الرقية المخالفة مثلث أسود يسوّق الوهم بغطاء القرآن

بعض الرقاة لا يفرقون بين العين والمس والمرض النفسي وأبرز أدواتهم الحيل والخداع

الرقية المخالفة مثلث أسود يسوّق الوهم بغطاء القرآن

ماجد النفيعي، عبدالكريم الذيابي (الطائف)، عبدالله الداني (جدة)، مريم الصغير (الرياض)

اختلط الحابل بالنابل.. لا فرق بين هذا وذاك.. هل هو ساحر أم راق أم مشعوذ.. أبطاله من جنسيات يروجون لسلعة تشهد رواجاً متزايدا.. هناك من يدعي علاج مرضاه عن بُعد عبر خدمة الجوال المختلفة في محاولة لاستخفاف العقول وكسب المال بغير وجه حق، فيما طالب مختصون بإثارة القضية خاصة بعد اختلاط الأوراق ما بين الراقي الشرعي والراقي المادي، وما بين الكاهن والساحر والراقي المتعالم.
«عكاظ الأسبوعية» تسلط الضوء على هذا الملف وقضاياه الشائكة التي تنتظر حلا عاجلا ومفصليا لضبط عمل الرقاة.. وتغوص في أعماق من وقع في فخ النصب والاحتيال وتستمع إلى قصصهم كما يروونها على ألسنتهم، إلى جانب آراء جهات ذات علاقة بحماية المجتمع من آفة السحر والشعوذة.
في البداية أكد الشاب (ف، ص) قناعته التامة بأن بعض الرقاة دخل هذا المجال من أجل التربح، وقال قبل عشر سنوات قصدت راقيا بوالدتي المريضة بناء على نصيحة من صديق حيث أكد الراقي إصابتها بجلطة فراجعت بوالدتي المستشفى للتأكد على صحتها وأنا في حالة هلع شديد، إلا أن الفحوصات والتحاليل المخبرية أكدت سلامتها بنسبة 100 في المائة، فعدت لنفس الراقي فأشار إلى أن «جنيا» كان يحاول أن يصيبها بجلطة إلا أنه فر هارباً بعد الرقية، وعند انصرافي طالبني بمبلغ 2000 ريال وهددني بإعادة الجني إذا لم أمنحه المبلغ كاملا.
من جهتها، لفتت (ن، م) أن أحد أشقائها كان ممسوسا وتماثل للشفاء ولله الحمد لدى أحد الرقاة، وقالت بعض الرقاة يبالغون في أجورهم وأن أحدهم رقى شقيقها وهم في السيارة من شدة الازدحام وفي وقت قياسي لا يتجاوز الخمس دقائق وطلب مبلغ 1600 ريال، فيما طالب كل من أحمد السليماني وخالد الخثعمي بضرورة وضع ضوابط تحدد عمل الراقي وتؤهله كذلك للحصول على الوظيفة بصفة رسمية أو تحت مظلة الشؤون الإسلامية والشؤون الصحية، مع أهمية أن تكون كل عيادة نموذجية بحيث يتوافر الراقي ومعالج نفسي متخصص وتخضع المياه التي تباع عشوائيا والزيوت والخلطات لجهات رقابية تحدد صلاحيتها وتضبط فواتير أسعارها.
بهارات للقرابين
ومن القصص التي وثقت في محاضر الهيئات وأقسام الشرط في الطائف، ضبط خادمة قامت بسحر عائلة لمدة 12 عاما باستخدام البهارات، وكانت في البداية تضع البهارات في ماء ومن ثم تقوم بتجفيفها وتشكلها على هيئة حلقة دائرية وتبث فيها القربان إلى الشياطين، وبعد مرور هذه المدة الطويلة تلقت هيئة الأمر بالمعروف بلاغاً من أحد أقارب الأسرة، عن تعرض العائلة لظروف عصفت بحياتهم منذ فترة ويشك في أمر الخادمة، وقد باشرت الهيئة الحادثة وأثناء تفتيش المنزل صرخت الخادمة ونطقت بعبارة «أنا ما في يعمل سحر» وكانت هذه الجملة بمثابة الاعتراف، وبعد عمليات تفتيش وبحث داخل المنزل لساعات تم العثور على حلقة البهارات بالإضافة إلى حجر بحري ملطخ بدم نجس، وبسؤال الأسرة عن الحجر بينوا أنه من الأنشطة اللا منهجية في المدارس كانت قد شاركت به ابنتهم ولم تعلم أن الخادمة كانت قد استغلته لسحر الفتاة، وقد تم فك السحر وإبطاله بعدها فوجئت الأسرة بعودة أحد أبنائهم إلى المنزل بعد غياب دام ست سنوات حيث برر عدم استطاعته التواجد في المنزل لوجود أرواح شريرة تمنعه من الدخول عند الباب الخارجي، وبذلك نجت الأسرة بعد فك العملين السحريين وأحيلت الخادمة إلى الجهات المختصة لتنفيذ الحكم الشرعي حيالها.
رأس الفيل
ومن القضايا الغريبة في مجال السحر التي شهدتها محافظة الطائف في السنوات الماضية، ضبط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ساحرة اتخذت من رأس الفيل على هيئة مجسم صنماً تسجد إليه وتتقرب من خلاله إلى الشياطين لرفع مكانتها في مجال السحر، وتم ضبط الساحرة بعد أن تقدم زوجها بالشكوى إلى الهيئة على خلفية مشاكل أسرية، وبتفتيش المنزل عثر على عمل سحري في الملابس الداخلية لزوجها معقود على شكل الكفن بثلاث عقد، داخله شعر وصور للزوج مقصوصة كقطع صغيرة، ومخبأ خلف دولاب بالمنزل، كما وجد صنم في المنزل على هيئة مجسم لرأس الفيل، وبعد التحقيق في أمره أفادت بنات الساحرة أن والدتهم كانت تجثو وتسجد أمامه بعد صلاة المغرب وتتمتم بكلمات غير مفهومة، من أجل التقرب للشياطين، وكانت هذه الزوجة قد سحرت زوجها مدة أربع سنوات، حيث كان زوجها طوال تلك الفترة يسير خلف زوجته ويحبو على يديه وقدميه وراءها حتى لو دخلت حمام المنزل دون أن يشعر بنفسه، وعندما يفوق ويعود إلى وعيه في أوقات معينة، يحاول أن يستذكر ما حدث له دون جدوى، واصفا ذلك بالتشويش الذي يحدث على مخيلته، وتبين أن نوع هذا السحر هو التسلط على الزوج من أجل الاستيلاء على الراتب.
ابتزاز ساحر
وفي حالة أخرى، تمكنت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الطائف من ضبط ساحر يستخدم العسل في الإيقاع بضحاياه ممن يعانون المرض، واكتشف أمره عندما أعطى لمريض عسلا مخلوطا بدم النجاسة، وكان قد أوصى المريض بأن يأخذ ملعقة على الريق وفي المساء، وأثناء تناول المريض يشعر بآلام شديدة، ولا يجد علاجاً لمرضه في المستشفيات فيعود على الساحر الذي يقوم بابتزازه باعتبار أن الألم الذي يداهمه هو من فعل الجن وأن عليه دفع مبلغ مالي يقدر بـ 1000 ريال حتى يقوم بعمل خلطة له أخرى خبيثة.
اختلاط الأوراق
من جانبه، أوضح لـ«عكاظ» الشيخ صالح اللحيدان أستاذ كرسي القضاء الجنائي والمستشار القضائي الخاص والمستشار العلمي للجمعية العالمية للصحة النفسية، بأن قضية الرقاة يجب أن تثار خاصة بعد اختلاط الأوراق ما بين الراقي الشرعي والراقي المادي، وما بين الكاهن والساحر والراقي المتعالم، مضيفاً بأنه قد عرض في المجلس العلمي الأعلى الخاص أنواعاً من هذه الأمور، وينبغي أن يتم إيضاح بعض من الأمور، أولها المصاب بالعين يظهر عليه الاضطراب الظاهر، وكذلك الخوف عند شيء معين كالطالب عند الاختبار على سبيل المثال، أو كنوم الزوجة مع زوجها أو الزوج أثناء نومه مع زوجته، أو عند أكل معين أو السفر، حيث الإصابة بالعين تكون في شيء معين فقط في الحياة، أما الممسوس فدائما لونه شاحب ويعاني من ضعف شديد في الشهية يصل نسبة الضعف بحسب الدراسات العلمية النفسية إلى 70 في المائة، ومن علامة الممسوس كذلك يحب الانزواء والانطواء والتأخر في الحمام كثيراً، وكذلك أيضاً الممسوس لا يتواءم مع المجتمع وقد يهذي كثيراً ويتحدث بأمور غيبية غالباً.
مرض نفسي
وذكر الشيح اللحيدان، أنه فيما يتعلق في المرض النفسي، فإن له عدة أنواع أبرزها، الاكتئاب والكآبة والهوس المتوسط والهوس الحاد والذهان العقلي، والانفصام يصنف من الأمراض العقلية فيظهر على المريض علامات منها تقطيع الأظافر بالأسنان ووجود هالات حول العينين، ومنها كذلك يمتد إلى الوسواس القهري في الوضوء والصلاة والشك في الزوجة والشك في الآخرين، ومنها عدم ارتياحه لأشخاص معينين، وكذلك مداومة المشي وحيداً، كما أن بعضاً من المرضى النفسيين يكون لدى البعض منهم الطموح دون قدرات فاعلة وقد يكون ذو تفكير وذكاء جيد، ودائما عنده زوغان في النظر وعجلة في الكتابة والكلام، وعنده محاولة مقاطعة المتحدث، وكثرة الحركة أثناء الجلوس والسرعة في قيادة المركبة.
وأفاد اللحيدان، بأن من العلامات التي درسها في القضاء الجنائي والقضاء النفسي الدقيق أن المريض النفسي لا يتعاشر مع زوجته كما ينبغي، مما يدعو الزوجة أن تمل منه، مشيراً إلى أن السحرة الآن دخلوا على خط الرقية خاصة في عدة دول عربية وفي المملكة، مضيفاً بأن هناك علامات للسحرة ينبغي على الجميع الحذر من شرهم وكشف أمرهم، حيث يطلبون اسم الزوج أو اسم الأم أو الأب، أو يطلبون إحضار ثوب أو ملابس معينة للإنسان الذي يريدون معالجته، وبعض السحرة يطلب شيئاً معيناً كالديك مثلاً، أو ذبح خروف أو وضع الملح والرماد في أركان البيت، أو تدخين البيت بدهن العود مع الزعفران.
وطالب اللحيدان، من وسائل الإعلام ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتوعية الدقيقة في هذا الجانب، آملا في هيئة كبار العلماء من خلال المفتي بأن يصدر قراراً بحق من يدعون الرقية وليسوا برقاة، لأنهم لا يفرقون بين العين والمس والمرض النفسي لخلفيتهم الضعيفة في هذا الجانب ــ على حد قوله ــ، كما أن على وزارة الداخلية الدخول والمشاركة في متابعة ذلك، لأنه من الواجب أن يكون الراقي على علم بالتفريق بين ثلاثة أنواع، حتى وإن كان هناك رقاة أذن لهم بالعمل في مجال الرقية وأعطوا تصاريح، مشدداً على الراقي المتعالي المنتشر بكثرة في هذا الوقت.
وحدة خاصة
من جانبه، أوضح الناطق الرسمي باسم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور تركي الشليل، بأنه الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ وجه بإنشاء وحدة خاصة لمكافحة جريمة والسحر والشعوذة، ومن مهماتها تأهيل العاملين للتعامل مع قضايا السحر والشعوذة، ومشاركة الإدارات في الرئاسة العامة بالعمل على إعداد برامج علاجيه شاملة، مع تفعيل العمل في الفروع من خلال المراكز المخصصة لمكافحة السحر والشعوذة في المدن والمحافظات، مضيفاً بأن إدارة التطوير الإداري قامت بالتنسيق وإعداد دورات متخصصة لرؤساء وأعضاء الهيئة لتدريبهم على مهارات الاحتساب في قضايا السحر والشعوذة، نفذ من هذه الدورات عدد كبير في جميع فروع الرئاسة العامة بمناطق المملكة.
وأضاف «فيما يتعلق بالرقاة، فإنه يوجد في كل منطقة لجنة لمتابعة عملهم يشارك فيها عضو من جميع الجهات ذات العلاقة من ضمنها إمارة المنطقة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة ووزارة الشؤون الإسلامية، ولهذه اللجنة جهود كبيرة في متابعة الرقاة ومعالجة ما قد يصدر عنهم من مخالفات.
خطورة السحر
وبدوره، أوضح الشيخ عادل الجهني إمام مسجد بأن دور المسجد عظيم في تثقيف الناس شرعيا بخطورة السحر والسحرة والمشعوذين من خلال الخطب والدروس وغيرها، مضيفاً بأنه بلا شك أن دور الإمام عظيم في معرفه أحوال أهل الحي في حال حدثت مشكلة متعلقة بالسحر وغيره، وذلك بالزيارة والتوجيه والنصح، وبين الجهني أن الأصل في إمام المسجد أن يكون قدوة للجميع، وأن ينظم الدورات التأصيلية في العقيدة وربط الناس بالله تعالي وفضح أفعال السحرة أو حتى الرقاة المخالفين، مبيناً بأن مسؤولية إمام المسجد شاملة في المتابعة المستمرة والدقيقة لما يوضع في المسجد، مستشهداً بموقف عاشره بنفسه في إحدى المرات حيث وجد عن طريق الحارس كتابا كبيرا جدا موضوعا في زاوية المسجد، وعندما قام بفتحه تبين أنه كتاب شمس المعارف وهو كتاب ضال عن السحر والشعوذة، مشيراً إلى أن هؤلاء الدجالين يستغلون المساجد خاصة في حال غياب الرقابة بوضع بمثل ذلك، ناصحا الأئمة بمتابعة كل ما يدور في المسجد وحماية مصاحف القرآن من أي عبث يقع عليها.
أذى الراقي
من جهته، أكد الشيخ والراقي المعروف خاطر الزهراني، عدم وجود عوائق تعترض عملهم أثناء رقيتهم على المرضى، إلا أن أغلب أهل المرضى يحببون رقية مريضهم في منزلهم وهذا يشكل خطراً كبيرا على الراقي، لخطورة بعض الحالات التي لا تضمن تصرفات المريض الذي قد يتسبب في أذى للراقي أحياناً، محذراً من بعض الدلالات التي يجب أن يتفهمها المريض لمعرفة هل الذي يقوم برقيته ساحر أو مشعوذ ومنها طلب اسم المريض وسم أمه، أو من خلال تحديده أماكن جلوس المريض وترديده لبعض التمتمات، حيث عادة ما يطلب السحرة والمشعوذون الذين يرتدون رداء الرقية إحضار نوع من الكائنات بشكل معين كالحيوانات والطيور وصرف الحجب للمريض والتمائم وبعض أنواع الخواتم ما يسمى بالعقيق.
وأضاف «من الدلالات التوصية بالتبخر بأنواع معينة من البخور أو الطلب من المريض الاتصال به أي (الساحر) مؤكدا أن هناك سحرة يسحرون عن طريق الصوت وفي الأصل لا يذهب للساحر إلا شخص باع دينه وأمانته»، موضحا أن أغلب من يتعالج عند السحرة يقع في فخ الاحتيال، ولابد أن تكون هناك هيئة شرعية مخصصة لهذا الشيء مع محاربة من هو ليس أهلا لها وعمل دورة تكون مخصصة للرقاة في المستشفيات فهي ستساعد بحول الله وقوته على إنها كثير من الحالات التي عجز عنها الطب الحديث، كاشفا عن موقف تعرض له شخصيا بالقول «تلقيت اتصالا هاتفيا منتصف الليل تقريباً وإذا بالمتصل يلح على مقابلتي فذهبت إليه وأخبرني أن أخاه الذي يبلغ من العمر 27 عاما كان يعاني من الصرع (عافانا الله وإياكم) وهو منوم بأحد المستشفيات بالطائف وألح علي بالذهاب للقراءة عليه».
وأردف «استعنت بالله ثم توجهنا إليه وأول ما دخلنا الطوارئ وتحديدا غرفة الإنعاش فلما رأيته والأطباء من حوله ووضعوا في كل مكان من جسمه جهازا لكي يتم تشخيص الحالة، وسألت أحدهم وقال لا نعلم ما به ثم استعنت بالله وبدأت أقرأ عليه وإذا به يتحرك فاندهش الأطباء ثم قلت لهم لا يحتاج إلى عملية وإنما يحتاج منكم بعد الدعاء المكملات العادية مثل المغذية وما شابهها.. فواصلت معه القراءة حتى من الله عليه بالشفاء وهو الآن يتمتع بصحة جيدة ويقطن في جدة»، مبينا أنه لا يرى أن تتم القراءة عن طريق الهاتف والتلفاز مما يسبب للمريض وأهله الخوف والقلق لاسيما ممن يعانون بالتلبس من الجن فبعض الأهالي لا يحسنون التصرف تجاه المريض، محذراً من بعض الرقاة هداهم الله الذين يستعملون الضرب والصعق بالكهرباء مما يؤدي إلى الأذية بالمريض نفسه وسبق قرأت على أحد الأشخاص كان يذهب لأحد الرقاة الذين يستخدمون الكهرباء حتى أعاقت رجله وبحمد الله شافاه الله.
مخالف للشرع
واستنكر الدكتور مازن خياط عضو مجلس الشورى سابقا واستشاري أمراض سرطان الدم بالملك فيصل التخصص ومركز الأبحاث بالرياض، الفوضى في الرقية الشرعية مطالبا بإيجاد تنظيم وتقنين لهذه المهنة التي بات يستغلها البعض لفعل أمور مخالفة للشريعة الإسلامية وتنافي الأخلاق والقيم والثوابت، لافتا إلى إن الرقية لدى البعض أخذت منحى خاطئا جملة وتفصيلا، وقال «الرقاة المخالفون استغلوا طيبة الناس وحبهم للدين وعدم وجود ضوابط نظرية وعلمية تقنن هذا العمل وتضبطه فأصبحوا يمارسون الكذب والدجل والتلاعب بمشاعر الناس متلبسين بلباس الدين مضللين للناس ومخادعين لهم».
وأضاف خياط «كل شيء واضح في الطب، المخالفات محددة وواضحة، وكل الإجراءات موضحة، ونحن هنا في الرقية لا نجد هذا الأمر حتى صار هناك استغلال للناس، والمفترض أن لا ننظر إلى نوايا الناس، وعلينا بالمظاهر وما يظهر أمامنا، ومقاومة هذه الفوضى لأنها استشرت وزادت وكثر ضررها على نفعها بعد استغلالها».
ظواهر معاصرة
من جانبه، أوضح الدكتور غازي بن غزاي المطيري أستاذ كرسي الأمير نايف لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن من الظواهر المعاصرة التي أخذت أبعادا اجتماعية شائكة واختلف علميا في مفهومها وتطبيقها كل وفق مشربه العلمي والاجتماعي ما يمكن أن نسميه بظواهر الأمراض النفسية وعلاجها والذي تصدى لها للأسف كثير من المغمورين الذين اتخذ بعضهم منها مهنة ورزقا ولو أن الأمر وقف عند هذا الحد لكان يسيرا ولكنه تجاوز حدود الشرع والعقل والمنطق فتصدى لهذه المهام، من ليس أهلا علما ولا فقها ولا تجربة وأغلبهم من الشبان أو المتقاعدين أو بعض ممن يزعم الاستقامة وظن أن بعض المواهب تعطيه الحظ أن يكون راقيا خاصة أن هذه المهنة أصبحت مصدرا للثراء السريع والشهرة ولذلك استدرج الكثير منهم إلى هذا الاتجاه ابتداء بحسن النية والاحتساب وانتهى بعضهم أو أكثرهم إلى الانحراف والتورط في الأخطاء العلمية والفقهية والأخلاقية وليس أقلها من الحكم بادي الرأي على أن هذه المريض أو المريضة مصابة بالسحر أو العين أو غير ذلك دون إدراك أو معرفة للأمراض النفسية أو العضوية ذات التأثير النفسي والبعض منهم يخوض فيما لا قبل له به كاستخدام بعض الأدوات والممارسات كالخنق والضرب باستخدام الصعق الكهربائي وغيره ومنهم من يبيح لنفسه أن يلمس المرأة في العنق، ومنهم من يدخل في تحقيق جنائي مع العفريت المزعوم وهناك حوادث تثبت وقوع البعض في الأخطاء الأخلاقية والعلة في ذلك كله عدم وجود تنظيم رسمي وإشراف مباشر من الجهات المعنية.
وأضاف «لابد من وضع تنظيم جديد لعمل الرقاة وفق إشراف مباشر من الجهات المعنية سواء الهيئة أو وزارة الأوقاف، مع الزيارات المباغتة والمفاجئة واستماع الشكاوى من المرضى وأن يخضع للاختبار ابتداء وأن يحصل على ترخيص رسمي ثم الإشراف المباشر عليه»، مبيناً أن الأولى بالمسلم أن يرقى نفسه وأن يتعلم الرقية لأن الرسول كان يقول احفظوها وعلموها الناس.
استغلال الناس
من جانبه أكد عضو مجلس الشورى والقاضي السابق عيسي الغيث، أنه لا يري وضع نظام خاص يقنن عمل الرقاة لأن ذلك قد يستغل من البعض كما يحدث في الطب البديل، وقال «الرقاة المضللون اعتادوا على استغلال الناس وبيع الوهم لهم من عسل وزيت فيما يلجأ بعض الرقاة إلى ضرب المرضى مما أودى بحياة بعضهم، في حين يعمد البعض الآخر إلى إيهام الناس بأنهم مسحورون ويستغلون القرآن في أغراضهم الدنيئة» ويضيف الغيث «الرقية مشروعة وقد ورد ذلك في الكتاب والسنة، ولكن الإشكالية فيما نراه من المتاجرة في الرقية والتي جعلتها تتعدى على العرض والنفس والمال والعقل والدين» مقترحاً على هيئة الأمر بالمعروف مسؤولية متابعة الرقاة من خلال إدارة تابعة لها مثل إدارة مكافحة السحر والابتزاز.
وقسم الدكتور الغيث الوضع إلى ثلاثة مثلثات سود، وقال «يتكون المثلث الأسود الأول من (مفسري الأحلام، الرقاة، الطب الشرعي) والمثلث الثاني هو (السحر، الشعوذة، الدجل) فأول هذا المثلث لديه قدرة على السحر فعلا، والثاني أقل منه وهو يحاول الوصول إلى شيء من السحر والثالث كذاب ونصاب وليس بساحر، أما المثلث الثالث فيتعلق أحيانا بالوهم (المس، العين، الحسد)».
وأضاف «المثلث الأول يزعم أنه يعالج الثاني، والمثلث الثالث هو الوهم الذي ينخدع به الناس، ونحن نؤمن بالسحر والمس والعين ولكن ما الدليل على أن حالة معينة تشخيصها وجود سحر أو مس أو عين، هنا إشكال».
وزاد «بعض الرقاة يقولون لشخص ما أنك مسحور أو مسه جني وهو كذاب لا يعرف صحة ذلك، وكذلك بعض مفسري الأحلام تقع منهم جرائم بسبب تفسيراتهم الخاطئة، وبالتالي فهناك رقية وأخرى رقية شرعية مثلما هناك طب شعبي وهناك طب بديل وهو الذي له تراخيصه ويدرس في الكليات، كما أن هناك في التأويل أناس متخصصون وغير متخصصين، فالتأويل نصفه علم والآخر موهبة من الله».
وبين الغيث أنه ضد أن يكون هناك تراخيص للرقاة، بحيث يتم وضع مظلة رسمية لهم وإنما يتاح لهم العمل كما هم في السابق، لكن مع وجود الرقابة وإيقاع العقوبات حال ورود أية بلاغات، كما تقوم الهيئة بواجب الرقابة المكثفة.
تحديد الأسباب
من جانبه بين استشاري الطب النفسي الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء النفسيين العرب الدكتور طارق الحبيب، أن المسألة تعتمد على تحديد الأسباب المؤدية إلى لهاث البعض وراء الدجالين والمشعوذين ثم الاتجاه لعلاجها، لافتاً إلى أن وجود بعض الأمراض النفسية أو العضوية المزمنة أو غير القابلة للشفاء إلا بإذن الله، تدعو الإنسان للجوء الى مناهج غير مقبولة لعقله حال كونه في وضعه السليم، فيحصل للإنسان ما يسمى بالنكوص وهي الرجوع الى مرحلة بدائية في التفكير ومنها التعلق بالأوهام والمشعوذين والدجالين، فهي حالة تعتري الإنسان وقد تأتي بعض الناس الذين لديهم إيمان جيد لكن حالة الضعف النفسي تتجاوز قوته الإيمانية فيلجأ إلى مثل هذا.
وأضاف «سبب وجود الدجالين يعود أحيانا إلى عدم وجود الأنظمة التي تردع مثل هؤلاء، كما حصل في بعض الأحيان أن تبث بعض القنوات الإعلامية مثل هذه البرامج وأثرت بشكل كبير على المتلقين وتم منعها، وسبب آخر كذلك وهو ربما ظهور هؤلاء الذين كانوا يظهرون في تلك القنوات في قنوات أخرى بأسماء مختلفة ربما علمية أو خلافها فيبثون هذه الأمور بطريقة غير مباشرة إلى الناس».
وزاد «من الأسباب أيضا الفهم الخاطئ لمعاني القرآن الكريم لدى بعض الناس فقد يلجأون إلى أشياء لا تكون مناسبة أحيانا، وفق فهمهم الخاطئ، لكن المفترض أنه ينبغي فهمها بأطروحات علمائنا الأفاضل وهذا هو المخرج من هذه المآزق».
وأضاف: «ينبغي أن نفرق بين الرقاة والمشعوذين؛ فالمشعوذ يستخدم الدجل للحصول على شيء من أمور الدنيا وقد يستخدم المحرمات، والراقي يستخدم القرآن أحيانا بعلم وأحيانا بغير علم».
وأردف «القرآن بركته عامة أيا كان التشخيص وهنا نعمم فائدة الرقية لكل أحد ونقفل باب فتح استراحة بأخذ أذن من شيخ أو خلافه للقراءة على الناس، الرقية على الناس تحتاج تصريحين أحدهما شرعي والآخر تصريح طبي، فلا يجوز في نظري لأي شيخ مهما بلغ علمه أن يعطي أذنا لفلان من الناس بالرقية لأن هذا الشرعي أعطاه من ناحيته فقط، لكن بقي الجزء الطبي لأنه قد تكون لديه اجتهادات لكنها لا تنفع».
وفيما يتعلق باعتماد الشخص على نفسه في القراءة بدون الذهاب للرقاة قال الحبيب «بعض الناس قد تضعف قيمة ذاته أثناء المرض ولا يستطيع القراءة الذاتية ومن هنا يلجأ للرقاة».