش النيل قال لنا الحاج محمد فاروق صاحب محل لبيع الأحذية: بصراحة أنا كنت أحب جمال، لكن بعد الثورة سمعنا كلاما كبيرا عن ملايين الجنيهات التي سرقها، فكنت لا أصدق، والآن بعد ما يقرب من 3 سنوات على الثورة أتمنى أن يخرج جمال من السجن، وأنا مش زعلان منه، لكن أتذكر أنني أرسلت له خطابا منذ أكثر من 10 سنوات مع مجموعة من أبناء البلد كنا نبحث عن عمل، لكن الآن الحمد لله».
وبجواره كان يجلس محمود فرحات الذي قال إنه سمع قصة من أحد جيرانه توفي منذ سنوات، وهي أن جمال ذهب لزيارة مدينة نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية والتقى هناك بحضور السفير المصري والقنصل بعض الشباب المصريين الذين يدرسون هناك فتقدم أحد أبناء الكفر من جمال بعد انتهاء الاجتماع وطلب منه أن يساعده السفير في الالتحاق بعمل ما بجانب دراسته، وهمس هذا الطالب في أذن جمال وقال له «أنا من كفر المصيلحة» فضحك جمال وقال للسفير «لا بد أن تساعد هذا الشاب لأنه بلدياتي».
من هو؟
اسمه بالكامل جمال الدين محمد حسني السيد مبارك، ولد يوم 27 ديسمبر عام 1963 في القاهرة، لديه شقيق واحد هو «علاء مبارك».
جمال هو الرقم الصعب في الحياة السياسية المصرية منذ عام 2000 وحتى تنحي الرئيس مبارك في 11 فبراير 2011، حيث يعتبر الكثيريون أن جميع الأخطاء التي وقع فيها مبارك ونظام حكمه كانت بسبب مشروع «توريث الحكم» وهو ما أدى لثورة 25 يناير التي زلزلت المنطقة.
وجمال مبارك هو الابن الأصغر للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك وكان آخر منصب تولاه هو الأمين العام المساعد وأمين السياسات السابق للحزب الوطني الديمقراطي المنحل بقرار قضائي.
ولد جمال مبارك في القاهرة عام 1963 ودرس المرحلة الابتدائية بـ«مدرسة مسز وودلي» الابتدائية بمصر الجديدة بالقاهرة ثم انتقل إلى «مدرسة سان جورج» الإعدادية والثانوية، وحصل على شهادة الثانوية الإنجليزية في عام 1980.
وتخرج من الجامعة الأمريكية بالقاهرة في مجال الأعمال وحصل على ماجستير في إدارة الأعمال.
بدأ بالعمل ببنك أوف أمريكا «فرع القاهرة» ثم انتقل إلى فرع لندن وعمل بصفة عامة في مجال الاستثمار البنكي.
وعلى العكس من أخيه علاء مبارك برز جمال بصورة أكبر على الساحة السياسية لمصر، وقد بدأ ظهوره في الحزب الوطني بتولي أمانة لجنة الشباب بالحزب، وكون جمعية «جيل المستقبل» والتي عن طريقها يتم تدريب الشباب وتقديم فرص العمل المناسبة له.
تزوج جمال مبارك يوم 28 أبريل عام 2007 من «خديجة الجمال» ابنة رجل الأعمال محمود الجمال، الذي يعمل في مجال المقاولات، وتم الزفاف في شرم الشيخ يوم 4 مايو عام 2009، وأنجب ابنة تدعى «فريدة» يوم 23 مارس 2010، ودخل جمال مبارك السياسة من بوابة الحزب الوطني عام 2000 الذي تولى فيه أمانة لجنة الشباب حتى أصبح أمين لجنة السياسات ثم الأمين العام المساعد وأمين السياسات في نوفمبر 2007.
في يوم 13 أبريل 2011 صدر قرار بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق بتهمة استغلال النفوذ والتربح، كما تمت محاكمته إلى جانب الرئيس ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي بالإضافة إلى ستة من رؤساء ومديري الأمن بتهمة التخطيط والتحريض على قتل المتظاهرين في 25 يناير، وظهر لأول مرة في قفص الاتهام يوم 3 أغسطس 2011 وهاهو تعاد محاكمته مرة أخرى في نفس القضية بعد تبرئته في عهد الرئيس السابق محمد مرسي.
طفولة جمال
لا شيء غير عادي في طفولة جمال، فقد ولد لأب يعمل طيارا في القوات المسلحة، وتولت والدته أمره في هذه المرحلة نظرا لغياب والده الطويل عن البيت بحكم عمله في القوات المسلحة المصرية إلى أن التحق بمدرسة «مسز وودلي» الابتدائية بمصر الجديدة.. وهي من هذا النوع من المدارس التي يتوق الأغنياء من الطبقة الوسطى لإلحاق أبنائهم بها حيث كانت الطبقة الوسطى في هذا الحين تضم كبار الموظفين.. وأمضى جمال في مدرسة «مسز وودلي» مرحلة ابتدائية هادئة حيث كان يحسب بين الطلبة ذوي التحصيل الثابت بلا مفاجآت ليتركها إلى مدرسة «سان جورج» بمصر الجديدة التي كانت تدرس المرحلتين الإعدادية والثانوية باللغة الإنجليزية وحصل عليها عام 1980، ورغم عدم وجود أساتذة وموظفين بالمدرسة كانت لهم علاقات مباشرة مع جمال مبارك منذ أكثر من 33 عاما، إلا أن الكثير من مدرسي المدرسة والعاملين فيها أجمعوا لـ«عكاظ» التي التقت بهم في المدرسة على أن جمال مبارك كان طالبا طبيعيا للغاية حيث كانت تأتي سيارة رئاسة الجمهورية في الصباح في الموعد المحدد لدخول الطلاب مثله مثل الآخرين، وقالت مدرسة «رفضت نشر اسمها»: «أسمع من زملائي أن جمال مبارك كان هنا في المدرسة وقت أن كان أبوه نائبا للرئيس، لأن جمال تخرج من المدرسة عام 1980، وكان يمارس حياة عادية للغاية من خلال الاهتمام بدروسه ومشاركة زملائه الأنشطة الرياضية حيث كان جمال مولعا بكرة القدم»، لكنها أكدت عدم علمها بالنادي الذي كان يشجعه جمال مبارك أثناء فترة دراسته في المدرسة، وعن تعامله مع زملائه في الفصول الدراسية، قالت: «الجميع متفق على أنه كان طالبا مؤدبا للغاية ولديه الكثير من الخجل، ولم يكن يستغل أبدا أن والده نائب الرئيس أو عسكري مرموق ليتعالى على زملائه»، مؤكدة أن بعض زملائه في المدرسة عرفوا بعد سنوات أن والده يعمل في رئاسة الجمهورية كنائب للرئيس لأن تصرفاته كانت تصرفات طبيعية للغاية، وأنه لم تصدر بحقه أي شكوى سواء من المدرسين أو زملائه في المدرسة.
وحول متابعة الأسرة للمسيرة التعليمية لجمال مبارك، قالت: «سمعت أن السيدة سوزان مبارك زارت المدرسة للاطمئنان بنفسها على ابنها لكن من خلال لقاء الإدارة دون عمل أي «شو» إعلامي، وأن جمال تخرج بتفوق يسمح له بمواصلة دراسته في الجامعة الأمريكية».
الجامعة الأمريكية
هناك انطباع قوي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بأن جمال مبارك شجاع للغاية ويتمتع برباطة جأش، وحكى أحد الموظفين القدامى لـ«عكاظ» طالبا عدم ذكر اسمه؛ لأن هذا يتعارض مع طبيعة وظيفته، أنه يتذكر حادث المنصة جيدا، عندما قال أحد الأساتذة إن جمال مبارك ابن نائب الرئيس في ذلك الوقت حسني مبارك ربما أصيب في حادث المنصة الذي اغتيل فيه الرئيس الراحل أنور السادات، لأنه كان مع أبيه أثناء الاحتفال، مضيفا لـ«عكاظ»: «تأكد الجميع بعد ذلك أن جمال مبارك بخير ولم يصب بأذى»، مشيرا «هذا يؤكد أن مبارك ليس له أي علاقة بحادث المنصة، لأن مبارك لو أن له علاقة بالحادث لما أخذ ابنه إلى هناك».
وعن سنوات دراسة جمال مبارك بالجامعة، قال: «جمال مبارك كان شخصية رائعة، وله علاقات طيبة بكل زملائه، وكان حريصا للغاية على بناء علاقات عادية وطبيعية مع زملائه، وكان طالبا ملتزما للغاية مقارنة بالكثير من زملائه، وكثير من صداقاته في الجامعة الأمريكية استمرت معه بعد التخرج، بل إن جمال ظل لفترة طويلة على تواصل مع أساتذته في الجامعة بعد التخرج لسنوات طويلة خاصة الفترة التي سبقت دخوله السياسة والانشغال بشكل كامل بها».
الحزب الوطني
ويروي السفير محمد العرابي، وزير الخارجية الأسبق والرئيس الحالي لحزب المؤتمر، والذي كان يعمل في السفار المصرية بلندن خلال تواجد جمال مبارك هناك للدراسة: «إن جمال كان شابا مهذبا ولم يكن يشكل عبئا على السفارة ونشعر أحيانا تجاهه بأنه مثل أي شاب مصري يستعين بالسفارة في خدمات بسيطة لا يشعرك خلالها بأنه ابن الرئيس، وربما كان حريصا على ذلك، وقد يكون تنفيذا لتعليمات من والده»، ويقول العرابي: «ربما اقتصر دور السفارة في ذلك الحين على استقبال جمال في المطار وإيصاله إلى مقر إقامته والاستجابة لعدة طلبات بسيطة مثل السؤال عن مكتبة يجد فيها مراجع معينة وما شابه ذلك».. ويقول العرابي: «كان شابا بسيطا يميل إلى الخجل ولم يكن نزقا مثل كثير من الشباب في هذه المرحلة العمرية، كما لم نلحظ عليه اهتمامات غير طبيعية مثل شباب كثيرين في مثل سنة، ولم يتحدث عنه أحد في السفارة بشأن علاقات نسائية ولا حتى علاقات صداقة بزميلات له.. كان كل همه الدراسة فقط».
وتشاء الأقدار أن يلتقي العرابي بجمال مرة أخرى لكن هذه المرة في ألمانيا عام 2010، حيث كان يعمل العرابي سفيرا لمصر في برلين وجاءها جمال مع عائلته ووالده الذي كان يعالج من مرض في ظهره.. ويقول العرابي: «ظل جمال كما هو إذ كان يتعامل مثل أي ابن مصري يرافق والده المريض، كان قلقا عليه لا يفارقه»، ويتذكر عرابي أن جمال هو صاحب فكرة ظهور والده في شريط فيديو مسجل وهو يتحدث مع الطبيب حتى يطمئن الشعب المصري بعد أن انتشرت شائعات عن إصابته بمرض السرطان.
تواجد جمال بصورة أكبر على الساحة السياسية على عكس شقيقه علاء، وقد بدأ ظهوره في الحزب الوطني بتولي أمانة لجنة الشباب بالحزب وأصبح له وجود على الساحة السياسية المصرية كأمين للجنة السياسات بالحزب حتى فبراير 2011.
وتولى جمال مبارك موقعين مهمين في الحزب الحاكم آنذاك وهما: الأمين العام المساعد للحزب الوطني الديموقراطي، وأمين السياسات، ويعزى إلى أمانة السياسات العديد من التعديلات والتغييرات التي شهدها الحزب والنظام السياسي بمصر واختلف المصريون في نظرتهم إلى هذه التغييرات ما بين نخبة مؤيدة، وأخرى معارضة رافضة لظهوره على المسرح السياسي، ورغم أنه لم يأتِ بذكر أي طموحات لخوضه الانتخابات، شككت قوى المعارضة الوطنية وصحف مستقلة في وجود مخطط لتوريثه حكم مصر.