أطـفال سوريـا بـين الجـوع والشـتاء والشـلل
الأربعاء / 10 / محرم / 1435 هـ الأربعاء 13 نوفمبر 2013 19:11
غازي عبداللطيف جمجوم
تدخل المأساة السوريـة عامها الثالث مع مزيد من الكوارث. تسعة ملايـين مهجـر ونازح من داره. أكثر من مائة ألف قتيل. الجوع ينتشر بشكل كبير مجبرا بعض الناس على أكل لحم الكلاب والقطـط وأوراق الشجر. سوء التغذيـة يضعف مناعة الأطفال بصفة خاصة ويجعلهـم عرضة لكافة أنواع الأمراض. الشتاء يقـترب مجددا تحت ظروف أكثر صعوبة من السابق. أتحدث عن بعض المشكلات الصحية تاركا أمورا أخرى أساسية من حقوق الطفولة مثـل التعليم الذي يبدو للأطفال السوريين كترف لا يطمح أحد في التفكير فيه أمام تأمين المأوى والطعام والدفء ودرء الأمراض القاتلة. تردي الأحوال المعيشية والنظافة والصرف الصحي يخلق بيئة مناسبة لظهور أوبئة كانت غائبة أو تحت السيطرة مثـل أمراض الجهاز التنفسي والحصبة والتيفوئيد والتهاب الكبد وأمراض الجهاز الهضمي مثـل الإسهال والكوليرا وغيرها. انهيار نظام الرعاية الصحية في كثـير من مناطق الصراع يؤدي إلى عودة أوبئة كانت قد اختفت منذ سنين أخص منها شلل الأطفال الذي تخلصت منه سوريا منذ 14 عاما ولكنه عاد بقوة في الأسابيع القليلة الماضية مخلفا 22 حالة في ديـر الزور قد تـتبعها حالات كثيرة إذا لم يتـم تنشيط حملات التطعيم المكثفة ضد هذا المرض. تـم عـزل فيروس الشلل من عشر من هذه الحالات مما يؤكد الانتشار الواسع للفيروس وينذر بحدوث وباء كبير. شلل الأطفال مرض لا يمكن علاجه وتبقى بصمته في المجتمع لسنوات طويلة تمتد عبر حياة الأطفال الذين يصابون به الآن. عودة الشلل تمثـل انتكاسة كبيرة للجهود العالمية التي نجحت في استئصال هذا المرض من جميـع دول العالم ما عدا ثـلاث دول ــ باكستان وأفغانستان ونيجيريا. للأسف الانتصار التام على الشلل لم يكتمل بسبب الحروب والنزاعات في دول مختلفة . وها هو الشلل يعود إلى سوريا ، بعد أن عاد قبل بضعة أشهـر إلى الصومال التي كانت هي أيضا خالية منه منذ سنوات. فيروس الشلل أثبت مكررا قدرته على الانتقال من دول بعيدة موبوءة. وهو لا ينتـقل فقط عبر المرضى المصابين بالشلل ولكن أيضا عبر الأصحاء الذين يصيبـهـم الفيروس بالعدوى ولكن ليس بالمرض. الشلل لا يحدث إلا في حالة واحدة من بين 200 حالة إصابة بالعدوى ، وهذا من لطف الله. ولكنه يعني أيضا أن الفيروس ينتـقل في الخفاء بين الأصحاء. ومنذ بضعة أشهـر تـم عزل فيروس مشابه للفيروس الموجود في الباكستان من عينات من الصرف الصحي في مصر ولبنان وفلسطين المحتـلة مما يدل على أن الفيروس يبقى في هذه البيئة مستعدا للوثوب على الأطفال الذين لم يتـم تطعيـمـهـم. انتشار الفيروس في سوريا يشكل تهديدا جديدا لكافة الدول المجاورة ، بل حتى لدول أبعد ، وفقا لحركة انتقال الناس إليها. وقد دقت بعض الدول الأوروبية ناقوس الخطر خوفا من انتقال الوباء من سوريا إليها. لذا فإن مكافحة الوباء في سوريا ضرورية لحماية العديد من الدول الأخرى منه. يتطلب ذلك إعطاء ملايين الجرعات من اللقاح بسرعة للأطفال في سوريا وخارجها. هل يمكن ذلك في ظل الحصار الغاشم الذي يفرضه النظام السوري على المناطق التي تخضع لسيطرة القوات المعارضة. أقرأ مقالة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مجلة «فورين بوليسي» ترجمة جريدة الحياة ، التي يحمل فيها النظام السوري المسؤولية في عرقلة وصول الإعانات الإنسانية وجهود الإغاثة إلى المحتاجين في المناطق المنكوبة كما يحمل الدول المناصرة للنظام السوري قدرا كبيرا من المسؤولية . تعكس مقالة كيري حالة العجز الدولي في مواجهة مأساة إنسانية هائلة أخرى. إلى متى يستـمـر مسلسل الكوارث وصور البؤس التي لا تليق بالقرن الواحد والعشرين وعودة الأوبئة التي تجاوزت أوان استئصالها؟ إلى متى يستـمـر غياب القوانين التي تفرض على كافة أطراف النزاعات المسلحة في جميـع الأماكن السماح بوصول المساعدات الغذائية والطبية الدولية إلى الضحايا الأبرياء على جميع الجوانب. أرجع إلى أطفال سوريا، وإلى الجوع، والشتاء القادم، وفيروس الشلل وغيره من الأوبئة المتربصة بهم .. وأقول: كان اللـه في عونهم.