ضرورة الاتحاد والخصوصية

نجيب الخنيزي

اختتم قادة دول مجلس التعاون الخليجية أعمال قمتهم الـ 34 في الكويت بإصدار بيان ختامي وإعلان الكويت، اللذين يحددان موقف المجلس من المواضيع السياسية والاقتصادية والأمنية والتنموية التي تهم دولهم. على الصعيد الاقتصادي والتنموي، تضمن البيان العديد من التوصيات والقرارات التي اعتمد ها المجلس الأعلى، من بينها القواعد الموحدة في مجال تكامل الأسواق المالية بالدول الأعضاء، واطلع على تقارير متابعة الربط المائي والأمن المائي، وأحيط علما بسير العمل في الاتحاد النقدي لمجلس التعاون والخطوات التي اتخذتها دول المجلس لتنفيذ السوق الخليجية المشتركة، كما أحيط علما بأن الدول الأعضاء بدأت في إنشاء مشروع سكة حديد مجلس التعاون وعمدت الشركات الاستشارية لإعداد التصاميم الهندسية الأولية أو التفصيلية للمشروع لاستكمالها خلال عام 2014؛ تمهيدا لإنشاء المشروع ومن ثم تشغيله في الوقت المتفق عليه في عام 2018. على الصعيد الأمني، أقر قادة مجلس التعاون الخليجي الأربعاء إنشاء «قيادة عسكرية موحدة» لدول المجلس. وقال البيان الختامي للقمة إنه «استكمالا للخطوات والجهود الهادفة لتعزيز أمن واستقرار دول المجلس، وبناء منظومة دفاعية مشتركة لتحقيق الأمن الجماعي، وافق المجلس الأعلى على إنشاء القيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس». كما «كلف مجلس الدفاع المشترك باتخاذ ما يلزم من إجراءات للبدء في تفعيلها وفق الدراسات الخاصة بذلك». من جهة ثانية، أكدت القمة على دعم تطلعات الشعب السوري وكفاح المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، كما رحب البيان بـ«التوجهات الجديدة» للقيادة الإيرانية تجاه دول المجلس، ودعا إلى تنفيذ «دقيق» للاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. مع أهمية هذه القضايا غير أن القضية المركزية والمحورية، وأعني هنا البدء بتحقيق خطوات عملية وجدية لقيام الاتحاد الخليجي، والذي كان في صلب قيام دول مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو (أيار) 1981، وانطلاقا من مبادئ إعلان تأسيسه ونظامه الأساسي وقراراته (معظمها لم تفعل). غير أن الملاحظ هو تغييب هذه القضية المركزية عن جدول أعمال القمة، وقد يعود ذلك لأسباب متباينة، من بينها تردد بعض دول مجلس التعاون إزاء مجرد مناقشة هذه القضية المركزية والمحورية، أو إدراجها في جدول الأعمال، مع أنها تتفق وتلتقي مع طموحات وأهداف ومصالح مواطني دول الخليج العربية في تحقيق مزيد من التعاون والتكامل، وصولا إلى تطوير وبلورة هذه الصيغة شكلا ومضمونا باتجاه بلورة حالة أرقى من أشكال الوحدة والاتحاد (الكونفدرالية) الخليجية، خصوصا مع توفر العوامل لنجاح هذا التوجه بدرجة أكبر مما في مناطق وأقاليم عربية أخرى، ويكفي أن نشير إلى أن أول تجربة وحدوية عربية ناجحة في العصر الحديث تحققت في الجزيرة والخليج العربي في الثلاثينات من القرن المنصرم، عندما تأسست المملكة العربية السعودية، وأمامنا أيضا التجربة الناجحة الأخرى المتمثلة في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في مطلع السبعينات. صحيح أن الظروف التاريخية والعوامل الموضوعية قد رسخت إلى حد بعيد الكيانات والمجتمعات الخليجية في بلدان (قطرية) مستقلة ذات سيادة على غرار الأقطار العربية الأخرى، كما أن مستويات تطورها السياسي والاجتماعي والثقافي (في الوقت الحاضر) متباين، وهذه وقائع لا يمكن القفز عليها، بل يجب أخذها بعين الاعتبار لدى التطرق والبحث عن أساليب وآليات جديدة لتطوير العمل الخليجي المشترك. هناك حقائق تاريخية وجيو/ سياسية لا يمكن القفز عليها، فمنطقة الخليج والجزيرة العربية تشكل كيانا جغرافيا واحدا وتمتلك جذورا تاريخية مشتركة وخصائص اجتماعية وثقافية ولغوية وإثنية متماثلة، كما أن نظمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية متشابهة، وقبل كل شيء فإن مصالحها ومصيرها ومستقبلها ووجودها مرتبط بمدى النجاح في تحقيق أقصى درجات التنسيق والتكامل على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والأمنية، خصوصا في ظل العولمة وبروز التكتلات الإقليمية والقارية والدولية الكبرى، ومحاولات القوى الإقليمية والدولية (خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر والتطورات الجارية في العراق) ترسيخ وجودها ومصالحها وتوسيع نفوذها في المنطقة واستغلال موقعها الجيواقتصادي في المنافسة والصراع الدولي، في عالم لا مكان فيه للكيانات الصغيرة. علينا استيعاب الدروس من تجربة دول الاتحاد الأوربي الذي يضم بلدانا وشعوبا تختلف من حيث منحدراتها القومية والإثنية واللغوية والثقافية، وحكمها تاريخ طويل من المنازعات والحروب الدامية، ومع ذلك استطاعت تجاوز كل التناقضات والصراعات والعداوات وأقامت كيانا سياسيا واقتصاديا ونقديا موحدا من أجل تحسين موقعها إزاء المراكز الأخرى في نظام العولمة، ومسيرة الاتحاد الأوربي تؤكد بأن الاتحاد لا يتعارض على الإطلاق مع خصوصية كل دولة من دوله. وهو ما يتطلب مزيدا من الجهد والعمل من قبل القادة والشعوب والنخب السياسية والاقتصادية والثقافية في دول مجلس التعاون، للارتقاء بالعمل الخليجي المشترك وإضفاء البعد والطابع الشعبي، من خلال تحفيز دور الشعوب وتأكيد دور مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في تعميم وتقويم وتصويب مسيرة مجلس التعاون الخليجي، وصولا لتحقيق الاتحاد الخليجي العتيد.

na_alkhonaizi@yahoo.com


للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 738303 زين تبدأ بالرمز 147 مسافة ثم الرسالة