المـتـروكـة

اعتدال عطيوي

أسمعتـم عن المتروكة؟ لا أعتقد كثيرا ولكني عايشت تلك الحالات مطولا وتجرعت معها مرارتها في عدم الإنصاف الاجتماعي من كل الأطراف فمحسوب عليها كل خطواتها ومراقبة جيدا بمنظار كبير وغاشم ومحسوبة عليها كل سكناتها ولو خرجت لطلب الرزق لاحقتها عشرات الألسن والنظرات تلتهما بلا شفقة متجاهلة ضعفها وحاجتها.
أما المؤسسات الاجتماعية فبحكم النظام لا تستطيـع أن تقدم لها أي خدمة أو مساعدة حيث اقتصرت المساعدات على الأرامل والمطلقات.
هل عرفتموها.. إنها المرأة، إنها التي يختفي زوجها فجأة إما هربا من المسؤولية أو عنادا لها أو زواجا وحياة أخرى في منطقة أو بلد آخر، أي باختصار يحولها فجأة من ربة منزل إلى أم، وأب، ومعيل، وراع للأطفال.. وهنا عقدة المنشار العويصة.
فعندما تكون المتروكة موظفة يظل الأمر في ركن الواجب الأخلاقي والاجتماعي للزوج المغادر رغم مافيه من معاناة نفسية واجتماعية.
ولكن الحاجة المادية القاسية والأفواه المتطلعة هي التي تجعل الأم وأولادها في دوامة البحث عن إعالة وهذه العوائق التي تواجهـها المرأة التي يكون مصدر دخلها الوحيد الزوج الهارب.
فما الذي تستطيعه امرأة لاحول لها ولا قوة ولا مصدر للدخل إزاء هذه المهمة التي تـتطلب توفير الطعام والشراب والإيجار والكهرباء والماء وكل الأعباء الحياتية المترتبة على وجود أسرة تعيش وتـتنفس على هذه. خاصة إذا لو كانت هذه المرأة غير متعلمة ولا تـتقن حرفة أو أن مؤهلها التعليمي بسيط لايتناسب مع سوق العمل فليخبرني أحد عباقرة التخطيط الاجتماعي كيف يمكن أن تواجه امرأة وحيدة مثـل ذلك وما الذي تستطيعه.
خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن كل منظمات ومؤسسات العمل الاجتماعي لا تقدم لها المساعدة لأنها في المستندات الرسمية معالة أي لها دخل وهذا يكفيهم فالإنسان في النهاية ضحية المعلومات.
أما القراءة الحقيقية لواقع هذه المرأة وأسرتها فلا يعبأ به إلا القليل من فاعلي الخير من أهلها أو جيرانها ولكنه من باب التيسير أو الصدفة ولا يمكن اعتباره حلا لمثـل هذه الحالات وهي للعلم ليست قليلة ولا نادرة كما يحلو للبعض تأكيده دائما.
وقد واجهت خلال عملي كأخصائية اجتماعية عشرات الحالات مثـل هذه درت معهن في فلك شائك بين سندان الحاجة والبديـل، وقد وفقني الله باختراع أساليب مناسبة لإيجاد مداخـل لهـن كإقراضهـن مبالغ بسيطة لبدء تجارة نسائية تقتصر على الجيرة ونجحت بعض التجارب وفشلت أخرى ولكنه يظل حلا فرديا يتلاشى بمغادرة صاحبه العمل أو المكان.
ونحن نريد حلا اجتماعيا عادلا لتلك النسوة اللاتي تعلقـن في شراك زوج هارب فلا هـن حصلـن على معونة اجتماعية ولا إنصاف اجتماعي من أي نوع.
وأعتقد أنه من المهم والضروري أن تعيد المؤسسات الاجتماعية الحكومية والأهلية النظر في أحكامها وشروطها تجاه هذه الحالات وتطلب الضمانات المؤكدة لهجران المعيل من المحكمة أو العمدة أو نحوه،
لأن هجران المعيل وهربه قد يستـمر سنوات طويلة يكبر الأبناء وتهـرم الأم وتصبح غير قادرة على العمل ورعاية المراهقين ومتابعتهـم وتـزداد أعباؤها إذا حوت أسرتـها مرضى وكبارا في السن فتصبح حينئذ أكبر من إمكانياتها فالكل يتطلع إليها ويأمل منها الحل وهي محكورة ومقيدة ولا حلول لديها، وأرى أن الجميـع صامت في وجه هذه الحالات ولا يحرك ساكنا.. وإنني أناشد وزارة العدل والشؤون الاجتماعية بدراسة واقع هذه الأسر ومعيلاتها المناضلات في دروب الحياة بهدف تربية أبنائهن بكرامة وشرف لإيجاد حلول منطقية وواقعية لهن في هذه الدوامة المخيفة التي يعشن فيها.