في الذكرى الثالثة لسقوط بغداد

علي حسن التواتي

كان يوم الأحد الماضي التاسع من إبريل 2006م هو اليوم المتمم لمرور ثلاث سنوات على سقوط بغداد ودخول الدبابات الأمريكية إليها بعد حرب قصيرة وانهيار مريع لأقوى جيش عربي في وقته لأسباب غير مفهومة حتى الآن رغم التفسيرات الكثيرة التي صدرت من جهات عديدة تدعي علمها ببواطن الأمور.
وكان الحدث المميز في تلك الذكرى هو ردود الأفعال الغاضبة التي صدرت على تصريحات الرئيس حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية التي أبدى فيها تشاؤمه من إمكانية حدوث انفراج قريب للأوضاع المتردية في العراق مما يدعو لإثارة مخاوف مشروعة في الشارع العربي من مثل هذا التوجه الذي سبق أن حذرت منه أطراف عديدة لتأتي تصريحات الرئيس مبارك لتعزز تلك المخاوف خاصة في ضوء الأخبار المتواترة من العراق عن هجرة جماعية وتهجير إجباري بين سكان الأحياء في مختلف المدن العراقية على أسس طائفية، وظهور تسريبات من هنا وهناك تفيد بأن ما يشهده العالم من خلافات وتهديدات متبادلة بشأن الملف النووي بين إيران من جانب وأمريكا وحلفائها من جانب آخر لا يزيد عن كونه مسرحية رديئة الإخراج لذر الرماد في العيون في حين أن الحقيقة أن سياسة محادثات الأبواب الخلفية قد أثمرت اتفاقاً يعطي إيران نفوذاً غير مسبوق على جنوب العراق ومكتسبات أخرى مقابل انسحاب أمريكي يتوقع أن يبدأ في شهر أغسطس القادم وينتهي في سبتمبر وتستبدل خلاله القوّات الأمريكية والبريطانية الموجودة حالياً في العراق بقوة مراقبة دولية قوامها عشرة آلاف رجل منهم ألفان فقط من الأمريكيين.
ولعل ما يعزز المخاوف التي وردت في مقابلة الرئيس مبارك مع قناة العربية الفضائية هو تسرب أنباء لوكالة الأسيوشيتد برس بأنها تأتي بعد اجتماعات مكثفة لعدد من كبار ضباط الاستخبارات لعدد من الدول المعنية بالشأن العراقي بهدف تقييم الأوضاع وتوحيد المواقف في حال تفاقم الأوضاع واستمرار التدهور الأمني والانغماس في أتون حرب أهلية مدمرة.
إن ما يجري في العراق اليوم هو فعلاً حرب أهلية غير متوازنة بين طوائفه الدينية والعرقية المختلفة، فرغم أن الأكراد ينتمون في معظمهم للطائفة السنية إلا أنهم متحالفون حلفاً غير مقدس مع الشيعة والأكراد ضد السنة والطوائف الأخرى بهدف تطهير الشمال من كافة القوى والأطياف غير الكردية تمهيداً لإعلان دولة كردية قوية مكتفية ذاتياً بضم حقول نفط كركوك والشمال إليها.
ويقوم الأكراد بتنفيذ مخططهم بالتطهير العرقي لشمال العراق بهدوء بالغ دون ضجيج كالذي يصدر عن القيادات الشيعية التي تسيطر على قوّات وزارة الداخلية وقيادات القوات المسلحة في حربها غير المعلنة على بعض القوى الوطنية الأخرى بحجة اجتثاث البعث والقضاء على (التمرد). فقد أصبحت مقاومة الاحتلال في عرف الحكومة العراقية (المنتخبة) تمرداً! في سبيل التشبث بالسلطة تحت حراب بنادق الاحتلال.
وعلى الجانب الآخر تحاول قوّات التحالف الأمريكي/ البريطاني الظهور بمظهر المتفرج البريء العاجز عن فرض النظام ومنع البغي الطائفي المتبادل، لا ، بل وتدعو مختلف الأطراف بكل صفاقة وبرودة وجه إلى ضبط النفس، كيف هذا وهي القوات المسئولة عن كل ما يجري بدءاً بحل الجيش العراقي بعد سقوط صدام وإعادة بنائه على أسس طائفية وانتهاءً بإرسال عملاء المخابرات الأمريكية/البريطانية/ الإسرائيلية متخفين تحت جنح الظلام إلى مختلف الأحياء في البصرة وبغداد لتنفيذ عمليات تفجير وقتل منتقاة لإشعال فتيل الحرب الطائفية، وما اعتقال بعض العملاء الانجليز منذ عام تقريباً من قبل قوّات الأمن العراقية في البصرة وهم يحملون متفجرات لزرعها في أحد الأحياء ذات الأغلبية الشيعية سوى أنموذج صارخ للدور الخبيث الذي تلعبه تلك القوى في محاولاتها المتعددة لإشعال فتيل الحرب الأهلية خاصة بعد إسراع قوات الاحتلال باقتحام مكان اعتقال العملاء بالدبابات واستنقاذهم من أيدي العراقيين قبل أن يتمكنوا من استجوابهم واستخلاص أية تفاصيل عن مخططاتهم وأهدافهم والقوى التي تمول عملياتهم.
إن العراق والمنطقة يقفان اليوم على مفترق طرق خطير قد يودي بالأمة إلى مهاوي الردى ما لم تتحرك القوى العراقية والعربية بجدية لتدارك الأوضاع في العراق وإعادة اللحمة والتفاهم إلى مختلف الأطياف العراقية والعمل على الإسراع بتنفيذ انسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من العراق وفق شروط عربية واضحة لا كما هو مخطط له من خلال خلط للأوراق وإثارة للحرب الأهلية وتحطيم للبوابة العربية الشرقية وشرذمة العراق لحساب المصالح المشتركة مع أمريكا التي لم تتمكن من فرض إرادتها بالقوة العسكرية على العراقيين الشرفاء فأخذت تلجأ للخبث البريطاني في رسم السيناريوهات وطبخ المؤامرات لإدخال المنطقة برمتها في أتون حروب طائفية وإقليمية تمكنها من التغطية على هزيمة قواتها في العراق بمصائب أشد وطأة علينا من وجودها.
وعلى العكس مما قد يظن الكثيرون من أن في بقاء القوات الأمريكية في العراق في الوقت الراهن ضمانة للأمن ومنعاً للتصفيات الطائفية فإن الواضح للعيان أن مثل هذه الممارسات تجري على عينها وبتشجيع منها لتمريغ أنف المقاومة العراقيّة في التراب وعدم تمكينها من جني أية مكاسب من وراء مقاومتها المستمرة للاحتلال، ولذلك لا أتوقع أن تحدث أية تصفيات أو انتقامات في حال انسحاب القوات الأمريكية، فالعراقيون لا يقلون عن اللبنانيين في وعيهم ووطنيتهم وما حدث بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان من تسامح وتصالح بين اللبنانيين أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن التعايش بين أهل البلد الواحد وأواصر الدم والقربى أقوى من أية روابط أخرى وأن ما كان يجري بين الطوائف اللبنانية تحت الاحتلال في الجنوب لم يكن سوى نتيجة من نتائجه لا مبرراً لاستمراره.
altawati@hotmail.com