بين سبي السوريات وسبي الأقصى

حافظ البرغوثي

أنشأت السلطات الإسرائيلية مؤخرا مفوضية لشؤون ما سمته جبل الهيكل، أي المسجد الأقصى، وهي مفوضية موازية للأوقاف الإسلامية. ويأتي هذا الإجراء في سياق حملة احتلالية منظمة لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا كما حدث في الحرم الإبراهيمي في الخليل. وكانت جماعات يهودية كثيرة تنشط منذ عقود بهدف إيجاد موطئ قدم في المسجد وساحاته، وصولا إلى فرض أمر واقع جديد يتولى فيه الاحتلال الهيمنة على المسجد وحركة الدخول والخروج منه والسماح لليهود بإدخال رموز صلاتهم ومقاعدهم إليه.
وكان الحاخام المتطرف يهودا غلوك اعترف في مؤتمر صحفي مؤخرا أن الدعم المركزي لجماعته التي تنظم اقتحامات شبه يومية للمسجد الأقصى يأتي من أجهزة الأمن الإسرائيلية التي تتوسل إلى الجماعات اليهودية بعدم ترك المكان. وقد بات واضحا أن أغلب الأحزاب الإسرائيلية تدعم توجهات الحركة التي تدعو اليهود للسيطرة على الحرم القدسي وفرض وقائع فيه بإدخال أضحية في الأعياد أو حجارة لوضع حجر الأساس للهيكل المزعوم. وكان المتدينون اليهود يرفضون مجرد الاقتراب من المسجد باعتبار أن ذلك محرم ريثما يظهر (المسياح) ملك إسرائيل ويقيم دولته ويعيد بناء الهيكل، لكن جماعات أخرى لم تعد تهتم بهذا المعتقد وصارت تريد فرض سيطرتها على المسجد وبناء كنيس بين المسجد وقبة الصخرة لصلاة اليهود، وتقسيمه زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود بدعم واضح من الحكومة الإسرائيلية وكبار المرجعيات اليهودية الدينية، حيث يقوم كبار رجالات الدين من الحاخامية العليا بتفقد معهد الهيكل القريب من ساحة البراق وشمعدان الهيكل الذهبي المنصوب قبالة المسجد الأقصى خلف ساحة البراق. واتفقت جماعات الحاخامات على تكثيف الجولات التي يقودها الحاخام غليك للمسجد الأقصى بهدف التسريع في عملية تقسيمه والتمهيد لبناء الهيكل، وفي مقابل ذلك بدأت سلطات الاحتلال بمنع الطلبة والطالبات والمدرسين من دخول ساحات الحرم القدسي وطرد الدارسين في المصاطب العلمية التي تعطي دروسيا دينية.
كل هذه الإجراءات تتم علنا وبهدوء يدعو للقلق نظرا لعدم الاهتمام الإسلامي بالتطورات الجارية في المسجد والحفريات أسفله وعمليات التهويد والاستيلاء على المنازل حوله، فالمسجد لم يتعرض في تاريخه لمثل هذه المؤامرة التي تستهدف وجوده من الأساس وتكاد تطبق عليه. فإنشاء مفوضية موازية للأوقاف هو البداية لتقسيمه ومن ثم تهويده، فهل من مستمع لنداء الأقصى؟ أم أن شريحة بعض المشايخ عندنا ما زالت مشغولة بتفعيل فتاوى السبي والنكاح والقتل.. فيما الاحتلال يخطط لسبي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.