وآفته من الفهم السقيم

نايف الرشدان

الفهم الأدبي للمقروء من مصادر أو مراجع أونصوص ليس ترفا أولهوا أو استمتاعا، بقدر ما هو طاقة تعين على فهم جميع شؤون المعرفة والعمل، إذ لابد لنا أن نستثمر وعينا وثقافتنا في فهم الدلالات والإشارات، لنستيقظ على معان لم نوفها حقها ولم نمنحها قدرها من الحياة، وقبل ذلك علينا أن نؤمن بدءا بأنه ما من نص إلا وله وجوه متعددة من القراءة، وما من نص إلا وله حقه من المنفعة، لكن ما من قارئ إلا وله حظه من مقروءاته، وفهمه لما قرأ، ونصيبك مما قرأت نصيبك مما فهمت، وتتفاوت قدرات الناس في التلقي بمقدار ما يوهبون من وعي ونضج وفتح إلى جانب ما متعهم الله به من مهارات عقلية وقدرات ذهنية واستلهامات ثقافية، فإذا قرأت نصا ما ستقرأه إما للمتعة أو للتثقف أو للانتفاع أو للاستشهاد، وسيكون فهمك الأس الذي يعول عليه، ولكنك إذا أجدت الاستنباط من الدلالات والأبعاد وأوتيت نصيبا من فهم الإشارات قفزت إلى مرتبتين:
البراعة العلمية، الاستثمارالحضاري، سأضرب مثلا على ذلك ومعه سأذكركم بأننا أشرنا في البدء إلى أن الفهم يأخذك إلى منهج سليم في جميع شؤون الحياة، فالذي قرأ بتدبر قول النبي صلى الله عليه وسلم (...لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق....) - حديث صححه الألباني - وجد أن من فهمه أقصر من معناه أدى به ذلك لإجازة محاولة الخروج على صاحب الأمر من أب أوحاكم أورئيس وهو خلاف التوجيه النبوي (... ولو تأمر عليكم عبد حبشي..) بل خلاف التوجيه الرباني (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) وفي توجيه آخر (..اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا..).
فأي فهم وجده الذين تمردوا على آبائهم أو من خرجوا على حكامهم!!؟؟
إن المتأمل في التوجيهات الشرعية لم يجد فيها أي ملمح للخروج أو الإيذاء أو حتى الرد القاسي، بل اكتفى بتوجيه عدم الاتباع مقرونا بالتعامل
برقي وخلق كريم مثل.. المصاحبة والكلام اللين..
ومثل آخر لقصور الفهم قول أبي تمام يرثي القاسم بن طوق:
فتى لم يذق سكر الشباب ولم تكن ... تهب شمالا للصديق شمائله
فتى جاءه مقداره واثنتا العلى ... يداه، وعشرالمكرمات أنامله
فإن مؤرخ الأدب الآمدي قرأ المعنى بطريقة قاصرة الفهم مما أدى إلى اتهام أبي تمام بالإخلال بالمعنى حيث رأى أنه إنما قلل من مكارمه بجعلها عشرا
والذي تفتح ذهنه لدلالة المعنى البعيدة علم أن أبا تمام إنما أراد أن يمدحه بأعظم من ذلك حين قال (عشر المكرمات أنامله) أي أن المكرمات منه بمنزلة اليدين من عشر الأنامل في الالتحام والتماسك، والدليل الآكد على ذلك قوله (واثنتا العلى يداه) فهل يعقل أن العلى في صورتين؟؟؟ ثم هو قال اثنتا العلى
أي أن العلى مرتبطة بيديه مبالغة في الثناء.