لا حياة لمن تنادي
الأحد / 21 / محرم / 1435 هـ الاحد 24 نوفمبر 2013 19:18
حسن النعمي
كلما نشرت مقالا متضمنا نقدا لمشكلة ما أو وضع اجتماعي معين، تأتي تعليقات مختلفة، لكن معظمها بعد الاستحسان تطرح تعليقا قديما جديدا، وهو (لا حياة لمن تنادي). وهذه العبارة جزء من بيت شهير نسي الناس قصيدته ونسوا أيضا قائله، لكن بقيت دلالته، وهذا هو الأهم، وهو في سياقه دال على عدم الإنصات أو الاستجابة للشكوى أو للرأي أو للمشورة. وأصل البيت (لقد أسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادي). والبيت ورد عند أكثر من شاعر على سبيل الاقتباس، منهم عمرو بن معدي يكرب الزبيدي، وكثير عزة، وبشار بن برد، وآخرهم رفاعة الطهطاوي. وهؤلاء الشعراء يتوزعون على عصور تاريخ العرب من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث، مرورا بالعصرين الأموي والعباسي. فهل من دلالة تاريخية؟ لعل هذا يشير إلى تقليد راسخ في ثقافتنا العربية دال على عدم الإنصات الذي دفع الشعراء للتعبير عن حالة عامة، مفادها انقطاع الحوار بين صاحب القرار الذي يصم أذنيه عن كل رأي أو مشورة أو نقد نافع، وبين أصحاب مصلحة عامة هدفهم تبليغ الرسالة والبحث عن جدوى الرسالة.
ومفارقة استحضار الحياة والموت هنا تؤكد درجة من درجات تشبيه مقلوب المعنى. فالنداء في الأصل للأحياء دون الأموات، إلا في حالة هذا البيت الذي وصل إلى حد تأكيد إمكانية سماع الموتى للرأي والمشورة لو كان النداء لميت. فالحياة هنا ليست حياة فاعلة، بل حياة طفيلية تعيش على هموم الناس ولا تكترث بعموم المصلحة.
(لا حياة لمن تنادي) قول يحضر عندما تكون المقالات التي يكتبها كتاب الرأي بروح نقدية، تصف وتحلل ظاهرة ما من الظواهر التي تشغل عموم المجتمع. وخطاب (لا حياة لمن تنادي) موجه بعبارة تبدو رمزية ليس من الكتاب، بل من القراء لأحد المسؤولين عن قضية قيد النقاش أو من بيده تغيير الواقع السلبي في شأن ما، لكن لسر من الأسرار العظمى لا يحرك ساكنا. وكأن هناك منهجية عجيبة في ارتكاب الأخطاء، التي لا تقبل المراجعة والمساءلة، منهجية تتغذى دائما على عدم الاستجابة لأي نداء مهما كانت جدواه طالما أنه صادر ممن لهم حاجة. فحياة المسؤول بهذه المنهجية عبث لمن ينتظر الإصلاح، لمن ينتظر يقظة الضمائر.
عبارة (لا حياة لمن تنادي) تطلق دائما مصحوبة بآهة تدل على استحالة صلاح الحال. فهل الأمر دال على أن اليأس مطبق على من ينتظر الحل؟ هذا اليأس هو المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والخل الوفي. هذا المستحيل يتجسد في مسؤول يمكن أن يستجيب بطريقة غير إعلامية، بطريقة تعكس الحرص والأمانة، هذا المستحيل يتجسد في مسؤول يمكن أن يعتذر عن أخطائه، يمكن أن يقدم استقالته إن أخطأ. فحياة المسؤول تجاوزت لغة النداء الذي ينتظر الاستجابة، إلى لغة استعلائية تبرر الخطأ على أنه من حقد الآخرين عليه، لغة استعلائية لا ترى في الإنصات مبررا. فنظريات الفيزياء عاجزة عن فهم ظاهرة النداء الذي لا يصل إلى المسؤول رغم تعدد قنوات التواصل، المسموعة والمرئية، الخاصة والعامة، الورقية والإلكترونية، لكن كلها تتقهقر أمام فيزياء المسؤول التي لا يعرف رموزها سواه، يدخرها لنفسه فلا يصل إليه نداء شارد، أو نداء حائر على صفحات الجرائد، أو مشاهد فيديو عن حقائق الخراب والإهمال في مرافق حيوية، هي ركائز التنمية كالتعليم والصحة والتخطيط والوظائف والبنى التحتية وغيرها.
عبارة (لا حياة لمن تنادي) تحولت إلى موقف جماعي، تحولت إلى اعتقاد وصل إلى عدم الجدوى من النداء طالما أن لا إجابة ترتجى. هذا اليأس يؤدي بدوره لعدم المبالاة في شؤون أخرى. فكل سلبية تصدر عن المواطن مردها انفصال جذري بين المسؤول والمواطن. ففي ظل هذه الظروف يمكن أن يحل الضياع، وتتضخم الأنا وتشتد سطوتها على كل ما يمس أمن واستقرار المجتمع.
ومفارقة استحضار الحياة والموت هنا تؤكد درجة من درجات تشبيه مقلوب المعنى. فالنداء في الأصل للأحياء دون الأموات، إلا في حالة هذا البيت الذي وصل إلى حد تأكيد إمكانية سماع الموتى للرأي والمشورة لو كان النداء لميت. فالحياة هنا ليست حياة فاعلة، بل حياة طفيلية تعيش على هموم الناس ولا تكترث بعموم المصلحة.
(لا حياة لمن تنادي) قول يحضر عندما تكون المقالات التي يكتبها كتاب الرأي بروح نقدية، تصف وتحلل ظاهرة ما من الظواهر التي تشغل عموم المجتمع. وخطاب (لا حياة لمن تنادي) موجه بعبارة تبدو رمزية ليس من الكتاب، بل من القراء لأحد المسؤولين عن قضية قيد النقاش أو من بيده تغيير الواقع السلبي في شأن ما، لكن لسر من الأسرار العظمى لا يحرك ساكنا. وكأن هناك منهجية عجيبة في ارتكاب الأخطاء، التي لا تقبل المراجعة والمساءلة، منهجية تتغذى دائما على عدم الاستجابة لأي نداء مهما كانت جدواه طالما أنه صادر ممن لهم حاجة. فحياة المسؤول بهذه المنهجية عبث لمن ينتظر الإصلاح، لمن ينتظر يقظة الضمائر.
عبارة (لا حياة لمن تنادي) تطلق دائما مصحوبة بآهة تدل على استحالة صلاح الحال. فهل الأمر دال على أن اليأس مطبق على من ينتظر الحل؟ هذا اليأس هو المستحيل الرابع بعد الغول والعنقاء والخل الوفي. هذا المستحيل يتجسد في مسؤول يمكن أن يستجيب بطريقة غير إعلامية، بطريقة تعكس الحرص والأمانة، هذا المستحيل يتجسد في مسؤول يمكن أن يعتذر عن أخطائه، يمكن أن يقدم استقالته إن أخطأ. فحياة المسؤول تجاوزت لغة النداء الذي ينتظر الاستجابة، إلى لغة استعلائية تبرر الخطأ على أنه من حقد الآخرين عليه، لغة استعلائية لا ترى في الإنصات مبررا. فنظريات الفيزياء عاجزة عن فهم ظاهرة النداء الذي لا يصل إلى المسؤول رغم تعدد قنوات التواصل، المسموعة والمرئية، الخاصة والعامة، الورقية والإلكترونية، لكن كلها تتقهقر أمام فيزياء المسؤول التي لا يعرف رموزها سواه، يدخرها لنفسه فلا يصل إليه نداء شارد، أو نداء حائر على صفحات الجرائد، أو مشاهد فيديو عن حقائق الخراب والإهمال في مرافق حيوية، هي ركائز التنمية كالتعليم والصحة والتخطيط والوظائف والبنى التحتية وغيرها.
عبارة (لا حياة لمن تنادي) تحولت إلى موقف جماعي، تحولت إلى اعتقاد وصل إلى عدم الجدوى من النداء طالما أن لا إجابة ترتجى. هذا اليأس يؤدي بدوره لعدم المبالاة في شؤون أخرى. فكل سلبية تصدر عن المواطن مردها انفصال جذري بين المسؤول والمواطن. ففي ظل هذه الظروف يمكن أن يحل الضياع، وتتضخم الأنا وتشتد سطوتها على كل ما يمس أمن واستقرار المجتمع.