كم مِـن أمـثـاله بينـنا

اعتدال عطيوي

يعـترض الكثيرون على الشريان ويعتبرونه نموذجا متشددا عصابيا يثـير الزوابع. ولكنى أراه وطنيا بامتياز يلمس المفاصل الموجعة التي يخشى الكثيرون الاقتراب منها.
ولعل من أهم طروحاته وضع الفكر الإرهابي التكفيري تحت المجهـر بلسان أصحابه وشهاداتهم الشخصية وليس تناقلا أو استقراء يحتمل اللبس والتفسيرات المختلفة المحملة بالاتهامات من أنصار ذلك الفكر المعلنين أو الظلاميين المتصيدين في الخفاء.
وأدعوه بشدة إلى مواصلة تلك المكاشفات لما لها من آثار إيجابية على كشف المستور من عورات ذلك الفكر للسواد الأعظم في المجتمع لما حركه ذلك المجهر من ردود أفعال مختلفة وتساؤلات ملحة وهامة في المجتمع لابد من بحثها وضبطها بجدية أكـثر.
ورغم تجرع مجتمعنا لويلات الإرهاب إلا أن تلك اللقاءات أظهرت مدى جهل الجمهور عامة بتفاصيل هذا الفكر وخطورته فضلا عن وجوده بدليل تناقله المذهل عبر وسائل الاتصال الاجتماعي وتفجيره للنقاشات والحوارات بين كافة فئات المجتمع حتى التي قد يكون أقصى اهتمامها ارتفاع أسعار الطماطم وهنا يبرز دور الإعلام الخطير والهام في تغيير الفكر المجتمعي وقيادته نحو الحقيقة وهو خيط هام يجب التقاطه والعمل عليه بجدية وتعمق.
كما كشفت للجمهور أن أولى خطوات هذا الفكر تبدأ بغلوه الشديد وتحولاته من فكر متراكم إلى تأييد ملتزم وتشبع ثم سلوك عنيف فردي أو جماعي وقد أقر العبسي صراحة أنه وحده من خطط ورسم وجهز وقرر أن يقوم وحده بعملية إرهابية عندما رفض البعض مشاركته وهنا تكمن خطورة التكفير فهو لا يقتصر على كونه موقفا فكريا مجردا بل عند تحوله لسلوك عملي رافض لكل التنظيمات الأمنية والاجتماعية ومؤسساتها ولكل من يخالفه الرأي مما يجعله خطرا حقيقيا على السلم والأمن الاجتماعي ورأينا ذلك عيانا في بعض الأحداث التي قام بها من اعتنقوا ذلك الفكر وتشربوه.
كما كشفت تلك اللقاءات جليا أن السناني وغيره ليس عودا جافا متيبسا وحيدا يعيش في سياق مختلف خارج الزمان والمكان تـتآكله أفكاره المريضة كما تبدو للوهلة الأولى.
ولكنه جزء من منظومة فكرية تعيش بيننا وتحظي بالتأييد والحماس والمتابعة بدليل وصف البعض للسناني بأنه مدرسة في الثبات والطلاقة والصدق وطهارة القلب والدعاء له بالحفظ وكل مايدخل تحت منظومة المريدين والتابعين ممن يسيرون ويعتنقون جزئيات من هذا الفكر أو كله متجاهلين عن عمد كل التكفير والهجر للمجتمع والحياة التي وردت فيه بل ودعوة المريدين وطلبة العلم إلى المطالبة بالإفراج عنه حتى وإن اختلفوا مع أفكاره وقد أقامو حملة أسموها «فك العاني عن السناني» تظهره ملاكا مضطهدا يقاسي الأمريـن ظلما وتعذيبا وقد نفى بنفسه ذلك مؤكدا على إصراره بالتزامه بهذا الفكر.
مما يوضح أسلوب التجيـيش الفكري الضاغط الذي يتخذه هؤلاء بصرف النظر عن قناعتهم الفكرية والذي يلزم الداخل تحت جناحهم بالطاعة العمياء للرموز مهما تكن شطحاتهم وخروجاتهم عن السياق الفكري والتنظيم الأمني والاجتماعي فالولاء للفكر قبل كل شيء ومن تسول له نفسه التوبة أو الخروج عن ذلك يتعرض للطرد والتهجم بل والإيذاء المعنوي والجسدي كما أوضح العبسي الذي استضيف في الحلقة التالية.
مما يدفعنا للتساؤل الملح تـرى كم من سناني بيننا يفكر ويعيش ويسلك بنفس الطريقة وما مؤدى فكره هذا وأثره في المجتمع لو كان تربويا أو قائدا اجتماعيا أو في موقع يتيح له اتخاذ قرارات مؤثرة في المجموعات خاصة لو أخذنا في الاعتبار تراكمية هذا الفكر من جهة وسريـته من جهة أخرى.
وليس ذلك بالتساؤل العابر بل لابد من بحثه وتدارسه بعمق من ذوي الاختصاص والخبرة للوصول إلى تخطيط دقيق ومدروس لتفكيك هذا الفكر تدريجيا وتخفيف حدته خطورته في المجتمع خاصة لو أخذنا في الاعتبار شبابية مجتمعنا وهي المرحلة المعروفة بالاندفاع والاستجابة السريعة للمؤثرات ووجود بنية فكرية مؤيدة سرا أو علانية ترمي بمزيد من الحطب وتنفخ في صغار الشرر وتشكل محاضن للعنف نائمة ظاهريا..
ولعل أول خطواتنا الإعلام والتعليم فمسؤوليتهما أساسية ودورهما عميق ومؤثر فإن بدأنا بخطوة الشريان فعلينا أن نكملها بخطوات متلاحقة متعمقة ومدروسة.