اللعب على الناس والسحر

محمد أبو داود

الذي يعتقد أنه لا يوجد سحر حقيقي وأنه خزعبلات، فهو لا يعرف عما يتكلم. ونريد التفريق بين الدجل والسحر. رأيت رجالا كانوا عقلاء فأصبحوا مجانين وتتحكم بهم نساء مثل الحيوانات الأليفة. ورأيت رجالا مهمين جداً يبكون لأنهم فقدوا السيطرة على رجال قياديين في عوائلهم بسبب السحر. إنها مصيبة دخلت على مجتمعنا ولم يعد هنالك إلا أحاديث تثير المجالس والأعداء يرسلون صواريخهم إلى الفضاء ويسيطرون على التقنية وشتان وبين من يتعامل مع سحره ومواضيع متخلفة وسخيفة. والمشكلة ليست في السحر بقدر ما هو هدم لكيانات عائلية وشركات مهمة وخسائر كبيرة. وتصل بعض الأحايين إلى لجوء البعض إلى شيوخ وسحرة ومتخصصين ومبدعين واستشارات دولية وعبر القارات للوصول إلى حلول. تطورت صناعة أو تجارة حول الموضوع وأشغلت العباد بالموضوع حتى وصل إلى أفضل القنوات الفضائية وتويتر ويوتيوب وتخصصت قنوات الدجل في مواضيع السحر وتفسير الأحلام وفك السحر وجمع أموال المساكين. وحدث أن جلست مع مجموعة ممن أنفقت عليهم الدولة الملايين لتعليمهم في كل دول العالم وكانت سهرة قد بدأت وأنا في الطائرة فوصلت متأخراً إليهم متوقعاً مواضيع اقتصادية أو على الأقل معرفية ولكن فوجئت بأنهم تحدثوا كل الوقت عن السحر والجن ومشاهداتهم للجن فعرفت أنهم شبه مجانين. لأن من يشاهد الجن إما مجنون ومريض نفسي أو به مس من الجن أو يكون هو الجني ولكن في صورة بشر أو مسحور.
خلاصة الموضوع أننا بحاجة لتوجه حقيقي لحماية المجتمع من الدجل. وإذا كانت هنالك تجارة أو سمها ما شئت، فيجب تنظيمها، والغريب أن الإعلام يبحث عن الإثارة فيثير المواضيع والمستفيدين من الموضوع، فيشجع على إقناع الشخص بأنه مسحور. وخلطوا الطب وعلم النفس والتأثير النفسي والتنويم المغناطيسي والأعشاب والزيوت والعسل والقراءة وحتى الحجامة لخلق قطاع ديناميكي ومربح. والغريب أنهم يستعملون بذكاء تزكية المرضى المساكين وأصحاب العقول الرقيقة إلى الغير لإيقاع الفريسة.
وبما أن الموضوع عشوائي وهنالك شك في المصداقية وهنالك مبالغ وصلت تقديرياً إلى عشرين مليار ريال، لا بد من حماية المستهلك ووضع أطر علمية ومنع الخلط بين العلم والفوضى.
وهذا يذكرني ببعض الأفلام المصرية حيث يقوم البطل بخداع الناس ويحصل على الملايين ويصبح له شنة ورنة لأنه يوهم الناس ومنهم شخصيات مهمة في البلد بأن لديه قوة خارقة وهو إنسان ضعيف لا يستطيع فعل شيء. وللأسف يدخل الناس في شركيات دينية لاعتقادهم في البشر أكثر من إيمانهم بالله وهذا شرك أكبر. ومعظم الحالات هي حالات نفسية ونرجسية وسيكولوجية متدمرة وطفولة مليئة بالإيذاء والانحراف الأخلاقي وشرب المسكرات لدرجة الإدمان وربما المخدرات في الحالات المفرطة والمزمنة.
تعليم البعض من هؤلاء لا يتعدى الحفظ وخلط الحقيقي بالخيال للاقتناع. فربما آن الأوان لمنع اللهو بالعباد والتعامل مع المواضيع المهمة وحل مشكلة مبهمة والتعامل معها بحزم. ومعظم المتعاملين في الموضوع سموا وأطلق عليهم لقب «شيخ»، والناس تصدق وتعتقد بهذا المسمى، وربما آن الأوان لتغيير ألقاب الشيوخ بحسب المستوى العلمي أو المنصب، فمثلاً شيخ القبيلة يسمى كذلك فتعرف أنه ليس شيخاً في الدين، أما شيوخ الدين فيعطون مسميات لائقة بمستواهم العلمي. وأنا لست مؤهلاً لتوزيع الألقاب عليهم ولكن ربما يوزعون على عدة درجات فالقاضي غير إمام المسجد وغير المقرئ وغير الفقيه في الفقه أو التفسير المهم أن نسمي الشخص بمسماه حسب علمه.
نعود ونقول التقنين في المسألة وانشغال الناس في أنفسهم واتهامهم للغير بسحرهم أو عينهم أو حسدهم فيضطرون للجوء للمتخصصين لفك السحر ومنع الحسد والعين. ونسوا أن الله أعطاهم أكبر مضاد لكل هذا وأكبر نظام دفاعي والإيمان بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا والمعوذات. ولا أنسى كيف أن الله لا يخذل مؤمناً ويمهل ولا يهمل وينتقم من كل ظالم مهما طال الزمن حتى بعد موته. قدرة الإله أكبر من قدرة البشر والانتقام السماوي قاسي وقادم. فلا يأبه المظلوم والحكمة في رؤية ما يفعله الله بالبشر حين يتجبرون ويفعلون ما نهى الله عنه من ظلم وتجبر، فقدرة الله أكبر. اللهم احفظ عبادك واقلب السحر على الساحر والعين على العائن والحسد على الحاسد.