العود أحمد

فؤاد محمد عمر توفيق

غادرت المستشفى ــ بفضل من الله وإحسانه ــ بعد عملية صعبة لا أود الخوض في تفاصيلها.. فيما سوى بحمد لله على نعمائه ورحمته.. ثم صدى رعاية الوالد القائد خادم الحرمين الشريفين لي في نفسي واهتمامه فيما أمر به.. بيد أن الحالة المعنوية تحت هذا الحرص جزء كبير من الدواء الذي يأتي ضمن الشفاء من عند الله تعالى.. وكلماتي لن تفيه حقه ــ يحفظه الله ــ لما هو أهل له.. والعرفان موصول لمن تكبد مشقة السفر فزارني أو لمن اتصل بي من الأهل والأحباء والأصدقاء.. فكان لمشاعرهم بلسم دافئ لبرودة جـو مدينة لوزان يطيب للمريض أن يتـدثر به.
وبدأ تعداد الدقائق والساعات والأيام لاستكمال شفاء يكفي لصعودي الطائرة.. عودة للوطن..
نعم.. «الوطن».. ومهما شدت الرحال وأقلعت الطائرات وأبحرت السفن.. فلا متعة دون وطن يعود إليه الإنسان.. أو المسافر.. هذا الوطن الذي أدعو الله ــ سبحانه وتعالى ــ من كل قلبي أن يحميه من الكيد نحوه.. ومن شر ذاته كذلك.. ومن أذى ما يحيط به أو ينهش فيه..
وهكذا أتخيل حالة الحزن واليأس عند من تـشردوا من أوطانهم.. تحت الجور والبطش والظلم.. ولا يزال عيشهم دون مأوى أو تعليم أو صحة مدعاة لظلم الإنسان لبنى الإنسان.. ومن نكران ما يسمى الدول العظمى لمبادئ تدعو إليها وتهجرها في ذات الوقت.. بيد أنها تسعى للسيطرة على المنطقة ليس بالضرورة لحاجتها الذاتية للبترول.. وإنما نحو الأهم في خـنـق أوروبا واليابان والصين وغيرها.. لتـتسـيد الاقتصاد والقرار العالمي.. وربما مع تعاونها كذلك «مع ما يساورنا من مـد مذهبي أو طائفي أو أحـقاد تاريخيه عمياء أو غيره»..
لتهنأ بمنطقة يقوم غيرها على ما فوق الأرض!! بينما تنفرد هي «في ظنها» بما تحت الأرض..
من هنا يأتي القول إن «العود أحمد».. ليس بالجسد لتراب الوطن فقط.. ولكن لتراب وأعماق الوطن.. بالتماسك.. بالقلب.. بالإخلاص.. بالتآلف.. بالتعايش.. بالأخلاق.. بالفضيلة.. بالغيرة.. باليقظة.. بيد أن «العود» مطلوب في كل المواقف.
«العود أحمد» للمجتمع أن يتضامن.. للآباء في رعاية وتفقد الأبناء.. للأبناء في الالتزام والطاعة.. للمتـشـدد أن يتبصر.. للعقائد والمذاهب والأيدولوجيات المحلية أم المستوردة أن تضع مصلحة الوطن فوق أي مصالح.. للفرد أن يستقيم.. للتحاور أن ينشط.. للتشاور أن يقنع.. للتـقـنـيـن أن يعقل.. للأنظمة ألا تـقـتل أو تـقـسـو على شعوبها.. للشعوب أن تـستـنـيـر بحقوقها..
«العود أحمد» لدعم الجبهة الداخلية والتماسك، سواء أمام الغزو الفكري والمنهجي.. أم أمام الأطماع التي تداهمنا من قريب كان أو من بعيد.. و«العود أحمد» للصدق في التعامل.. للاحترام في السلوكيات.. للآداب في تطبيق النظام.. للكياسة في الحوار.. للتـفهم والتعقل والابتعاد عن التجريح.. ولنبذ النفوذ الذاتية والفوقية المؤلمة..
«العود أحمد» لتلاحم الجبهة الداخلية.. وبألا تنكسـر.. لأنها أهم مركز للدفاع عن الأمة.. و«العود أحمد» للإصلاح والتطوير بما يحـقق المزيد من الحريات وكرامة الإنسان.. مواطنا.. أم مقيـما أم زائرا كـان..
«العود أحمد» أمام ضعف قد تـتوافـق سلبياته وتـتزامن مع أطماع يسعدها التـفكك لتكتال الغنيمة.
دعونا جميعا نعود إلى الوطن.. ننكب عليه.. نحميه.. بأخلاق كريمة.. باحترام متبادل.. بمشورة وتـشاور.. بحرية وكرامة.. بيقظـة وإنصاف.. بفـداء وتضحية.. باتـفـاق ووفـاق.. بتـفاصيل دستوريه تداوي كافة الثغرات وتغطي الاحتياجات وتمنح الضمانات.
«العود أحمد» للجميع.. رجالا ونساء.. كبارا أم صغارا.. حاكمين أم محكومين.. مسؤولين أم مواطنين.. أثرياء أم فقراء..
لقد نجحت شعوب نـتـيجـة احتضانها لثقافة التعامل والمعاملة حين أرسى لنا الإسلام أفضلها. لأن الدين المعاملة.. وقال عليه أفضل الصلاة والسلام «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»..
إن مفتاح العودة يتركز في الأخلاق.. وباب العودة يقوم عاموده في المعاملة.. والهدف تماسك الوطن كيفما يكون.. وبمزيد من الإصلاح ليسير نحو تحقيق كافة المكتسبات والحقوق والحريات.. «العود أحمد» لثـقافة التعامل بأخلاق نظمها الإسلام فجعلها قاعدة وهرما لمسالك الحياة.. ومنحها ثقافة تعمل بها الشعوب والإنسانية.. لتحيا بسلام وأمان.. وعدل وميزان.. وإنصاف وإتـقان..
الهدف.. «التماسك».. والطريق إليه «المعاملة» وديدنه إن لـم يكن روحه «الأخلاق».. والحق والصدق.
فا.. «العود أحمد».. لدرء الأخطار.