بشكة الأنس

ياسر سلامة

من أسوأ العادات المنتشرة اليوم (البشكة) وهي لقاء أو جمعة تعود عليها البعض وكل يوم، فيجتمع مجموعة من الأصحاب في مقهى أو استراحة أو في بيت أو حوش أحد أفراد المجموعة، وطبعا من أهم أدوات هذه الجمعة أو اللمة الروتينية اليومية الشيشة والمعسل ولعبة البلوت أو (الكونكان).
هذه الجمعات شبه اليومية والتي في العادة تمتد لساعات طويلة وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي هي (محرقة) ومضيعة للوقت، ومن المؤكد أنها على حساب صحة وبيت وحياة أفرادها، لأنه لا يمكن وفي ظل ضيق الوقت الذي يعاني منه اليوم الجميع وضياعه ما بين عمل وأداء واجبات منزلية والتزامات اجتماعية أن يجد الإنسان ثلاث أو أربع ساعات يومية يهدرها بين البلوت والشيشة وصراخ الأصحاب.
قدر الله أن أكون من وقت لآخر ضيفا ثقيلا على بعض هذه (البشك)، فوجدت نفسي وبالإضافة إلى ما ذكرت بين مجموعات لا حل لها فإن بحثت عن المفتي الديني وجدته، وإن فتشت عن العالم المخترع الفذ فهو بلا شك أحد الأركان في البشكة، وإن احتجت إلى النحوي اللغوي زميل سيبويه فلن تغلب وستجده، فاطلب وابحث ولا حرج، فالكل متوفر في (لمة الشيشة الفاضية) وما أنت إلا أمام خيارين خطيرين كلاهما أسوأ من الآخر، فإما أن تظل متفرجا وحيدا محافظا على استقلاليتك وأن تبقى على نفس المسافة بينك وبين جميع أعضاء البشكة الأجلاء وفي هذه الحالة أنت متكبر ومتغطرس في نظر البعض ومرمى جيد ومنبوذ وستفشل حتما في هذه السياسة وإن نجحت بداياتها، والخيار الآخر أن تنغمس في بشكة الأنس، وتنال شرف الانضمام إليها، وتتوافق وتتأقلم بلا أدنى اعتراض على قوانينها غير المعلنة، ولا تبدي أي رأي أو ملامح تذمر أو رغبة في تعديل أو تغيير سياسة البشكة على الأقل في بداية نيل شرف الانغماس فيها.
مفهوم البشكة كمكان يرتاح فيه الإنسان بعد عناء يوم شاق وطويل غير موجود و(البشك) اليوم وما يحدث فيها من قيل وقال وصراعات واختلافات أصبحت مدعاة لتندر وسخرية حتى النساء، وما يحدث في بعض جمعات الرجال قد لا يحدث عند القوارير وكأن الصورة انقلبت، وكل هذا استنفاد للوقت والجهد والطاقة وعلى حساب أولويات كثيرة أهمها الصحة والواجبات الدينية والأسرية ناهيك عن القراءة والاطلاع وتطوير الذات، وفوق هذا وأكثر لو أردنا أن نحصي ما ضاع من وراء جمعات (البشكة) اليومية، ولأن اليوم مازال أربعة وعشرين ساعة، فسنقول ضاع العمر في (التبشيك).