بعد صدور نظام الحماية من الإيذاء: من يحمي أطفالنا ؟

أميرة كشغري

أتردد أحيانا في الكتابة عن موضوع خضت فيه من قبل مع الخائضين، وكتبت أنا وغيري عنه عشرات ــ إن لم تك مئات ــ المقالات، ونوقش في الملتقيات والندوات والقنوات حد التخمة فوق الإشباع. ولكن رغم كل ذلك، تظل تلك المواضيع حية وكأن لم يتغير شيء كثير في التعامل معها. مثل هذه المواضيع كثيرة، وأبرزها ما يتعلق بقضايا المرأة كالوصاية، وقيادة السيارة، والمحرم، وغيرها. ومنها كذلك قضايا العنف ضد الأطفال، التي كتبت فيها وعنها الكثير لدرجة أصبحت أشعر بأنني أردد ذاتي كل مرة أجد نفسي مرغمة على الكتابة حول الطفل وحقوقه.
تفيد الإحصائيات بازدياد حالات العنف ضد الأطفال بشكل خاص، وهي ظاهرة مقلقة، حيث تصل أرقام العنف الجسدي ضد الأطفال إلى درجة مخيفة. ويحصل العنف الجسدي بنسبة 32 في المائة في الأطفال أقل من 5 سنوات، بينما 27 في المائة في الأطفال بين 5 ــ 10 سنوات، و27 في المائة في الأطفال بين 10 ــ 15 سنة، و15 في المائة في الأطفال بين 15 ــ 18 سنة.
الأسبوع الماضي وحده حمل أخبارا موجعة عن عدد من حالات عنف ضد الأطفال، آخرها حالة عنف ارتكبها أب ضد ابنه ذي العشر سنوات. وهي ــ كما يقول الخبر ــ أول حالة عنف في محافظة جدة منذ بدء تطبيق نظام الحماية من الإيذاء الجديد. الجديد في الحالة الأخيرة أنها وقعت بعد إصدار قانون الحماية من الإيذاء، ولا أعرف على وجه اليقين كيف سينعكس ذلك على التعامل مع هذه الحالة. يقول الخبر إنه تم استدعاء الأب والذي أقر أوليا بأنه عنف ابنه بسبب إهماله في دراسته، رغم أن المعلومات كشفت أن الطفل يتمتع بسلوك ومواظب على دراسته. يقول الخبر «إنه سيم اتخاذ الإجراءات اللازمة عقب الانتهاء من التقرير الطبي، في حين تم أخذ التعهد على الأب إلى حين اتخاذ الإجراءات النظامية وإحالة الملف إلى الجهة المختصة». وأضاف الخبر أن «إدارة الحماية الاجتماعية ستجري بحثا اجتماعيا متكاملا لأسرة الطفل المعنف لمعرفة المزيد من التفاصيل، فضلا عن التأكد من عدم تعرض أي من أفراد الأسرة إلى عنفٍ مماثلٍ».
الخبر ــ كما نقلته ــ ما زال يكشف عن غموض في التعامل مع حالات الإيذاء، حيث وردت عبارات مثل «الجهة المختصة» «الإجراءات النظامية»، وهي عبارات غير واضحة، خصوصا بعد أن صدر نظام الحماية وصدرت لائحته التنفيذية التي بينت الإجراءات النظامية وحددت بدقة الجهات المختصة بالتعامل مع حالات العنف ضد الأطفال. ولذلك فهي لا تعطينا الثقة والاطمئنان بأن هناك إجراءات نظامية محددة ستتم بشكل واضح لا يقبل التكهنات ولا انحراف القضية إلى مجرى آخر يضيع حق الطفل المعنف من أبيه.
لا شك أن نظام الحماية من الإيذاء من شأنه أن يعالج ويحد من حالات الإيذاء والعنف الأسري ويردع من يتسبب في هذا الجرم الإنساني. ولكن يظل الإعلان عن الإجراءات النظامية بشكل واضح للجميع وتطبيق النظام هو ما نريد أن نسمعه عند قراءة خبر عن أي قصة إيذاء للأطفال، ومن ثم نرى الإجراءات القانونية مطبقة في النهاية، بحيث لا تضيع القضية وننسى نتائجها ويظل اسم الضحية وحده محفورا في ذاكرتنا. ولا شك أن المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني تسعى لتسليط الضوء على رعاية الطفل الصحية ورعايته الاجتماعية، وكذلك تفعل الجمعيات الخيرية والبرامج الوطنية الهادفة لحقوق الطفل وحمايته من العنف. إلا أنه رغم كل الجهود المبذولة من قبل هذه المؤسسات، ما زالت حماية الطفولة في مجتمعنا أشبه بريشة في مهب الريح. والسبب في ذلك هو تلك القوانين الفضفاضة والعقوبات المترهلة التي لا تضمن حق الأطفال الأساسي في الحياة بعيدا عن آباء معروفين بسلوكياتهم العدوانية وممارستهم للعنف على أفراد أسرتهم. إن العقوبات الرادعة وحدها لن تقف حائلا دون ارتكاب مثل هذه الجرائم من قبل الآباء المختلين سلوكيا والمرضى نفسيا، فهم ــ عاجلا أو آجلا ــ سوف يمارسون سلوكهم العدواني ضد أطفالهم. لذلك لا بد من نزع الولاية والحضانة عن مثل هؤلاء الآباء.
إن حالات العنف ضد الأطفال ما زالت محفورة في ذاكرتنا ووجداننا. إذ كيف ننسى الطفلة المعنفة «لمى»، والتي لقيت حتفها بعد أشهر من التعنيف الجسدي البشع على يد أبيها؟ أو الطفلات غصون وتالة وحنان، وغيرهن كثيرات. ولكننا ما زلنا إما غير عارفين بما تم من عقوبات ضد الجاني، أو غير مقتنعين بجدوى تلك العقوبات.

akashgary@gmail.com