خبز المعلم X المعلم المتصدر

منصور الطبيقي

من المعلمين الذين أثروا في حياتي أبلغ التأثير، معلم لمادة العلوم في مدرسة أحد الابتدائية في البلد بجدة، هذا المعلم المحترم الراقي كان يتفانى في رسالته النبيلة ويبدع في توصيل المعلومات لطلابه، وأذكر يوما أنه كان يشرح موضوعا عن السكريات وأحضر كيسا كبيرا من الخبز الساخن اللذيذ على حسابه وكان الطقس باردا جدا، المهم أنه وزع هذا الخبز الطازج على الطلبة وكان في قمة السعادة، وأذكر أنني قلت له إنني لم أتذوق طعم السكريات جيدا في فمي فلم يمانع إطلاقا في إعطائي قطعة كبيرة أخرى، هذه الأساليب التربوية التعليمية المفيدة والمحببة للطلبة افتقدناها للأسف إلا فيما ندر، وقليل هم الآن هؤلاء المعلمون الأفذاذ الذين نكن لهم كل المودة والتقدير، هذا المعلم المخلص الذي أتمنى أن يكون بخير وليت ذاكرتي تسعفني بتذكر اسمه ووالله لو أقابله اليوم لأقبل رأسه وحتى يده، لما كان له من أثر إيجابي بالغ في حياتي العلمية والعملية، كان بالمناسبة مشرفا للطلبة ولما عرف نهمي وولعي بالقراءة صار يحضر لي مجلة العربي الكويتية بين فترة وأخرى كي أقرأها، هذه المجلة كانت مصدرا ملهما للفكر والثقافة والشعر والإبداع وتختلف عن التي تصدر هذه الأيام، وكان يطلب مني نسخا قديمة من هذه المجلة كانت لدى شقيقي عثمان الذي كان قارئا شغفا هو الآخر.
في الوقت الذي أتذكر فيه هذا المعلم الجهبذ تطالعنا الصحف بخبر قيام معلم بإعطاء تلميذه الدرجة النهائية في الاختبار ليس لأنه أبدع في حل طلاسم الأسئلة أو لأنه أضاف وابتكر شيئا في الإجابة من حصيلته الثقافية والعلمية، ولكن لأنه قام بإطراء فريقه «المتصدر» بالدوري والذي هو فريق معلم المادة أيضا، والمصيبة أنه جعل هذا الثناء كإجابة علمية على سؤال ما، ما هذا السخف والعته!، ألهذا الحد وصل بنا ازدراء العلم!، وأنا لا أتفق مع من قال إن هذا العمل من التعصب، بل هو تحقير للعلم وسطحية ولا مبالاة من المعلم والتلميذ!
لا بد أن يعود للتعليم والتعلم في بلدنا الحبيبة ألقه وتقديره واحترامه، ولابد أن تكون هناك طرق مبتكرة وحديثة للتدريس تبنى على التعرف على المشكلات وإيجاد الحلول لها وأن يكون التلقين فيها في أضيق الحدود إلا في العلم الشرعي، ولابد أن تشجع القراءة، وأن تكون هناك حصص للقراءة والمطالعة في كافة الفصول من الابتدائية للثانوية، فبربكم ماذا تتوقعون من جيل من الطلبة والمعلمين كرسوا جل وقتهم على متابعة الفرق الرياضية وكرة القدم والألعاب الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، أي مخزون علمي أو ثقافي تتوقعون منهم!! ابعثوا المعلمين إلى الخارج ليروا بأم أعينهم كيف يربون النشء ويعدونهم لمستقبل باهر، اذهبوا وشاهدوا كيف يطالع المراهقون بشغف الكتب العلمية والأدبية، فلذات أكبادنا في ذممكم أيها المسؤولون والمعلمون فوالله إنها أمانة في أعناقكم ستسألون عنها أمام الله!