رضيع الخميس وطفل الأحد مأساة لقتل البراءة بسكين العنف

قانوني يطالب بعقوبات واضحة.. و1600 حالة عنف أسري في عسير

رضيع الخميس وطفل الأحد مأساة لقتل البراءة بسكين العنف

عبدالله آل يحيى (أبها)، نادر العنزي (تبوك)، عدنان الشبراوي، زين عنبر (جدة)

ينظر الكثير من الأخصائيين إلى مسلسل قتل وتعذيب وإيذاء الزوجات والأطفال، على أنه يشكل ظاهرة في المجتمع، وبالرغم من تحذيرات لجان حقوق الإنسان المتكررة إلا أن ذلك لم يحد من تلك الحوادث التي بدأت تشكل خطرا حقيقيا على المجتمع.
ولم يقف ذلك الأمر على التعذيب الجسدي فحسب، بل وصل الأمر في بعض الحالات إلى الأفعال الشاذة بمشاركة الأب والأخ وغيرهما، والذين يتحملون جزءا من المسؤولية حتى لو لم يشاركوا مباشرة في هذا الجرم فعليا، لأن مجرد سكوتهم عن هذا الإيذاء يعد أكبر من المسؤولية.
وفيما تتواصل الحوادث المتفرقة هنا وهناك، تتزايد من آن لآخر الدراسات العلمية لتحليل الظاهرة، أملا في الوصول إلى تداعياتها من ناحية، والعمل على إيقاف نزيف الاعتداء والعنف على الأبرياء من ناحية أخرى.


أكد الخبير النفسي وعضو لجنة العنف الأسري والإيذاء بمستشفى عسير المركزي سلطان الثوبان أنه وصلت إحصائيات الاعتداء على المرأة في السنوات الـ 4 الأخيرة إلى 1600 حالة في منطقة عسير تم مباشرتها في مستشفى عسير المركزي، وإحالة بعض الحالات سلوكيا إلى العيادة النفسية بمستشفى عسير برئاسة الدكتور حسن العمري والفريق النفسي العامل معه وشمل هذا العنف البدني واللفظي والجنسي والاجتماعي والنفسي والصحي والاقتصادي وعنف الإهمال والحرمان.
سقوط الضحايا
ومن نماذج العنف الممارس على الأطفال مقتل الطفل «محمد» 4 أعوام المعروف بطفل الأحد نتيجة العنف الأسري، فيما بين التقرير الأولي الصادر لوفاة الطفل بوجود ضربات وكدمات على الرأس والبطن والخصيتين، ولا زالت التحقيقات جارية مع والديه لمعرفة المتسبب في مقتل الطفل المعنف محمد.
من جهته، أوضح الناطق الإعلامي لإمارة عسير عوض آل سعيد، في وقت سابق، ورود بلاغ من داخل بيت الأسرة في حينه بوفاة الطفل محمد، وتم اتهام شقيقته بالتسبب في وفاته بعد خنقه بحبل عقب تمزيقه لأدواتها المدرسية، مضيفا أن الجهات المعنية حققت في ذلك، وتم وضع الطفل في الثلاجة، ولوحظت على الجثة كدمات وآثار ضربات، مبينا أن أوراق القضية أحيلت للإمارة من الجهات المختصة التي ربطت بين حرص الوالد على سرعة دفن الجثة بوجود أمر مريب في القضية، فوجه أمير المنطقة بإحالة الأوراق لهيئة التحقيق والادعاء العام لتشريح الجثة والتحقيق في سبب الوفاة لكشف الحقيقة بكاملها.
رضيع الخميس
ومن الشواهد القريبة على قضايا تعنيف الأطفال وفاة الطفل المعنف «أمين» المعروف ب «رضيع الخميس»، في ساعات الفجر الأولى، متأثرا بالإصابات البليغة التي لحقت به، ونقل جثمانه للثلاجة لحين استكمال التحقيقات الأمنية، ومعرفة المتسبب في العنف الذي تعرض له الطفل الذي لم يتجاوز عمره عاما وستة أشهر.
وأكد مصدر ل «عكاظ» أن الرضيع المعنف أحضر لمستشفى عسير المركزي وهو في حالة توقف تام للقلب مع شخوص لحدقتي العين وتم إنعاش قلبه لمدة 45 دقيقة حتى عاد له نبضه وظل في غيبوبة لمدة يومين حتى توفي، مرجعا وفاة الطفل إلى ضربات في الرأس أدت إلى نزيف حاد، مع كدمة قوية خلف الأذن، إضافة إلى وجود أكثر من أثر للحروق في الصدر وعضات في البطن وتهشم في الرئة. وبين المصدر أن والد الطفل متزوج بأربع نساء، ولديه 25 من الأبناء ما بين ذكور وإناث، وكان مندهشا مما حدث لابنه، وذكر أنه لا يمكن أن يقتل ابنه الرضيع بهذه الوحشية.
وأشار المصدر إلى أن الأب ادعى أن الرضيع تعرض لتلك الإصابات إثر سقوطه من دراجته التي كان يلهو بها، الأمر الذي استنكره الأطباء مستغربين منه التبرير غير المقنع، مؤكدين أن الرضيع لا يمكنه قيادة دراجة، كما أن الإصابات التي انتشرت في أجزاء جسده كافة لا يمكن إطلاقا أن تكون نتيجة سقوط من دراجة.
بدوره أكد لـ«عكاظ» الخبير النفسي وعضو لجنة العنف الأسري والإيذاء بمستشفى عسير المركزي والمشرف على حالة الطفل المعنف سلطان الثوبان أن الرضيع تعرض لحالة عنف من الدرجة الأولى من شخص سادي الصفة مع وجود ضربات وكدمات قاتلة في الرأس والبطن والأطراف، مبينا أنهم أخطروا الحماية الأسرية في حينه عن الحالة.
من جانبه أكد رئيس هيئة حقوق الإنسان بمنطقة عسير الدكتور هادي اليامي أن الهيئة تتابع حاليا مع الجهات المختصة نتائج التحقيقات مشيرا إلى إعدادهم تقريرا مفصلا عن حالة العنف التي تعرض لها الرضيع.
من جهته أوضح الناطق الإعلامي لشرطة منطقة عسير المقدم عبدالله آل شعثان أنه ورد بلاغ عن وصول طفل إلى المستشفى به إصابات أدت إلى وفاته ولا يزال التحقيق جاريا لكشف الملابسات.
عنف ضد المرأة
ومن قضايا العنف ضد الزوجة وأبنائها مناشدة المعنفة (ف. م) الجهات المعنية لحمايتها وأبنائها السبعة من زوجها الذي حرمها كل شيء، وظل ـ على حد قولها ـ يعنفهم ويعذبهم طيلة 20 عاما. وتتطلع المعنفة الجديدة بعسير للخلاص من العذاب الذي تجرعته طيلة هذه الفترة بسبب إرضاء أهلها ببقائها مع زوجها الذي لم يكتف بتعذيبهم بل حرمهم من المصروف وحرم أبناءه من الذهاب لمدارسهم، حيث يغلق أبواب المنزل عليهم، دون أن يجدوا ما يأكلونه ويشربونه حتى الكسوة حرمهم منها.
وفيما طلبت في شكواها من الجهات المعنية أن تنظر في وضعها وأبنائها وتخليصهم من جبروت زوجها، أكد المتحدث الرسمي لإمارة منطقة عسير سلطان القحطاني، أن إمارة المنطقة وجهت الشرطة بالتحقيق في أمر المعنفة ورفع تقرير مفصل وواف للإمارة بذلك، كما وجهت دار الحماية بأبها بتوفير الحماية اللازمة لها ولأبنائها.
ومن جهته، أكد الناطق الإعلامي للشؤون الاجتماعية بالمنطقة علي الأسمري، أن المعنفة المذكورة تقدمت ببلاغ رسمي لدى الشؤون الاجتماعية بالمنطقة، تفيد بأنها تتعرض هي وأبناؤها للعنف والإيذاء من قبل زوجها كما أنها تتهم زوجها باستخدام المخدرات وطالبت بحمايتهم، وقد تم الرفع لإمارة المنطقة بذلك بقرير مفصل عن حالتها للتوجيه واتخاذ اللازم وإحالة أوراقها لشرطة المنطقة.
وقالت المعنفة إنه «يضرب أبناءه بشدة ومن فظاعة ضربه لابنه سلخ جلد ظهره وتقطع أمام عيني، وحاولت أن أدافع عن ابني وإبعاد زوجي عنه، فضربته بآلة حادة من غير أن أقصد من شدة هلعي على ابني، ما دفعه لتقديم شكوى ضدي للشرطة، وتم توقيفي ثلاثة أيام، وقد خرجت من بيته أنا وأبنائي، ولا نريد العودة له مرة أخرى، وأقطن حاليا مع أحد إخوتي وسببت له بذلك أعباء كبيرة، إذ لدي سبعة أبناء وبنات، وأخي ظروفه صعبة ولا يستطيع إعالتنا، وكلما ذهبت لطلب المساعدة لأبنائي من الجمعيات الخيرية، أفاجأ بقولهم إن الأب موظف يستلم راتبا شهريا، وأنا لا أريد من حطام الدنيا شيئا فقط أتطلع لحياة كريمة لي وأبنائي وحمايتنا من هذا العنف الذي امتد لأكثر من 20 عاما ولم أعد احتمل ذلك».
حبيسة الحماية
ومن قضايا العنف ضد المرأة أيضا مطالبة مطلقة من داخل دار الحماية الاجتماعية في عسير «عكاظ» بإيصال صوتها للجهات المختصة لمعاينة حالتها المأساوية، حيث أمضت نحو خمس سنوات وهي تتنقل بين السجون ودور الحماية الاجتماعية دون أن ترتكب أي جريمة موجبة للتوقيف أو صدور حكم قضائي بتوقيفها.
وتروي المطلقة ف . م «35 عاما»، أنها تنقلت خلال خمسة أعوام من سجن لآخر، ومن دار حماية وعجزة وصحة نفسية لأخرى دون تهمة أو جناية، ما تسبب في تدهور حالتها الصحية والنفسية، مطالبة بتمكينها من رؤية ابنها البالغ من العمر 13 عاما، والذي لم تشاهده منذ أربعة أعوم، عقب طلاقها من زوجها الذي انتهى بها إلى دار الحماية الاجتماعية.
واستطردت في وصف معاناتها عندما اشتد بها الحنين لرؤية ابنها، أنها هربت من سجنها المنزلي في عسير إلى الرياض تستجدي طليقها لرؤية ابنها، فاستغل عاطفتها في التبليغ عنها، وألقي القبض عليها بعد أن تقدم والدها ببلاغ عن هروبها، فأودعت سجن النساء بالرياض لمدة 10 أشهر، فيما رفضت دار الحماية في الرياض استقبالها بعد انتهاء محكوميتها، ورفضت السماح لها برؤية ابنها، ما دعاها للذهاب إلى منزل زوجها مرة أخرى لمشاهدته، ولدى عودتها للدار قبض عليها على خلفية بلاغ مقدم ضدها من مديرة الدار، وإرسالها مخفورة إلى سجن النساء في عسير قبل أن يتم تحويلها لدار العجزة، ومنها لدار الحماية وما تزال بها منذ 3 أشهر.
من جانبه أكد المحامي والمستشار القانوني بندر العمودي أن المحاكم الجزائية تختص بالنظر في قضايا العنف الأسري، أما إذا تطور العنف ووصل إلى حد القتل فينعقد الاختصاص للمحكمة العامة، وقال إن الأحكام التي تصدر في مثل هذه القضايا هي أحكام تعزيرية يقدرها القاضي مطالبا بسن عقوبات واضحة ومحددة.